الأمر كان يشبه تماما الأيام الجميلة الماضية. كان سكوتر ليبي يجلس في الصف الأول، بينما كان بول وولفويتز في الصف الثاني، وكان ديك تشيني على المسرح يقرع طبول الحرب. أعلن نائب الرئيس السابق، في نقد استباقي لخطاب وقت الذروة للرئيس أوباما بشأن محاربة ”داعش”: ”الوضع يعد خطيرا، وإلحاق الهزيمة بهؤلاء الإرهابيين سوف يتطلب اتخاذ خطوات عاجلة ومستدامة وفورية عبر عدة جبهات”. وقال تشيني أمام مركز الأبحاث المحافظ ”أميركان إنتربرايز إنستيتيوت”: ”يتعين علينا ضربهم على الفور في معاقلهم، وأماكن تجمعهم، ومراكز قيادتهم، وخطوط اتصالاتهم أينما وُجدوا”. وأضاف: ”إننا في حالة حرب.. ويتعين علينا أن نفعل ما بوسعنا مهما استلزم ذلك من الوقت لتحقيق النصر”. وهذا يعني أنه ”يتعين علينا التوقف عن سحب قواتنا من أفغانستان”. ويجب علينا ”اتخاذ إجراء عسكري إذا لزم الأمر” في إيران، وأن نقدم ”الدعم والتأييد الكامل” لهؤلاء الذين يحاربون ”الإخوان المسلمين”. خلاصة القول: الحرب والحرب والمزيد من الحرب. كان تشيني - الذي ترك منصبه منذ 5 سنوات وعقب عامين من خضوعه لجراحة زرع قلب - يبدو ويتصرف مثلما كان في السابق؛ فقد عاد تشيني إلى بنيته القوية، وابتسامته الملتوية، ورفض أي معلومات تتعارض مع طرحه العسكري. وأشار مارك تيسين، رئيس الجلسة المنعقدة بمركز أميركان إنتربرايز إنستيتيوت إلى تقرير أعده روبرت كوستا بصحيفة ”واشنطن بوست” عن الجمهوريين ”اليافعين والرافضين للحرب” بمجلس النواب الأميركي، والذين عارضوا موقف تشيني عندما تحدث أمام هذا التجمع. وتساءل تيسين: ”ألا يتعين علينا إقناع الكثير من الناس في حزبنا أولا”؟ وافق تشيني على هذه الفرضية في بادئ الأمر، ولكنه أعاد النظر فيها فيما بعد، قائلا: ”إنني على يقين أنه ربما يكون هناك القليل من المستمعين ممن يختلفون معي في الرأي.. أعتقد أن (واشنطن بوست) عثرت على اثنين منهما”. تتفق مختلف الأطياف السياسية مع بعض ما ذكره تشيني؛ أن الرئيس أوباما كان ينأى بنفسه ومترددا للغاية في استخدام القوة العسكرية. وحتى عندما أعلن شن حملة موسعة ضد ”داعش” مساء يوم الأربعاء، ذكّر أوباما الأميركيين بأن القتال في أفغانستان سوف ينتهي هذا العام، مع إعادة 140 ألف جندي أميركي من العراق، وأننا ”لن نتورط في حرب برية أخرى” هناك. ولكن تشيني يعد ناقدا خاطئا بشكل كبير، لأن البديل الذي يقدمه هو الحرب دائما وفي كل مكان. ورغم أن محاربة ”داعش” يحظى بالتأييد، فإن هذا البديل المتطرف الذي يقدمه تشيني لا يحظى بالتأييد في الدولة أو حتى في أوساط الحزب الجمهوري. وللتأكيد على ذلك الأمر، كان جيم واليس، الذي وصف حرب العراق بأنها ”حرب مبنية على الأكاذيب”، يتحدث في قاعة اجتماعات مجاورة بمركز الأبحاث المحافظ، بينما كان تشيني يدلي بخطابه، وكان من الممكن سماع صوت التصفيق في الغرفة حيث كان يتحدث تشيني. كان هذا بمثابة ثاني خطاب يعارض فيه تشيني الرئيس الأميركي الحالي بشكل مباشر، عقب مبارزة مايو (أيار) 2009 عندما عارض تشيني، بنحو شرس، سياسة أوباما المتعلقة بمكافحة الإرهاب. حملت تصريحات تشيني الرتيبة الخطاب التخويفي ذاته: ”القاعدة لا تتقلص، ولا تنحسر موجة الحرب... تتضاعف أعداد الجهاديين وتشن التنظيمات التابعة ل(القاعدة) 3 أضعاف الهجمات... وزير الدفاع في حالة تأهب قصوى. قال هيغل على مدى الأسابيع القليلة الماضية (كل أنحاء العالم تنفجر) ”. في الواقع، كانت جملة ”العالم ينفجر” جزءا من تساؤل أوضح تشيك هيغل أنه عادة ما كان يطرحه، ولكن لم تكن الدقة تشكل أولوية عند تشيني على الإطلاق. كانت أولوية تشيني في ذلك الاجتماع تكمن في إخبار الأميركيين أن أوباما يعرض أمن الأميركيين للخطر. ولفت تشيني إلى أن إدارة أوباما ”فشلت تماما” في الحفاظ على قوة الأمن الأميركي. تشيني - الذي يقول إن إدارة أوباما ”فشلت تماما” في الحفاظ على قوة الأمن الأميركي في الداخل - يتيح بذلك ”الفرصة أمام خصومنا” من خلال ”تصريحاته الصارمة بشأن التقاعس عن العمل”. كان خطاب تشيني، الذي استغرق 20 دقيقة - والذي قرأه بعناية من نص معد سلفا - يحمل لهجة ”لقد أخبرتك بذلك”. وقال بنبرة ساخرة: ”كان من الجيد أن أسمع”، في تصريح لأوباما أدلى به أخيرا، إن الأجهزة الأمنية التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) جعلتنا نتمتع بالأمان، ”ولا سيما من شخص اعتاد التحدث باستخفاف شديد بشأن الخطوات التي اتخذناها”. بالطبع، يمكن القول إن انتشار الحركات الجهادية لا يمكن أن يفعل الكثير في عهد الرئيس أوباما مقارنة بحالة عدم الاستقرار الناجمة عن حروب بوش - تشيني. ولكن لا يزال تشيني - الخبير في إخفاقات أوباما - أعمى بشأن الأمور الخاصة به. وقال تشيني: ”يمكن أن تكون سياسة عدم التدخل مجرد مسألة عقائدية كما هو الحال بالنسبة لنقيضها”. وأضاف: ”وفي بعض الأحيان كان يبدو أن هذا الرئيس أكثر ثقة بنفسه بينما تثبت الأحداث أنه على خطأ”. الوعي بالذات من شأنه أن يجعل تشيني يتراجع عن تلك المقولة.