لا يمر يوم إلا وتفجعنا “داعش” بصور لإجرامها، ومع كل جريمة ترفع درجة الوحشية والتفنن في القتل. هذه المرة، جعلت مياه المتوسط حمراء من دماء المصريين الذين ذبحتهم لا لشيء إلا لأنهم على دين المسيح، ولو لم يكونوا أقباطا لوجدت لهم أسبابا أخرى لنحرهم، لأنها متعطشة للدم ولزرع المزيد من الرعب في نفوس الناس عبر كل مناطق العالم. داعش تريد أن تحكم بالرعب، فالذي سلم من خناجرها تقتله رعبا وهكذا تسيطر على إرادة الناس وتهيئهم مرغمين لما هو أسوأ. جريمة نحر المصريين أمس، فاقت في بشاعتها حرق الكساسبة، وقد فعلتها داعش لتنسي الناس جريمة الحرق، فكل جريمة جديدة تنسي بشاعتها ما سبقتها. لن تمحي الضربة التي وجهها الطيران المصري لداعش في ليبيا الأضرار التي خلفتها مياه البحر الحمراء من النفوس حتى لو قتلت كل من ينتمون إلى التنظيم دفعة واحدة، فقد نجحت داعش في حربها النفسية ضد الجميع، مثلما نجح المخططون لجرائمها في جر مصر إلى هذه الحرب وقبلها جر الأردن، ومن يدري من ستكون الجنسيات التي ستستهدفها داعش مستقبلا لتجبر الدول الرافضة للدخول في الحرب ضدها على تغيير رأيها. فمن السهل عليها استهداف أية جنسية أخرى في ليبيا، ما دامت ليبيا مفتوحة على الخراب. هل من الصدفة أن يرتدي ضحايا داعش نفس اللباس البرتقالي الذي كان يرتديه سجناء ڤوانتنامو؟ ومن أين لهذا التنظيم بكل هذه الوسائل اللوجيستيكية من سلاح وخناجر ولباس عسكري موحد لعناصرها وساعات آخر طراز، من أين لها كل هذا، أليس هذا دليل على أن وراء التنظيم قوى كبرى؟ اليوم جرّت رجل مصر إلى حرب كونية تدعي أمريكا أنها تقودها ضد تنظيم إرهابي، بينما المراد منها إشعال كل شبر من البلاد العربية في حرب كونية ثالثة وقودها عرب وسفاحوها يدينون بالإسلام وإيديولوجيتها إسلامية. حرب سيخرج أكبر الخاسرين فيها الإسلام والمسلمون، فقد نجح المخططون لها في شيطنة هذا الدين، وجعله مرادفا للجريمة ومتعطشا للدماء وهكذا تحول هذا الدين الذي كان طيلة قرون مرادفا للتنوير والعمران والتطور، إلى مرادف للظلام والحقد والكراهية، مرادفا للجريمة والقتل بأبشع الطرق. والمصيبة أن الذين يدّعون أنهم يدافعون عنه ويناصرون رسوله، وكانوا يخرجون في مظاهرات منددة بصورة مسيئة للنبي، يلوذون بالصمت أمام جرائم داعش، وكأنهم يؤكدون أنه هو هذا الإسلام، وأن كل ما يقوم به هذا التنظيم الدموي هو نصرة للإسلام ولرسالة نبيه. أتعجب كيف لم تدفع الجريمة المقترفة في حق المصريين أول أمس، بالمسلمين للخروج إلى الشارع تنديدا بهذه الجرائم المقترفة باسم دين كان حتى وقت قريب عنوانا للتسامح ورحمة للعالمين؟ كيف لم يدينوا هذه الجرائم المسيئة للرسول وللإسلام أكثر من كل الرسومات الكاريكاتورية التي أشعلت الشارع الإسلامي منذ سنوات؟ ستنهزم داعش مهما كانت الجرائم التي اقترفتها ومهما كانت درجة الرعب التي ستزرعها في النفوس، ليس لأن الغرب يدعي محاربتها، لكنها قبل أن تنهزم مثلما انهزمت النازية، سيكون أول الخاسرين جراء جرائمها، هو الإسلام الذي لطخته إلى الأبد بدماء الأبرياء، وسيكون من الصعب على المسلمين الذود عن دينهم ما لم يقفوا الآن أمام جرائم التنظيم، وما لم يعملوا على تطهير الدين من فتاوى القتل والحقد التي نسبت إليه منذ قرون. الحرب قبل أن تكون حربا على الإنسان العربي، مسلمين ومسيحيين، هي حرب على الحضارة وعلى الإسلام لتجريده من كل رسالة إنسانية جعلته منارة للإنسانية في فترة ما من تاريخه. اللعبة مكشوفة، فقط الحاقدون وحدهم يرفضون رؤية الحقيقة!؟