حالة من الانسداد تعرفها وزارة الثقافة منذ تنصيب الوزيرة الجديدة نادية لعبيدي خلفا للوزيرة السابقة للقطاع خليدة تومي، آخرها استقالة الأمين العام بالنيابة أحمد حمدي، الذي رمى المنشفة تزامنا مع قيام بعض إطارات إحدى المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة بتحريك ملفات تتعلق بحصول دور نشر على مبالغ مالية خيالية من عملية الدعم التي تشرف عليها الوزارة، والتي أشارت إلى ضلوع هذا الأخير فيها، وهي القضية التي فجرت قصر هضبة العناصر في الآونة الأخيرة. لم تعرف وزارة الثقافة حتى في عهد الوزيرة السابقة هذا الجمود مثلما يحصل الآن، فبعد مرور شهور على تولي الوزيرة المنصب بدت كل المصالح معطلة، حيث لم يتم بعد تعيين مديرا للديوان ولا حتى أمينا عاما، مع وجود عدد من المديريات في حالة شغور مؤقت. يقول أحد العارفين بخبايا الوزارة أن: ”ما يحدث غير طبيعي خاصة مع اقتراب موعد التظاهرة الكبرى التي ستعرفها الجزائروقسنطينة خاصة.. فلا قرارات نفذت ولا مراسيم وقعت ولا حراك ملموس.. بل هناك صراع مصالح نتج عن تركة الوزيرة السابقة التي أحكمت قبضتها على مفاصل الوزارة، وكانت الآمرة الناهية حتى في أدق التفاصيل التي تخص القطاع وفي أبسط المشاريع، عكس الوزيرة الجديدة التي أبدت مرونة أكثر في التعامل مع الأمور.. بل وصل الأمر إلى عدم اتخاذ أي قرار بحق إطارات رفضت التنحي بحجج واهية، ما جعلها تتراجع عن الكثير منها، والتي أرادت مباشرتها ولكنها اصطدمت بعراقيل كثيرة ومعقدة حالت دون أن تحدث التغير المطلوب والمنشود في وزارة طالما كانت في قلب أعاصير ومآخذ كثيرة كانت بطلتها دوما الوزيرة السابقة”. ماذا يحدث بالضبط في الوزارة التي كانت إلى وقت قريب إحدى أهم الفاعلين في المشهد الثقافي بما عرفته من زخم كبير اختلف حوله واتفق بشأنه؟. لماذا ركنت الأمور إلى سكون وصل إلى موات حقيقي بعدما كانت ”لوكوموتيف” ساخن يتحرك هنا وهناك؟. هل الأمور معقدة وصعبة إلى هذا الحد بعد سنوات من تداخل وتشابك الصالح الثقافي العام مع المصالح الضيقة للبعض؟. لماذا لم تستطع الوزيرة الحالية حل الأمور.. هل ذلك راجع إلى دفتر شروط ملتزمة بها مفروض عليها من جهات عليا في الدولة لا يهمها الاستمرار في نفس الحركية التي كانت من قبل، وبالتالي تصفية التركة الثقيلة بإيجابياتها وسلبياتها التي خلفتها الوزيرة السابقة بهدوء وروية؟. أم يرجع الأمر إلى شخصية الوزيرة الحالية الموسومة بالهدوء والمسالمة وعدم رغبتها في خلق جبهات صدامية هنا وهناك؟. العارفون بالوزيرة الحالية يقولون أنها منذ توليها الوزارة وجدت نفسها في دوامة حقيقية وتجاذبات أملتها وقائع كثيرة وعميقة وشبكة سميكة صعبة التفكيك، ووجدت نفسها تشتغل مع وجوه لم تتغير منذ سنوات وعقود حتى أصابها الترهل والقدم (وحالة المدير الحالي للديوان الوطني للثقافة والإعلام خير مثال على ذلك). ورغم ما يكتب ويقال يوميا عن الوضع بهذه الهيئة وما يرفع من تقارير إلا أنها لم تقدر على اتخاذ إجراءات سريعة عملية ونافعة ومباشرة تحسب لها. وما يحدث في كواليس تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية من أمور لمثال واضح وصريح على أن الأمر يتعداها ويتجاوزها.. فحسب أحد المتابعين لما يحدث فإن: ”الوزيرة وجدت نفسها فجأة على خط تظاهرة كبرى تحتاج إلى نفس طويل وقدرة على التحرك في كل الاتجاهات، وأيضا إطارات يمكنهم أن يكونوا سندا حقيقيا لها في إعطاء منحى ثري للحدث بما يمتلكونه من خبرات وتجارب في مثل هذه المواعيد، إلا أن العكس بدا واضحا، فالتظاهرة افتقدت إلى الزخم الذي عرفته مختلف التظاهرات السابقة التي عرفتها الساحة الثقافية من الجزائر عاصمة للثقافة العربية إلى المهرجان الإفريقي الثاني إلى تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية، والسبب حسبه راجع إلى الاعتماد على نفس الوجوه في التنظيم والتخطيط، وهذا يعني أنهم سيشتغلون بنفس الآليات ونفس النمط ونفس الأفكار ونفس الديكور، فما رشح مثلا من تحضيرات الافتتاح يؤكد هذا الأمر.. ففي أي خانة يمكن فهم وجود فرقة ”كاراكلا” في قسنطينة لتنشيط حفل الافتتاح رغم كل سهام النقد التي وجهت لهذه الفرقة، والتي بقدرة قادر أصبحت هي الوحيدة في العالم العربي التي تزور الجزائر في مثل هذه المواعيد وتوكل إليها كل مرة هذا الأمر، ما يطرح عديد الاستفهامات عن العلاقة ”المريبة” التي تنسج دوما مع هذه الفرقة. أضف إلى ذلك عدم جدية القائمين على الحدث في البحث عن طرق خلاقة ومبتكرة وبأفكار جزائرية محضة تغني عن الكثير من المتاعب والمصاريف الزائدة.. هذا إذا سلمنا بالفعل أنها تستعد لذلك مع وجود مشاريع أخرى للافتتاح لا تخرج عن النمط السائد والمعتمد دوما من طرف الديوان.. شماريخ.. استعراض مكرر بنفس العربات التي افتتحت بها مختلف التظاهرات التي مرت بنا.. أوبيرات.. مارطون.. إلخ”. ربما تجهل الوزيرة الحالية أن العديد من المشاريع التي سترافق التظاهرة معطلة إلى أجل مسمى.. فلا برنامج النشر بدأ رغم انتهاء اللجنة المكلفة بقراءة الكتب من عملها منذ فترة، ولا مشاريع الأفلام السينمائية عرفت الانطلاق مع ما يعرفه هذا الجانب من وقت للإنجاز والتحضير.. ولا يوجد دليل مكتوب أو مطبوع عن مختلف الملتقيات والندوات التي ستعرفها التظاهرة.. فكيف يضيف المصدر ستكون هذه الأخيرة بدون هذه الفعاليات التي ستحرك المشهد.. يبدو لي كما قال المصدر أن الذي يهم مسؤولي التظاهرة هو الافتتاح فقط، مع أنه كان يمكن أن يتزامن على الأقل مع معرض للكتاب ولو رمزي مثلما حدث في التظاهرات السابقة أو حتى عرض فيلم عن مدينة قسنطينة يفتتح به الحدث أو غيرها من المشاريع. يبقى السؤال الذي يتراكم ويتفاعل مع قرب موعد انطلاق التظاهرة.. ماذا ستفعل الوزيرة مع حالات الاحتقان والانسداد والتأخر ومجمل الانتقادات التي تغذي الوسط الثقافي والفني وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وحالات الغضب العارمة التي تنتاب أهل قسنطينة وهم يرون القائمين على التظاهرة لا يبالون بأي شيء، وكأن الأمر لا يعنيهم إطلاقا ما داموا متأكدين أن الوزيرة مسالمة وهادئة وغير محاربة رغم العواصف التي تضرب المدينة ولم تصل بعد إلى الذروة.