عندما سأل صحفي تركي الرئيس التركي الذي يزور المملكة السعودية تزامنا مع زيارة الدولة التي يقوم بها عدوه اللدود الرئيس المصري، إن كان سيلتقي بهذا الأخير، رد أردوغان بحزم “هل أنت جاد؟”. طرح هذا السؤال والترويج للرد عليه فيه رسالة مبطنة إلى السيسي، الذي قال إن تزامن الزيارتين مجرد صدفة، وقد يريد من ورائها التركي حرق أوراق سياسية في يدي السيسي، الذي لم تتسرب الكثير من الأخبار حول زيارته إلى المملكة السعودية، واكتفت الصحافة المصرية بالتركيز والمقارنة بأن السيسي استقبل من طرف الملك، بينما استقبل أردوغان من قبل أحد الأمراء، ما يوحي بأن الزيارة فيها “إن” والسيسي الذي قالت جهات إعلامية بمناسبة جنازة الملك الراحل عبد الله بن عبدا لعزيز، ولم يحضرها الرئيس المصري، إن هذا الأخير غير مرغوب فيه، جاء إلى السعودية بناء على “استدعاء” وليس دعوة، فالملك سلمان بن عبد العزيز، لم يخف عند توليه الحكم، أن سياسة شقيقه عبد الله تجاه مصر وتجاه الإخوان كانت خاطئة، وقال إننا تسببنا في ظلم البعض وسجن وقتل البعض، ويقصد هنا الإخوان. ولأن مصر ورئيسها الغارق في المشاكل، وخاصة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه بلاده، لا يمكنه أن يرفض دعوة أو بالأحرى استدعاء السعودية، لم يجد بدا من الاستجابة. وحتى وإن كانت الزيارة تعطي انطباعا بأن حبل الود بين مصر والمملكة لم ينقطع، وأن العلاقة المميزة بين البلدين الشقيقين لم تتغير وازدادت تميزا بعد دعم المملكة للإطاحة بالإخوان، وتصنيفهم كقوة إرهابية، وراحت الصحافة المصرية تكثر من الإطراء على الملك والمملكة، إلا أن علاقة السيسي بالملك الجديد ليست مثل علاقته بعبد الله، وزيارة السيسي لم تتزامن صدفة مع زيارة أردوغان، فليس في أعراف الدول أن تتزامن زيارات الرؤساء خاصة ممن يناصب بعضهم لبعض العداء، صدفة، بل جاء ليستلم خارطة طريق جديدة، ويستمع إلى إملاءات بعضها أملتها أمريكا، وأخرى أملتها تركيا التي ما زالت تصف السيسي برئيس الانقلاب، وما زالت تدعم الإخوان وتسعى لإعادتهم إلى الحكم، وهي تأوي الكثير من قياداتهم التي طردت منذ فترة من قطر تحت ضغط سعودي أيام الراحل عبد الله. السيسي لبى الدعوة محاصرا بمشاكل البلاد الاقتصادية، وبالتفجيرات التي يقوم بها إرهابيو الإخوان يوميا في مصر، ويوميا تودي بحياة المصريين، وليس من حل أمام مصر غير الاعتماد على بلدان الخليج الثرية والتي كانت دائما الداعم الحقيقي لمصر ماليا. بعض التحاليل ذهبت إلى حد التنبؤ بأن أردوغان سيملي شروطه هو الآخر على السيسي وبدعمه في هذا موقف الملك الجديد المقرب من الإخوان، وأن “يجبر” السيسي على قبول عودة الإخوان إلى النشاط ورفع الحظر عن تنظيمهم وإطلاق سراح مساجينهم بمن فيهم مرسي وبديع وباقي القيادات، وإعادة أملاكهم لهم، فليس هناك حل أمني أمام مصر غير إشراك الإخوان في الحياة السياسية. لا أدري إلى أي حد سيستجيب السيسي إلى هذه المطالب، وقد يقبل بكل الشروط، وسنعرف ذلك في الأيام القليلة المقبلة من التغييرات والتحولات في وجهة الإعلام المصري سريعة التبدل. الملك بلعبه هذا الدور والوساطة للتقريب بين تركيا ومصر، إنما هو يجمع شمل المثلث السني، معتقدا أن التقارب الإيراني الأمريكي، إنما هو موجه ضد السنة، وأن السعودية التي دعمت الإطاحة بصدام، ليست مستعدة بعد أن خسرت العراق وسوريا لصالح المثلث الشيعي، أن تخسر مصر أيضا، فخسارة مصر في هذا الصراع ستزعزع من قوة المملكة التي تتطلع إيران، بل تطالب بفصل بقاعها المقدسة التي هي ملك كل المسلمين عن المملكة ووضعها تحت حكم مستقل يشبه الفاتيكان وهذ الأمر يرعب السعودية التي تريد لنفسها وساعدتها مصر دائما لتكون المرجعية السياسية والدينية للعرب والمسلمين. الأيام المقبلة كفيلة بتوضيح الغموض الذي يلف هذه المبادرة؟!