لا يمكن أن يكون تعاون تونس مع الدول على حساب العلاقة مع الجزائر قال المفكر الاستراتيجي التونسي والخبير في الشؤون العسكرية، مازن الشريف، في حوار مع ”الفجر”، إن ما حدث في غرداية هو محاولة جديدة أكثر عمقا وعنفا لإثارة فتنة شبيهة بما وقع في سوريا والعراق، وأوضح أن رسائل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، المشفرة، تحمل دلالة وتلميحا لمخطط تم إعداده من قبل. الفجر: نبدأ من زيارة ساركوزي إلى تونس المثيرة للجدل. ما الذي يحضر له هذا الشخص من مهد الربيع العربي؟ مازن الشريف: زيارة مثيرة للجدل فعلا، وتشابه في خطورتها زيارة ليفي وهو صديق ساركوزي، وكلاهما كانا يديران ما سمي بالربيع العربي، والنوايا ليست بريئة، وهو ما انكشف في تصريحات ساركوزي المستفزة ضد الجزائر خاصة. استفزازات ساركوزي من تونس أغضبت الجزائر وهو يتحدث عن مستقبلها، هل تعتقد وجود مخطط غربي لإثارة الفوضى في الجزائر؟ هذا أمر ليس مستغربا، فالثابت أن عدم وقوع الجزائر في دوامة الخريف العربي يغضبهم ويقض مضاجعهم، وهو بكلامه المستفز يحاول التأثير سلبا على العلاقات التونسيةالجزائرية، خاصة مع ما راج حول قاعدة عسكرية أمريكية في تونس، وما ذكره من مستقبل أسود للجزائر هو تلميح لمخطط تم إعداده من قبل. أشرت إلى مخطط يحاك ضد الجزائر قبل أشهر، ثم برزت الفتنة التي ضربت غرداية، هل يمكنك أن توضح الأطراف المتهمة بمحاولة إثارة الفتنة في الجزائر؟ نفس الأطراف التي حركت الفتنة في العالم العربي من الشام إلى ليبيا، مرورا بالعراق واليمن، وهي معلومة لمن يعلم طبيعة المشروع وداعميه ومموليه. نعم لقد تفطنت من قبل وكتبت مرارا محذرا من مخطط يستهدف الجزائر وهو بين التحليل والاستشراف، وليس ما حدث في غرداية سوى محاولة جديدة أكثر عمقا وعنفا، وسيستمرون في المحاولة، وكلام ساركوزي يحمل رسائل مشفرة ضمن نفس الإطار. وكيف تصف عودة بقايا الإرهاب عبر القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من ولاية عين الدفلى، بعد استهداف جنود جزائريين، هل فعلا لازالت القاعدة لها قوة تأثير؟ ولماذا تبنت هي العملية وليس ”داعش”؟ الإرهاب يعمل وفق مخطط جيوستراتيجي دقيق، وما حدث في عين الدفلى ليست عودة بل حركة ضمن تنفيذ المخطط، فالعملية ضد الجيش الجزائري تبين أن الواقفين على المخطط يريدون تحقيق مبتغاهم بأسرع ما يمكن. فالأحداث كلها متصلة ببعضها، أعني فتنة غرداية، تصريحات ساركوزي، وأيضا الاعتداء الجبان في عين الدفلى، بالإضافة إلى ما يجري في ليبيا. أما أن تتبنى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي العملية، فمن ينظر إلى داخل الرقعة سيرى القاعدة تتنافس مع داعش، ومن ينظر خارجها سوف يرى أنها جميعا بيادق بنفس المحرك لتنفيذ نفس المخطط، وهو تبادل للأدوار لا أكثر. وتبني العملية الجبانة هو محاولة للإبقاء على القاعدة رغم انتهاء صلاحياتها، لأن داعش ليس له وجود فعلي في الجزائر، رغم أنهم يحاولون خلق خلايا تتبعه، تحضيرا لإلغاء القاعدة وإدماجها في الشركة الأكبر وهي داعش، التي يتقاسم إدارتها العامة كل الدول المورطة في الخريف العربي، وساركوزي وليفي من أهم المديرين العامين لهذه الشركة. وبخصوص العلاقات الجزائريةالتونسية، هل ترى أن السبسي خذل الجزائر بقبوله صفة حليف استراتيجي من واشنطن، بما يمهد لإقامة قاعدة عسكرية في جنوبتونس؟ إن ثبتت صحة تلك التقارير فهو خطأ كارثي ترتكبه الدولة التونسية التي أنكرت رسميا ذلك، لكن هنالك مصادر كثيرة ومنها صحف أمريكية وإيطالية، أكدت المعلومة، وكذلك مصادر في الإعلام الجزائري. ووفق قراءتي فلا مشكل في التعامل مع الولاياتالمتحدة شرط الحفاظ على مبادئ السيادة الوطنية ومراعاة المصالح الإقليمية، فلا يمكن أن يكون التعاون على حساب العلاقة مع الجزائر وهي أهم وأجدى. وما تصوركم للعلاقات المستقبلية بين البلدين في ظل الظروف الأمنية المتدهورة؟ على البلدين بذل الكثير من العمل، والجانب التونسي عليه أن يُبين موقفه بوضوح فيما يخص ما يشاع حول إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية، وإن صح ذلك فسيكون فيه أثر سلبي جدا وغير مسبوق في العلاقة بين البلدين. لقد دعوت مرارا إلى تعميق التنسيق بمختلف أشكاله بين البلدين لأن العدو واحد والمخاطر كثيرة والانتصار لا يكون إلا بالتعاون المشترك. هل ارتكبت تونس أخطاء دبلوماسية في علاقتها أيضا مع الأطراف الليبية حيث تشهد تجاذبات تعمقت منذ الإعلان عن بناء الجدار العازل؟ ثمة تقصير كبير من طرف تونس بعد الأزمة الليبية على المستوى الديبلوماسي، رغم كل ما قدمه الشعب التونسي من واجب تجاه الليبيين. فقد كان يجب على تونس أن تحتضن الحوار الليبي - الليبي، وأن تكون سباقة في محاولة التقريب بين الفرقاء الليبيين رغم صعوبته. إن حل معضلة الإرهاب في تونس ليس في جدار عازل ولكن في العمق الليبي، وأتمنى أن لا تسوء الأمور أكثر. هل يمهد مثل هذا الإجراء لتدخل عسكري وشيك في ليبيا؟ ثمة معطيات كثيرة تؤكد ذلك، وهذا تم التخطيط له منذ البداية، بهدف تقسيم ليبيا ونهب ثرواتها، واستهداف الجزائر بسبب مواقفها القوية وفشل الخريف العربي في اختراقها، ولذلك ينفخون في الجمر حتى يصبح نارا ويحركون الفتن ويبثون رسائلهم للأسف من تونس. إلى أي مدى بات الوضع الليبي يمثّل تهديدا للدول المجاورة وخاصة تونسوالجزائر ومصر؟ الوضع الليبي خطير منذ انهيار الدولة وتمزقها وتحولها إلى بؤرة للإرهاب الدولي. مصر اليوم تكتوي من جراء ذلك مع أسباب أخرى داخلية وخارجية، وتونس اكتوت لأن أغلب العمليات الإرهابية قام بها شبان تدربوا في ليبيا، رغم أن المسؤولية الكبرى يتحملها حكام تونس بعد الثورة، أما الجزائر فربما يكون الأمر أخطر في المرحلة القادمة، ولابد من الانتباه وقوة الردع والاستباق. ما هو تعليقكم على الاستراتيجية التونسية لمكافحة الإرهاب بعد مناقشة القانون؟ الاستراتيجية غائبة لكن العمل التكتيكي الأمني والعسكري مكثف، ورجال تونس من أمنيين وعسكريين يقومون بواجبهم ويعملون، لكن الدولة عليها أن تدعم ذلك باستراتيجيات قوية وناجعة، وهو ما طالبنا به مرارا، ويمكن تحقيقه بوعي سياسي أكبر وتنسيق إقليمي ودولي أفضل. أما قانون مكافحة الإرهاب فهو في اعتقادي ”مخنث” وليس بالشجاعة المطلوبة، ولكن على الأقل أحسن من عدم وجوده أصلا.