اهتزّت العاصمة الفرنسية باريس، أمسية الجمعة، على وقع هجومات مسلحة وانفجارات متزامنة، وأعلنت مصادر قريبة من التحقيق في فرنسا بأن الاعتداءات خلفت إلى حد الآن أزيد من 200 قتيل وأكثر من 200 جريح من بينهم 80 إصاباتهم خطيرة. كما ذكر بأن ”ثمانية إرهابيين” قتلوا خلال الهجمات إما برصاص الشرطة أو بتفجير أنفسهم، وهي حصيلة قابلة للارتفاع بحسب التقارير الواردة بين الحين والآخر. ذكرت التقارير أن هجمات باريس استهدفت سبعة مواقع مختلفة، قرب استاد فرنسا الدولي في الضاحية الشمالية للعاصمة، وفي الشرق الباريسي حيث توجد حانات ومطاعم مشهورة تكتظ عادة بالرواد خلال عطلة نهاية الأسبوع. وقال روّاد مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الفرنسية إن مسلحاً استخدم في هجومه مسدساً أوتوماتيكيّاً داخل مطعم ”كمبوديا” في الدائرة ال11 بالعاصمة باريس؛ ما أدى إلى إصابة أكثر من 60 جريحاً في حصيلة أولية، وسقوط 40 قتيلاً. وأطلق مسلحون النار على مطعم بيزا يدعى ”لا كازا نوسترا” في شارع لافونتين أو روا ما أسفر عن مصرع خمسة أشخاص. وفي مسرح باتاكلان، أين نظم حفل لموسيقى الروك، هاجم مسلحون قاعة العرض التي كان يوجد بداخلها نحو 1500 شخص، واحتجزوا العديد منهم رهائن، وفي وقت لاحق، اقتحمت الشرطة الصالة، وسمعت أصوات طلقات رشاشة مكثفة ودوي انفجارات هائلة. ولقي أزيد من مائة شخص مصرعهم خلال عملية تحرير الرهائن المحتجزين في القاعة، بينهم أربعة مهاجمين قتل ثلاثة منهم بعد تفجيرهم أحزمتهم الناسفة في حين أصاب عناصر الشرطة مهاجما رابعا انفجر حزامه بعد سقوطه.
الحداد 3 أيام وإجراءات أمنية غير مسبوقة قال الرئيس هولاند من أمام المسرح إن بلاده سترد بدون رحمة على الإرهاب. وأضاف هولاند: ”أتيت هنا مع الوزير الأول ووزيري العدل والدفاع، حيث أن من المهم التواجد شخصيا في الموقع للوقوف على أثر هذه الكارثة شخصيا”. وتابع بالقول: ”لا أستطيع في الوقت الحالي تحديد عدد القتلى ولكنهم يعدون بالعشرات وأن الإرهابيين في باتاكلان قتلوا جميعا”. كما سُمع دوي انفجارين هائلين بمحيط ”ستاد دو فرانس” الدولي، أين كانت تُجرى مباراة ودية في كرة قدم بين منتخبي فرنسا وألمانيا. وكان من بين الحضور الرئيس فرانسوا هولاند بمعية وزير الخارجية الألماني شتاين ميير، نقل خلالها هولاند وضيفه إلى مكان آمن. ثم توجه برفقة وزير داخليته إلى مقر وزارة الداخلية لترؤس ”اجتماع أزمة” واتخذ خلاله إجراءات غير مسبوقة تمثلت في غلق الحدود وإعلان حالة الطوارئ في كامل التراب الفرنسي، لمنع فرار منفذي الهجمات. كما أمر بنشر 1500 جندي إضافي في أنحاء العاصمة الفرنسية، وإغلاق المدارس والجامعات اليوم الأحد، وشن عمليات أمنية على موقع، لم يحدده، في باريس. كما تقرر ”تحريك كل القوات الممكنة في سبيل شل حركة الإرهابيين وإرساء الأمن في كل الأحياء التي قد تكون معنية”، بالإضافة إلى إمكانية إحالة أشخاص يعتقد أنهم يشكلون عنصر تهديد إلى المحاكم بشكل مباشر، وتفتيش منازل المشتبه فيهم دون صدور قرار من الجهات المختصة. وأعلنت قوات الشرطة الفرنسية، تعليق حق التظاهر، في الساحات العامة، حتى إشعار آخر، على خلفية الهجمات ودعت سكان باريس إلى عدم الخروج من منازلهم لحين استتباب الأمن العام فيها. كما أعلنت الحكومة الفرنسية أن الرئيس هولاند ألغى مشاركته في قمة مجموعة العشرين التي تنطلق اليوم الأحد في أنطاليا التركية، على خلفية الأحداث، وأشارت إلى اجتماع هولاند صباح أمس السبت بمجلس الأمن القومي لبحث تداعياتها، حيث أعلن هولاند، في تصريح متلفز مقتضب، عقب الاجتماع الطارئ لمجلس الدفاع الذي عقده بقصر الإليزيه بحضور كافة أعضاء الحكومة الحداد الوطني ثلاثة أيام بكافة أنحاء البلاد على أرواح ضحايا الهجمات الإرهابية. وتعتبر هذه الهجمات الأكثر دموية التي شهدتها أوروبا خلال السنوات الأربعين الأخيرة بعد اعتداءات مدريد في 11 مارس 2004.
استنكار وتضامن عربي- أوروبي- أمريكي مع باريس أعلنت دول عربية عديدة من بينها الجزائر وتونس والسعودية ومصر والأردن والإمارات والكويت استنكارها للاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها باريس مساء الجمعة، مؤكدة تضامنها مع فرنسا وأن تلك الاعتداءات تتنافى مع كافة الشرائع والقيم الإنسانية. كما أدانت جامعة الدول العربية الجريمة التي استهدفت الأبرياء الآمنين في عدد من الأماكن العامة. واعتبر نبيل العربي الأمين العام للجامعة، في بيان أمس، أن هذه الهجمات الدنيئة للإرهاب تشكل بأبعادها وخطورتها وبشاعتها، استهدافا للإنسان في كل مكان، الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي تضافر جهوده وتسخير كل الوسائل والأدوات القانونية لمتابعة هؤلاء القتلة ومن وراءهم للقصاص منهم وتخليص العالم من جرائمهم الوحشية ضد الإنسانية. وإثر سماعه نبأ الاعتداءات الارهابية، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنّ هجمات باريس محاولة خسيسة لإرهاب المدنيين، وأضاف قائلا: ”سنلاحق منفذي هجمات باريس وسوف نقدمهم للعدالة”. معرباً عن تضامنه مع فرنسا، وقال ”نعلم أن الرئيس الفرنسي مشغول في حاليا وسوف أتابع التواصل معه للتنسيق حول خطة العمل الضرورية والوقوف على تفاصيل المأساة”. وقال أوباما ”لا نعرف تفاصيل حتى الآن. لكننا عشنا في أمريكا ظروفا مشابهة من هذا النوع، لكن استطعنا في النهاية التغلب عليها”. وأضاف ”إلى حين معرفتنا من قبل المسؤولين لا أود تقديم تكهنات”. ودعت السفارة الأمريكية في باريس رعاياها لتوخي أقصى درجات الحذر والبقاء داخل المباني وتجنب الخروج إلا للحالات الضرورية فقط. ومن جانبها، أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن صدمتها الشديدة إثر الهجمات. وذكرت ميركل في بيان، السبت، أن ”تفكيرها في هذه اللحظات في ضحايا الهجمات الإرهابية بالتأكيد، وأسرهم وكل سكان باريس”. وأشار البيان إلى أن ”الحكومة الألمانية على اتصال بنظيرتها الفرنسية”. وأعرب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن ”صدمته” إثر الاعتداءات. وقال ”كاميرون” في تغريده على حسابه على موقع تويتر: ”أنا مصدوم من أحداث باريس، صلواتنا مع الشعب الفرنسي.. سنفعل ما بوسعنا للمساعدة. ومن جهته أعرب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي عن تضامن بلاده مع باريس، وقال رينزي في تغريدة على ”تويتر” إن ”إيطاليا بكاملها تتضامن مع أشقائها الفرنسيين ضد الهجوم الوحشي في باريس وأوروبا”، مضيفاً أن ”أوروبا المصابة في صميمها ستعرف كيف ترد على هذه الهمجية”.
”داعش” يتبنى التفجيرات، يدعو مسلمي فرنسا لتنفيذ هجمات، ويهدد روما ولندن وواشنطن أعلن تنظيم ”الدولة الإسلامية” (داعش) الإرهابي، مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية. ووفقا لقناة ”سكي تي جي 24”، الإيطالية التي نقلت عن تنظيم ”الدولة الإسلامية” قوله إن ”هذا ثأر لسوريا… هذا 11 سبتمبر فرنسا” في تعليق نشره التنظيم على صفحات مجلته الإلكترونية دابق. ونقل سايت عن دابق باللغة الفرنسية: ”أرسلت فرنسا طائراتها إلى سوريا، لقصف الأطفال والمسنين، واليوم فإنها تشرب من ذات الكأس المرة في باريس”. ويأتي هذا التعليق بالتزامن، مع حملة نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي المؤيدة للتنظيم التي أطلقت على مجزرة 13 نوفمبر، ما أسمته ”11 سبتمبر الفرنسي”، وذلك بعد إطلاق هاشتاق باسم ”باريس تحترق”. من جهته أورد التعليق على المجلة الإلكترونية: ”بعد باريس حان الآن دور روما ولندن وواشنطن”. وكان الرئيس فرانسوا هولاند اتهم التنظيم الإرهابي بالضلوع في الهجمات الإرهابية التي شهدتها باريس ليل الجمعة، مشيراً إلى أن التخطيط والترتيب للاعتداءات تم في الخارج بمساعدة من داخل التراب الفرنسي. وبث التنظيم الإرهابي، أمس، تسجيلًا مصوراً لا يحمل تاريخاً يدعو فيه المسلمين غير القادرين على السفر إلى سورية، لتنفيذ هجمات في فرنسا. وقال متشدد من التنظيم يحيط به مسلحون آخرون ”هذه رسالة للمسلمين الذين ما زالوا يعيشون في دار الكفر من إخوانكم الفرنسيين الذين هاجروا، ماذا تنتظرون؟ لماذا لم تهاجروا؟ كيف يطيب لكم أن تعملوا في دار الكفر وقد فتح الله لكم باباً إلى حسن الأعمال، الجهاد في سبيل الله”. ودعا التنظيم إلى تسميم الماء والغذاء.
تدابير أمنية أوروبية على خلفية الهجمات إثر اعتداءات باريس الدامية، سارعت دولٌ أوروبية، إلى تعزيز إجراءاتها الأمنية، وفي السياق، أعلنت السلطات الهولندية تكثيف الاجراءات الأمنية في مقرات اللاجئين، على خلفية الهجمات، وقررت حكومة النمسا زيادة تشدد المراقبة الأمنية في البلاد. وقالت أورسولا بلاسنيك، سفيرة النمسا في باريس أنها لم تتلق حتى الآن أي تقارير عن نمساويين يمكن أن يكونوا من بين ضحايا الهجمات. كما شددت بلجيكا إجراءاتها الأمنية على حدودها مع فرنسا. وقال الناطق باسم رئاسة الوزراء ”شارل ميشال”، إن بلجيكا فرضت قيودا على الحدود مع فرنسا تشمل القدوم برا وجوا وعبر القطارات، مؤكدا أن هذه الإجراءات لا تعني إغلاق الحدود.
غورباتشوف: هجمات باريس أسبابها كثيرة علق رئيس الاتحاد السوفيتي السابق لموقع سبوتنيك على الاعتداءات التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية مساء الجمعة، بأنه لا يمكن تسوية المشكلات من خلال الهجمات الإرهابية. وفيما يتعلق بمشكلة الإرهاب، قال رئيس الاتحاد السوفيتي السابق، إنه يمكن بل يجب استخدام القوة لتسويتها في حال فشلت جهود حلها بالطرق السياسية. وشدد غورباتشوف على ضرورة كشف الأسباب أولا، ثم يجب العمل على اجتثاث واستئصال الأطراف التي تقف وراء العمليات الإرهابية وتدفع إلى شنها. وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت لهجمات باريس صلة بأعمال تنظيم ”الدولة الإسلامية”، أجاب غورباتشوف ”دعنا لا نتخيل، فالأسباب كثيرة”.
روحاني يدين الاعتداءات ويلغي زيارته إلى فرنسا أفادت وكالة ”إيرنا” الرسمية، أمس، إرجاء زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى إيطالياوفرنسا والفاتيكان والتي كان مقررا أن تبدأ أمس السبت إلى وقت آخر إثر الهجمات. ونقلت الوكالة عن وزير الخارجية محمد جواد ظريف قوله: ”بسبب الحوادث الإرهابية في باريس وبالتنسيق مع الدول المضيفة أرجأ الرئيس الإيراني زيارته إلى إيطاليا والفاتيكان وفرنسا إلى وقت أكثر ملاءمة”. وأدان روحاني هجمات باريس وقال إنها جريمة ”غير إنسانية” في بيان نشرته وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية.