على بلاتوهات النقاش في قنوات التلفزيون وفي نشرات الأخبار بأوروبا وبلدان العرب تردد اسم عمر إسماعيل مصطفاي، الإرهابي الذي فجر نفسه في مسرح باتاكلاند بباريس مساء الجمعة، مئات المرات. ورافق في كثير منها ذكر هويته الممتدة عبر الأجيال ”فرنسي من أصل جزائري”. فقد تابعت الجزيرة والعربية وسكاي نيوز وقنوات العرب الأخرى كما تابعت فرانس 24 وبي بي سي والحرة وغيرها، وبدا الأمر كما لو أن رئيس التحرير واحد في هذه المسألة وتوجيهه واضح: ما كان مصطفاي ليصير إرهابيا إلا لأنه من أصل جزائري. وهي ذات المعالجة التي تبنتها القنوات وتصريحات الإعلاميين عموما قبل أربع سنوات حين أجهز فرنسي آخر اسمه محمد مراح على جنود وأطفال في تولوز. والحال أن مصطفاي هذا فرنسي من الجيل الثالث ولد وتربى في أجواء غيتوهات الضواحي الباريسية. لو كان جزائريا في هذه السن ما صار إرهابيا على الأرجح. فكل الإرهابيين الذين قتلتهم قوات الأمن الجزائرية أو أسرتهم في السنوات الأخيرة تجاوزوا الأربعين.. الإرهاب في الجزائر شاخ ولم يعد به شباب في العشرينات. لو كان ذلك الشاب في الجزائر ربما لاستفاد من قرض ”ansej” أو بنى تجارة أو تخرج من كلية أو أكله الحوت في البحر المتوسط على قارب موت أو صار ”حيطيست” كما كثير من أترابه. لكن أبعد طريق يسلكها هي الانتساب لجماعة إرهابية. الإرهاب في الجزائر هرِم لكنه بسن الشباب في أماكن أخرى بينها فرنسا. فقد قدّر بيرنار كازينوف وزير الداخلية الفرنسي قبل أكثر من عام عدد الإرهابيين الفرنسيين الذين يقاتلون في صفوف ”داعش” ومنظمات إرهابية أخرى بسوريا والعراق بنحو ألف وكلهم شباب وبينهم مراهقون في الثالثة والرابعة عشرة بينما أشارت تقارير استخبارية أخرى إلى أنهم قرابة ألفين حاليا، وعدد من قتلوا هناك يزيد عن المائة والخمسين وعدد من عادوا إلى فرنسا ربما أكثر من هذا الرقم يشكلون خلايا نائمة ستتحرك تحت الطلب لتنفيذ عمليات إرهابية في أي وقت. ويكون هذا الذي دفع رئيس الحكومة مانويل فالس لمصارحة طلاب وأساتذة إحدى الثانويات الفرنسية الجمعة حين قال لهم يجب أن نتأقلم مع مثل هذه الأحداث. ولئن تعرض لانتقادات على اعتبار أن كلامه كان محبطا ومثبطا إلا أنه يعبر بشكل ما عن الحقيقة التي وعتها الطبقة السياسية الفرنسية وتريد أن يعيها المجتمع. فثمة جيل إرهابي كبير في أعماق هذا المجتمع وسيجري التذكير باستمرار عن ”الأصول الجزائرية” لكثير من هؤلاء حين يُقتَلون أو يَقتُلون في المستقبل بباريس ومرسيليا وليون وتولوز وغيرها لأنهم منحرفون وإرهابيون وإن كان آباؤهم وأجدادهم قد أساءوا للجزائر وخدموا فرنسا على مر الأجيال ومارسوا الإرهاب في صفوف الجيش الفرنسي. يُذكّرون بأنهم جزائريون لأن أجدادهم أو أجداد أجدادهم ولدوا في برج منايل أو سيدي بلعباس أو خنشلة. هم الآن في الجيل الرابع ولا يزالون ”من أصول جزائرية” منهم من لا يعرف أين تقع الجزائر لكنهم جزائريون لأنهم مجرمون. ومن غادر أمس من جامعة باب الزوار أو جامعة وهران وحصل على الجنسية ”الممتازة” يصبح فرنسيا مقطوع الأصل لأنه ذو علم ومعرفة وتربية وخلق. فإلى متى يبقى تذييل أسماء مجرمين فرنسين بعبارة ”من أصول جزائرية” وإن كان أجدادهم أو أجداد أجدادهم وُلدوا بفرنسا أو كانوا حركى باعوا بلدهم واشتروا الانتماء لفرنسا. أو حتى زاروا إسرائيل في سياق تكوينهم الإرهابي. فمن ذا الجزائري الذي يزور إسرائيل إن لم يكن فرنسي الروح والهوى والانتماء يحمل من الجزائر فقط هذا الاسم الموروث؟