حاورت ”الفجر” مفخرة العرب والأفارقة، الملاكم الشاب الخلوق جمال دحو، ابن مدينة تيارت، الذي يتواجد حاليا في فترة نقاهة بمدينة لاس فيغاس الأمريكية، بعد إجرائه عملية جراحية، وذلك للاطلاع عن كثب على مشاريعه المستقبلية. يذكر أن جمال دحو لم يتجاوز 22 سنة، وهو أوّل وأصغر شاب جزائري يدخل عالم الاحترافية في رياضة الفن النبيل، وقد حصد أغلب انتصاراته بالضربة القاضية، ونال بطولة العالم في الملاكمة ثلاث مرات، كما اختير كأحسن ملاكم في العالم لسنة 2014، ولقب بالملاكم ”الجوهرة” و”المعجزة” وتوج ”ملكا للملاكمة إفريقيا”، باعتراف من الفدرالية الدولية للملاكمة. ويذكر أنّ المجلس العالمي للملاكمة، الذي أُنشئ سنة 1963 بمكسيكو، والمعروف اختصارا ب WBC يعدُ واحداً من أربع تنظيمات رئيسية معترف بها (الاتحاد الدولي للملاكمة، ورابطة الملاكمة العالمية، ومنظمة الملاكمة العالمية)، من لدن قاعة مشاهير الملاكمة الدولية التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، والتي تجيز جولات بطولة الملاكمة العالمية، كما تكرّم الملاكمين، والمدربين وغيرهم من المساهمين في رياضة الفن النبيل، في جميع أنحاء العالم. حيث تنظم كل عام مراسم لتكريم المنظمين لها ويحضرها العديد من أبطال العالم السابقين في الملاكمة والملاكمين المشهورين ومشاهير هوليوود كل عام. ويتعين على الملاكمين المحترفين الانتظار خمس سنوات بعد الاعتزال ليكونوا مؤهلين للانتخاب في قاعة المشاهير. مرحبا جمال، هل لك أن تقدم لجمهورك ومحبيك لمحة عن بدايتك الرياضية ؟ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بدايةً، أودّ أن أشكر جريدة ”الفجر” على هذه الالتفاتة الطيّبة. بالنسبة لبدايتي الرّياضية، لم أكن أتخيّل يوماً بأن أصبح ملاكماً، ولم يراودني حلم ممارستها من قبل. لقد وددت هذه الرّياضة، من باب الدّفاع عن النّفس، لأنني كنت أتعرّض لنوع من ”الحڤرة” في الصغر من لدن البعض في الحي الذي أسكن فيه وفي المدرسة، إلى أن جاء اليوم الذي اتصلت بمدربي (عمي) خالد بناصر، وطلبت منه أن يعلمني فنون الملاكمة. أظهرت بعدها عن قدراتي في الملاكمة، وقال لي المدرب ذات يومها ”مستقبلك سيكون واعداً إن شاء الله”. بعد اعتناقي الفن النبيل أحببت هذه الرياضة كثيراً، بدأت كملاكم هاو في سن العاشرة، وبدأت التنافس على البطولات في سن 13 سنة. لقد رفض والدي طيلة هذه السنوات الثلاث فكرة الملاكمة نهائياً، ورفض التصريح لي بممارستها، إلى أن اكتشف بأنّ ابنه يملك مؤهلات ومهارات تمكنه من ممارسة هذه الرياضة. واستطعت بعد إصرار مني ومن عائلتي أن أنافس على بطولة محلية (في ولاية تيارت) وفزت فيها بالضربة القاضية وهو نزال مازال راسخا في مخيلتي إلى يومنا هذا. وماذا عن مسيرتك الاحترافية؟ لقد كانت مسيرتي الاحترافية في الملاكمة، بعد نيلي عدة ألقاب على غرار كأس الجزائر، وكأس السوبر الجزائري، البطولة الفضية، البطولة البرونزية. وكنت ضمن أشبال المنتخب الوطني للملاكمة. لقد كان سجلي حافلا بالألقاب ضمن فئة الهواة، ما سمح لي بولوج عالم الاحتراف من بابه الواسع كأصغر ملاكم في العالم عن سن يناهز 18 سنة، وهذا بتصريح أيضا من الاتحادية الجزائرية للملاكمة. لقد أحببت هذه الرياضة على الرغم من أنني كنت أفضل مشاهدة نزال المحترفين أكثر من الهواة، وأسعى دائماً لأن أصبح بطلاً فوق الحلبة مثلهم. كانت بدايتي الرياضية تحت قيادة المناجير (الأب) مختار دحو، والمدرب (بناصر خالد) وبترخيص من الاتحادية الجزائرية للملاكمة. من هو قدوتك أو مثلك الأعلى في الملاكمة، في الجزائر وعالميا؟ صراحةً، أكنّ احتراما وتقديرا لجميع ملاكمي العالم. تمنيت وأنا صغير، أن أصبح ملاكما فذّا من الطراز العالمي. لم يكن لي وقتها مثل أعلى أو قدوة على الصعيد المحلي. أما عالمياً كان قدوتي هو أسطورة الملاكمة الأمريكي مايك تايسون، كنت أحاول وأنا في سن 15 سنة التدرب مثله وقلت لوالدي ”أريد أن أصبح مثل مايك” وأضع بصمة مثله في مصاف الكبار. أحاول بعون الله تحقيق هذه الأمنية. لقد كان لي شرف لقاء الأسطورة مايك تايسون بلاس فيغاس، وقدم لي نصائح جمّة، وشجعني. كما أثنى على مشواري الرياضي وأعطاني دفعا معنويا لا سيما خلال فترة الإصابة التي أعاني منها. ما هي إنجازاتك وماذا تعني لك؟ ولمن يرجع الفضل فيها؟ إنجازاتي: 13 منازلة احترافية، فزت ب 12 منها بالضربة القاضية. أملك 3 ألقاب عالمية، بطولتي عالم المجلس العالمي للملاكمة وبطولة منظمة الملاكمة العالمية، بطل الجزائر في الاحتراف، بطل إفريقيا أيضاً في الاحتراف، لقبني الاتحاد الإفريقي للملاكمة الاتحادية بملك إفريقيا في رياضة الفن النبيل، حطمت رقماً قياسياً وهو الفوز بلقب بطولة منظمة الملاكمة العالمية، كأصغر ملاكم عالمي في التاريخ عن سن 22 سنة و3 أشهر، وأنا أوّل جزائري وعربي يفوز بلقب المجلس العالمي للملاكمة، كما تم اختياري ”رياضي السنة” من طرف ”الخبر الرياضي”، وكأحسن رياضي من طرف مجلّة ”ماراكانا”، ومنحتني بطولة منظمة الملاكمة العالمية أوسكار أحسن ملاكم عالمي. ما الذي جعلك تطمح للوصول إلى العالمية؟ روح التحدي والمنافسة مكناني من الوصول إلى العالمية، كنت في سن 12، وكنت مولعا بالملاكمة وأحسن ملاكمي العالم. كان أصدقائي يستهزئون بي عندما أخبرهم بأني سأصبح ملاكماً عالميا إن شاء الله. كانت أمنيتي دائماً السعي لتشريف بلد المليون ونصف مليون شهيد. شهداؤنا الأبرار ضحوا بأرواحهم، ونحن نسعى للسير على نهجهم في هذه الرياضة برفع علم الجزائر في المنافسات الدولية. أصبو إلى إعلاء رسالة الجزائر وإسماع صوت الشاب الجزائري في العالم والبرهنة على أنني كنت جادّا في صغري. هل تشعر بالتهميش؟ إن كان الجواب بنعم، ما هي رسالتك للقائمين على الملاكمة في الجزائر؟ للأسف نعم، أشعر بالتهميش، وإن قلت لا، فسيقول لي الجميع أنت تكذب. يعلم الجزائريون والعرب ما عانيته خلال مسيرتي الرياضية عموماً وفي بداية مشواري خصوصاً، وبالأخص من طرف الاتحادية الجزائرية للملاكمة بقيادة رئيس الفدرالية الجزائرية للملاكمة السابق عبد الله بسالم. الحمد لله لم يذهب تعبي سدا، ولم يخيبني الله. وأقول للقائمين على الملاكمة في الجزائر: ”رجاء اهتموا بالمواهب، وفروا لها الظروف لممارسة هذا الفن النبيل، شجعوها لإبراز مزيد من الأبطال وتشريف الجزائر محلياً وقارياً وعالمياً”. لو طُلب منك التجرّد من جنسيتك لتلقي المساعدة هل ستفعل؟ وهل تلقيت عروضا بذلك؟ لن أتخلى أبداً عن جنسيتي ولن أتنازل عن مبادئي ما حييت، والدليل أنني ملقب ببطل الشعب وابن الشعب الذي خرجت من حضنه. إن حدث وفقدت صوابي أو جننت لقدر الله وتجردت من جنسيتي فستتبرأ مني عائلتي، لأنني من عائلة ثورية خدمت الوطن ومازالت تخدمه. بلى، تلقيت عروضا مغرية من فرنسا وألمانيا وإنجلترا للتجنس وللملاكمة تحت أعلامهم. أنا أعرف معنى الوطن وأدرك قيمته، ولن أتنازل عن جنسيتي الجزائرية. لازلت شاباً قادرا على العطاء لبلدي وتشريفها، وسأسعى لذلك بعون الله. أصولي الجزائرية ومبادئي مغروسة ومنحوتة في جميع جوارحي. أسعى لأن أكون بطل العالم ليس فقط رياضيا بل أيضا أخلاقياً وجزائريا بكل تواضع، فحب الوطن والعائلة يأتي قبل حب الألقاب. كيف أفادك تواجدك في الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ لقد أفادني تواجدي بالولاياتالمتحدةالأمريكية، كثيراً، خلال مسيرتي الرياضية، لاسيما وأنّ حلمي منذ نعومة أظافري كان خوض منازلات بأمريكا. لقد خرج معظم أساطير الملاكمة العالمية منها من أمريكا على غرار محمد علي كلاي، تايسون، مايويذر...الخ لقد أفادني الاحتكاك بملاكمين عالميين في التمرس أكثر فأكثر، على عكس الجزائر، التي لم تكن ظروف الاحتراف مهيأة، وأقل من ذلك لم تكن لدينا حلبة للتدرب. أين تكمن أوجه الاختلاف بين التدرّب في الجزائروالولاياتالمتحدة؟ إنّ أوجه الاختلاف بين التدرب في أمريكاوالجزائر متعددة، ولعلّ أبرزها نقص الإمكانيات، أإن لم نقل انعدامها. ففي الجزائر لم تكن لدي قاعة للتدرب. بينما توجد في أمريكا قاعات احترافية للملاكمة من الدرجة الأولى، وهناك مدربون عالميون، وأيضاً منازلات ودية (السارينغ). كنت الملاكم المحترف الوحيد في الجزائر، لم يكن هناك ملاكمون محترفون حتى أتمكن من التنازل معهم ودياً. أتمنى أن تتحسن الظروف مستقبلاً بالجزائر. لماذا اخترت لاس فيغاس بالتحديد دون الولاياتالأمريكية الأخرى؟ اخترت لاس فيغاس تحديداً، لأنها كانت حلمي منذ الطفولة، ولأنها الوجهة الأولى للملاكمين في العالم. يعيش بها أكبر الملاكمين المحترفين، تواجدي بفيغاس كان من أجل تطوير قدراتي، وإن شاء الله سأعمل على نقل الخبرة من أمريكا نحو بلدي الجزائر كي يستفيد منها إخوتي الجزائريون هناك. ما هي مشاريعك المستقبلية؟ مشاريعي المستقبلية لحد الآن متوقفة، لأنني متوقف لمدة سنة عن الملاكمة، كما تعرفون. لقد أجريت عملية جراحية وابتعدت إثرها عن الحلبة لمدة 4 أشهر. لقد قام فريقي بتحضير رزنامة للملاكمة، كما أودّ إجراء مقابلات ودية. وأحيطكم علما أنني تحصلت على شهادة الملاكمة العالمية ”ليسانس” من نيفادا الأمريكية التي تسمح لي باللعب داخل التراب الأمريكي، إن شاء الله سأدافع عن ألقابي وأسعى لتشريف البلاد. ماذا تقول للجزائريين وبالأخص للشباب الذي يقاسمك طموحاتك وأحلامك؟ أود أن أجدد شكري لجريدتكم الموقرة وأتمنى لها النجاح، وأتقدم بالتحية للعائلة الكريمة، والجالية الجزائرية في أمريكا. فأنا لن أنسى معروفهم، وأوجه تحية خاصة لعائلتي مايدي وبولخراص، ولفريق دحو للملاكمة. وبمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة، أتمنى أن تصلح أحوال العالم الإسلامي وينتشر الأمن والسلام في جميع دول العالم العربي، وإن شاء الله ستكون السنة المقبلة، سنة التتويجات والعودة لحصد الألقاب وتشريف اسم الجزائر في المحافل الدولية، كما أودّ أن أترحم على روح الفقيد حسين أيت أحمد وأتقدم بالعزاء لذويه متضرعا لله أن يلهمهم جميل الصبر والسلوان. أقول للشباب الجزائري: شكرًا جزيلاً لكم على حبكم لي وصراحةً أقول لكم أنا ابن حي شعبي وولدت من حضن الشعب أو كما نقول بالعامية ”زوالي”. لا تيأسوا يا إخوتي، سطروا برامجكم، اجتهدوا وفوضوا أموركم لله، وحينها لن يخيبكم الله.