تشير الحقائق والأرقام الرسمية إلى أن أغلب المساجد الجزائرية تعتمد في بنائها وتجهيزها ونفقاتها على جيوب المحسنين بالدرجة الأولى، رغم الميزانية السنوية التي تخصصها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، في حين تبقى الكثير من المشاريع التنموية والفجوات في انتظار التفاتة هؤلاء المتصدقين، الذين يبحثون عن الأجر والثواب في جدران وأسقف مساجد أغلب مصلييها يعانون الفقر والحرمان. تجول في الجزائر وقم بزيارة مدنها وقراها العميقة، وسيذهلك عدد المساجد والمصليات التي تنتظر جيوب المحسنين ليكتمل بناؤها، قم بإلصاق إعلان في أي مكان تبحث فيه عن مبالغ مالية لاستكمال بناء أحد هذه المشاريع الخيرية، وسيذهلك سخاء وكرم المتصدقين، اسال الناس هناك كم يستغرق إتمامها وستعرف مدى تزاحمهم وتنافسهم من يعطي أكثر ليكمل هذا الوقف الذي يحتسبه صدقة جارية يجني منها ثوابا لا ينقطع، وإلى جانب هذه المشاريع وغير بعيد عن المسجد نجد أطفالا يقطعون عشرات الكيلومترات ليصلوا إلى مدارسهم لغياب وسائل نقل خاصة بهم، كل يوم نساء يلدن في الطرقات قبل الوصول إلى مستشفيات المدن البعيدة عنهم إضافة إلى اهتراء الطرقات الريفية المؤدية إليها، تجد مستشفيات بقاعات علاج بدائية بلا قطن وشاش وكحول، وكأن المتصدقين والمحسنين محبوسون في المساجد لا يغادرونها ليروا أبواب الصدقات الأخرى. وفي السياق ذاته، كشف جلول حجيمي، الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية، ل”الفجر”، أن أغلب المساجد في الجزائر قام المحسنون بتشييدها عن طريق أموال الزكاة التي لا يوجهونها إلا لاقتناء مواد البناء والزخرفة، باستثناء المساجد المركزية التي تقوم وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بتمويلها بالكامل، على الرغم من أن ميزانية الوزارة كافية لتنفيذ كل المشاريع التي تخص بناء المساجد عبر كامل التراب الوطني. ثريا تيجاني: ”انعدام الثقة بالجهات الرسمية ونقص الوعي الديني وراء ذلك” أرجعت الأستاذة ثريا تيجاني المختصة في علم الاجتماع عزوف المواطن الجزائري عن القيام بالتبرعات بالأموال الضخمة خارج مجال بناء المساجد إلى أسباب عدة ، أمها انعدام الثقة بين المواطن والجهات الرسمية الحكومية منها والمدنية بسبب تراكم مجموعة من التصرفات والمواقف التي جعلت من المواطن الجزائري فردا مستعدا للتنازل عن مواطنته في الكثير من الظروف، كما أوعزت محدثتنا الإقبال الكبير على التبرعات لصالح المساجد إلى الجانب الديني والإيماني الذي يجعل الفرد الجزائري يضع ثقته العمياء في هذه الجهات ذات الطابع الديني، باحثا عن الأجر والثواب في هذه الأعمال الخيرية التي تتعلق أساسا ببناء وتشييد المساجد. وفي السياق ذاته، دعت الأستاذة تيجاني الائمة إلى أداء أدوارهم كما ينبغي من حيث توعية المصلين والمواطنين بصفة عامة بالأوجه الكثيرة للصدقة والتي تشمل جميع نواحي الحياة بالإضافة إلى المسجد، من خلال مساعدة الفقراء والمحتاجين، بناء المستشفيات والمساهمة في العديد من المشاريع التنموية، التي تنهض بعجلة التطور في الوطن. وتضيف محدثتنا أن قلة الوعي الديني والمدني تجعل الكثير من المواطنين ينساقون وراء فكرة بناء مساجد ومصليات على رغم من كثرتها من جهة، وكذا الدعم الذي تحصل عليها هذه المشاريع من وزارة الشؤن الدينية، غير أن بحث الجزائري عن تحصيل أجر الصدقة الجارية من هذه الصدقات يغلق عليه باب التفكير أن كل الأعمال التي ينتفع بها المسلمون من مستشفيات ومكتبات ومدارس وغيرها من المنشآت تصنف كذلك في خانة الصدقة الجارية التي يؤجر عليها المرء إلى غاية يوم القيامة.