الصور التي بثتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن مئات الطلبة المتوافدين على المركز الثقافي الفرنسي لإجراء امتحان اللغة الفرنسية بغية الالتحاق بجامعاتها، تحتمل قراءتين، لا علاقة لهما باحتفالات الفاتح نوفمبر. القراءة الأولى أن الشباب رغم المحن ما زال لم يفقد الأمل، وما زال يبحث عن أدنى فرصة للنجاح وبناء المستقبل، نساء ورجالا، فقد يثبتون هم بدورهم جدارتهم مثلما فعل الآلاف من أبناء وطنهم المتواجدين في كل مراكز البحث، وفي أرقى الجامعات العالمية، في كل المجالات، وبعضهم مسجلة اسماؤهم في قوائم الباحثين الذين قدموا إضافة للعلم وللإنسانية. والقراءة الأخرى هي الدليل على الفشل الذريع للجامعة الجزائرية التي غرقت في الكم وفي الشعبوية، ولم تعد تكوّن الإطار الكفؤ بالمقاييس العالمية، رغم الجهود المبذولة من قبل الدولة في بناء الجامعات والملاحق الجامعية من مراكز إيواء وإطعام، وأساتذة، فكيف لطالب يجد نفسه في مدرج يضم أزيد من ألف طالب أن يتمكن من التحصيل والفهم، وغالبا لا يجد له مكانا في المدرج، هذا إذا وجد مكانا للتدريس. فلماذا اتهام فرنسا بأنها دبرت المكيدة بمناسبة عيد الثورة؟ فالمشكل منا وفينا؟ فلماذا نلقي بأسباب فشلنا على الغير، عوض أن نقرأ الرسالة التي بعثتها الصور ونستخلص الدرس؟ كان يجب على وزارة التعليم العالي ووزارة التربية وعلماء الاجتماع أو من بقي منهم وكل من له علاقة بالجامعة، أن يسارع إلى دراسة الحدث واستخلاص العبرة، فهو ناقوس خطر أخر لتنبيه السلطة بخطورة الوضع، فهؤلاء الشباب أن تمكنوا من ”الهرب” أو بالأحرى من الحرقة العلمية لن يعودوا من جديد، فالجامعة الجزائرية بل المدرسة الجزائرية مازالت دائما تكون للغير، فبينما لا يحصد الطلبة هنا غير اليأس والأبواب المسدودة والمستقبل الغامض، ينفتح ذكاؤهم وتتفتق قدراتهم هناك حيث الفرص والإمكانيات المتاحة، وحيث للعلم والذكاء قيمة ومكانة. ما شهدناه أمس أمام المركز الثقافي الفرنسي يفطر القلب، لأنه دليل على فشلنا وفشل خياراتنا، رغم أن هناك من نبه مبكرا للأخطاء، مثل وزير التربية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي الذي يقول في مذكراته إنه كان دائما ضد شعبوية التعليم العالي وأنه كان من أجل جامعة للنخبة، للكيف وليس للكم. وها نحن نقف أمام نتيجة الخيارات الخاطئة، وتراكمات لعقود من الفشل، وليست سياسة التعريب هي المسؤولة عن هذا الفشل مثلما يتهمها البعض.