تم، أول أمس الاثنين، بمقر متحف المجاهد بميلة التوقيع على اتفاقية بين ولاية ميلة وقسم التاريخ والآثار لجامعة "منتوري" بقسنطينة تشجيعا للدراسات والبحوث الجامعية في ميدان التراث الأثري والتاريخ وذلك على هامش افتتاح الملتقى الدراسي الثالث حول "ميلة عبر التاريخ"• وتعهدت ولاية ميلة بموجب هذه الاتفاقية التي وقعها كل من الأمين العام للولاية ومدير قسم التاريخ والآثار لذات الجامعة بفتح مختلف المعالم والمواقع الأثرية والتاريخية التي تتوفر عليها ولاية ميلة أمام الطلبة والباحثين لذات القسم للقيام بدراسات وبحوث جامعية من شأنها أن تسهم في تثمين هذا الرصيد الحضاري• وفي هذا السياق أوضح الدكتور عبد العزيز سقني رئيس جمعية "أصدقاء ميلة القديمة" المبادرة بتنظيم هذا الملتقى أن هذه الاتفاقية تأتي "تتويجا للجهود المبذولة محليا خلال السنوات القليلة الماضية من طرف السلطات المحلية والولائية والمجتمع المدني والمواطنين المهتمين من أجل إعادة الاعتبار للموروث الحضاري للولاية"• وأثمرت هذه الجهود، كما أضاف نفس المتحدث، بإعلان ميلة القديمة التي تقطنها حاليا 1•560 نسمة قطاعا محفوظا فيما يرتقب هذه الصائفة الشروع في أشغال ترميم مسجد "سيدي غانم" الذي شيده الفاتح أبو المهاجر دينار سنة 59 للهجرة على أنقاض كنيسة بيزنطية ليكون ثاني أقدم مسجد في المغرب الإسلامي بعد القيروان بتونس حسب تأكيدات عدد من المؤرخين• ومن جهته، أوضح الأستاذ يوسف عيبش بأنه "يتعين علينا تثمين البحث من أجل الغوص في أعماق تاريخ المنطقة ومن أهمها ميلة القديمة التي تتسم بطابع المدينة الإسلامية والمتوسطية القديمة والتي تتطلب فقط أعمال صيانة وحفظ"• وبدورها أبرزت الأستاذة نادية بحرة من قسم التاريخ والآثار بجامعة منتوري في مداخلة لها بعنوان "محطات ما قبل التاريخ بولاية ميلة" الحضور التاريخي المتميز لهذه الجهة منذ القديم مستشهدة في ذلك بموقع "مشتة العربي" قرب شلغوم العيد والذي اكتشف العام 1912 إثر حفريات أزاحت الغبار عن بقايا عظمية لما أصبح يعرف عمليا ب"إنسان مشتة العربي" بجمجمته الطويلة ووجهه العريض وأسنانه الأمامية المنزوعة بسبب طقوس ومعتقدات تعود، حسبها، للحضارة القفصية• وإلى جانب البقايا العظمية اكتشفت أيضا بنفس الموقع الأثري أدوات مختلفة (خناجر وأنصال وحجارة مصقولة ذات استعمالات مختلفة) فضلا عن عدد هائل من قواقع الحلزون التي اعتقدت المحاضرة أنها كانت تشكل غذاء لإنسان العصر الحجري المتأخر• وتتوفر ولاية ميلة، كما أضافت المحاضرة، على مواقع ومعالم أثرية أخرى عديدة يعتقد -حسبها- أنها تعود للعصر الحجرى الحديث كما هو الشأن بالنسبة لكهوف تقع بوادي العثمانية ووادي سقان إلى جانب مواقع أخرى توجد بوادي النجأ ومسيد عايشة وسيدي خليفة وجبل مارشو• ومن جهتها اعتبرت الأستاذة سعاد سليماني من قسم التاريخ والآثار بذات الجامعة أن هذه المواقع التي لا يعرف عنها الكثير ما زالت مؤهلة لتكون محل بحوث ودراسات تؤرخ لمنطقة تعاقبت عليها عديد الحضارات بسبب موقعها الجغرافي المميز وخصوبة تربتها حيث كانت لفترة طويلة تعد بمثابة "مطمورات قمح لروما القديمة"• وسمح النقاش العام الذي ساد أشغال هذا الملتقى بتقديم عديد الاقتراحات بشأن تثمين وحفظ التراث الثقافي المحلي•