عبرت لنا عشرات من النساء الريفيات عن امتعاضهن الشديد إزاء التهميش و الإقصاء في الوسط القروي و يعود ذلك إلى غياب نشاط الحركات الجمعوية في البلديات النائية بعنابة مما يساهم في انتشار الأمية و الجهل بين فتيات القرية الواحدة لأن أغلب الآباء يجبرون بناتهن على التوقف المبكر عن الدراسة لتبقى وقتها الفتاة حبيسة الجدران يحدث هذا أمام انعدام الأنشطة و البرامج الكفيلة بإخراجها من شرنقة التقوقع حول الذات ، إضافة إلى غياب التحقيقات و الدراسة المشخصة لأسباب امتناعها عن مواجهة هاجس الإقصاء و الحرمان من أداء مهامها الاجتماعية كبقية نساء المناطق الحضرية ، في جولة قادتنا إلى أكثر من 35 تجمعا سكانيا وقفنا على بعض النشاطات الفلاحية الهامشية الشاقة تتحملها فتيات في عمر الزهور حيث تقطعن يوميا مسافات طويلة من اجل توفير بعض الاحتياجات الأسرية ، فهن يجمعن الحطب و بعض العقاقير و الحشائش المستعملة في طب الأعشاب ، تقول " رانية " 25 سنة أنها تنهض مبكرا في صباح كل يوم و تتجه إلى الغابة المجاورة لبلدية برحال لتجمع رزم من الأعشاب البرية كالزعتر و إكليل الجبل و بعض الفواكه البرية مثل التوت و التين تخزن هذه الأعشاب في أكياس بلاستيكية تودع في عربة خاصة لتروج في الأسواق الشعبية ، تضيف " رانية " أن بعض الدنانير التي تجنيها لا توفر لها حتى خبزة اليوم غيرنا الوجهة نحو عين الكلبة ببلدية العلمة و التقينا بجحافل من النساء في مختلف الأعمار يبحثن عن مادة الصلصال و الطين لصنع الأواني الفخارية ، حيث أكدت لنا بعض النسوة أن العملية تستغرق وقتا طويلا أكثر من أسبوع لتحويل المادة الأولية إلى أواني مزينة و من ثم تباع في سوق الحطاب بعاصمة الولاية ، يوميات نقلنا واقعها الحقيقي لأن المرأة الريفية لا تزال مهمشة و محقورة بأغلب القرى الموزعة عبر 10 بلديات هذه الانشغالات طرحناها على أساتذة علم الاجتماع ، فأكدوا لنا أن المرأة القروية لا تزال غير محررة من سلطة التبعية الأسرية و أعراق و تقاليد السلطة الأبوية ، و يعود هذا حسب دراسة أجريت بمخبر علم الاجتماع بجامعة "باجي مختار "بعنابة إلى غياب البرامج التنموية التي تعزز المنطقة الريفية ، مثل الرعاية التقنية و المادية لمواجهة كل الصعوبات و تتعامل مع وسطها البيئي و الطبيعي و ذلك بتنمية نشاطات الحرف و الصناعات اليدوية و عليه ينبغي تخصيص مداخيل و ثروة مستدامة للاستغلال العقلاني للحرف منها تربية النحل و تطوير طرق تربيتها و الصيد البري ، إضافة إلى بعث النشاط السياحي بالمحيطات الغابية لخلق منتجعات للتسلية و عليه يتفق كل أساتذة علم الاجتماع أن البرامج التنموية أكثر من ضرورة للمساهمة في الحد من الأمية و الفوضى و القهر الذي تعيشه المرأة القروية.