ضرورة وضع استراتيجية مناسبة لحماية القصّر    بوغالي: استقلالية القضاء تتعزّز..    الدولة حريصة على ترقية تعليم الرياضيات    نحو رفع مساحة المحيطات الفلاحية المسقية    آفاق جديدة لتصدير الكهرباء    هذه تعليمات سعيود..    جنرال فرنسي أمر بتعميم التعذيب على الجزائريين    اليمن.. حرب جديدة على قائمة ترامب    ترامب: ظاهرة صوتية فردية... أم تعبير عن أزمة عميقة؟    صهيب ناير بقميص الخضر لأوّل مرّة    الشباب والاتحاد يتعادلان    وسام ذهبي للرئيس    الشرطة تواصل حملاتها    حوادث المرور تتفاقم خلال رمضان    شرطة معسكر تضبط 85 كيلوغراما من الكيف    دور هام للمؤسسات الدينية في تحصين عقيدة الأمة    الشيخ عبد القادر الجيلاني.. أحد أشهر الأئمة الأقطاب    جاهد لسانك بهذا الدعاء في رمضان    هذا موعد أول رحلة حج    المصادقة على مشروع النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني    تنسيق قطاعي لإنشاء مراكز للابتكار    بيتكوفيتش يدافع عن بن رحمة وأوكيدجة    أربعة إرهابيين يسلّمون أنفسهم ببرج باجي مختار    12 مطارا و150 رحلة لنقل 41 ألف حاج    ليلة النصفية.. موعد للّمة العائلية والأطباق التقليدية    "حماس" تدعو إلى الالتزام باتفاق وقف إطلاق النّار في غزّة    منظومة المخزن تكرّس النّهب وتخنق المواطن    فتح باب المشاركة في الدورة 15    التحديات الزوجية في إطار كوميدي خفيف    منتدى حول الصحراء الغربية غدا بسويسرا    "أناب" تطلق حملتها التضامنية    مهن موسمية تزدهر في رمضان    هكذا يتم استخراج كشف الهوية البريدية    يوم دراسي حول المقاربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب    بوقرة يقصي محيوص ويراهن على بولبينة ولاعبي المولودية    ندرك أهمية مباراتي بوتسوانا والموزمبيق ونسعى للفوز    تصفيات مونديال 2026 (المجموعة 7 - الجولتان 5 و6): حارس المرمى أسامة بن بوط, يعوض ماندريا    اجتماع تنسيقي حول الربط الرقمي البيني    المهرجان المحلي للإنشاد بقالمة: رفع الستار عن الطبعة التاسعة بمشاركة 11 فرقة    تلمسان:انطلاق الطبعة الثامنة لليالي الخط والمخطوط    وزارة التجارة الداخلية وضبط السوق : أزيد من 18 ألف مخالفة خلال النصف الأول من رمضان    المشروع استثمار استراتيجي في عصر الذكاء الاصطناعي : إطلاق مركز حوسبة عالي الأداء خطوة استراتيجية نحو السيادة الرقمية    بمشاركة 17 مترشحا متأهلا من مختلف ولايات الوطن..الطبعة ال14 للمهرجان الثقافي الوطني لأغنية الشعبي تنطلق هذا الخميس    الشروع في عملية حجز تذاكر السفر للحجاج : انطلاق أول رحلة نحو البقاع المقدسة يوم ال10 ماي المقبل    سويسرا: منتدى حول الصحراء الغربية الأربعاء المقبل    رئيس المجلس الإسلامي الأعلى يبرز الدور الهام للمؤسسات الدينية في تحصين عقيدة الأمة    الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة    فضل الجلوس بعد صلاة الفجر    الرابطة المحترفة الأولى : شباب بلوزداد واتحاد الجزائر يتعادلان (1-1)    مقر سفارة فرنسا بالجزائر المتربع على مساحة 14 هكتارا    عملية الختان من الضروري أن تجرى في وسط استشفائي    تحميل الملفات وإرسالها ليس لها أجل محدد وهي عملية مفتوحة    البكالوريا المهنية يجري التحضير لها بالتنسيق مع قطاعات أخرى    الجزائر تتجه لتوطين صناعة الدواء بمختلف الأصناف    الجزائر المنتصرة ملتزمة برفع راية الإسلام عاليا    تحديد تاريخ مسابقات الالتحاق بالدراسات الطبية للمقيمين    الحقن وطب الأسنان لا يفسدان الصيام والمرضع مخيَّرة بين الفداء أو القضاء    حفظ الجوارح في الصوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاطفة أنثى
قصة قصيرة
نشر في الفجر يوم 24 - 08 - 2008


السماء معتمة هذا الصباح البنفسجي العاري والمنهك .. معتمة بأحزان الخريف المتناثرة حيث اضمحلت تجاعيدها بعيدا بعيدا .. بين أسوار الأوهام وفي عنف نشوة الحياة وانتكاساتها، تحررت قيود البسمات البريئة من زنازين وحشة الضياع، تحاول التوهج عبر منافذ الصمت ومرارته المتشعبة .. هكذا عهدت رحمة ذات الوجه الصبوح حلاوة وجودها وأوجاع غربتها ونواميس انعتاقها والخروج من فوهة التيه الأليم وقزحية الألم العقيم، حين تستدركها طقوس الذكريات وتعبث بها رياح الحلم وتوقظ في جوانحها أشباح الجوى وشظايا الهوى ... هكذا شيدت الفتاة رحمة جسورا لمعانقة آمالها اللذيذة وهي لاتزال برعمة مدللة تشتهي رائحة التراب، وأكوام القمامة المبعثرة هنا وهناك ... ومتأهبة لمغازلة أفكارها الهاربة والمشتتة .. تحاول تجسيدها في لوحة فنية معبقة بألوان السعادة الذهبية وهي لم تقطف زهرتها العشرين من ربيع عمرها الدؤوب والواعد.. تثاقلت غمامة الأيام حولها، وتحجرت قلوب قريناتها واشرأبت فتائل الأحقاد وعناكب الضغائن من أفئدتهن وأرواحهن الفارغة ... وهلم جرا ليس إلا بل لأنها ولدت معوقة كما رسم يراع القدر خطوط ذلك، والأدهى من ذلك أنها ابتلعت سخرية المجتمع بصمت وليد وامتصت انزلاقات الأعين المتهكمة .. و .. و.. لكن رغم ظلمة السنون ومدامع الجفون التي اجتاحت غشاوة حياتها ونبضات الحب الذي تكنزه بين ثنايا صدرها المنشرح ظلت متجلدة القوى، معتصمة بحبل الله المتين سلوتها في ذلك شذرات من دموع حارة فلتت خلسة من مآقيها العسلية، حيث باتت تنسكب شهدا عرمرما متواصلا .. وكانت تشتهي فواكه العلم بشراهة، وتتعطش دوما لحلاوة الدراسة، وهذا ما أضفى على روحها دروب السكينة وبوادر الطموح، منتزعة أولى المراتب في الفصول الدراسية السنوية، تتطلع لفجر ضاحك ربما تتأرجح خيوطه ذات يوم.. كانت رحمة تهوى الغوص العميق في غياهب الكمبيوتر وشبكات الانترنت محاولة اغتيال أشباح الفراغ المقرف، وتغيير سبل حياتها المزركشة بأخيلة الأحلام التي تعتريها بين الفينة والأخرى، كانت رحمة متشبثة بعوالم المواقع الأجنبية والعربية خاصة، وهذا عبر محركات البحث المتعددة، وبينما هي في تلك الحالة الشبقية ذات ليلة حارة تمتص عبق ربيعها ووجودها عبر جسور هذه المواقع، إذ بها تتعرف على هيثم الشاب السعودي عبر مواقع الدردشة فاهتزت فرائصها حبورا ورقصت نشوة بكلماته السكرية وحرارة عاطفته المثخنة والنرجسية إلى أن نسج القدر خيوط هذه العلاقة العاطفية.. وتدحرج المسير عبر أكوام الأيام، حينها أفرغت رحمة شحنة مكبوتاتها المبعثرة، وتجردت من عنفوانها وكبريائها، واعترفت منكسرة بعاطفة الأنثى عن وجود وجع ألفها، وجرح نازف أبى أن يفارقها وهي تحاول بلسمته بأدوية النسيان .. فلم تجد بدا من حلاوة السبيل إلا سبيل الانعتاق والتحرر من شرنقة الصمت وصرخات الأنا الموجعة بين أنفاسها.. وفي لحظات قرمزية سقط القناع الأسود الشاحب من محياها.. واعترفت بحبها الجياش الذي أيقظ شحرورة فؤادها الغض وأينع فتيل الورد النائم بين أكوام روحها الدافئة وسار مركب العاطفة عبر مرافئ الحنين .. وتتصارع الأحلام عبر موجات السنين الخالية.. ومن مطار جدة يمتطي هيثم طائرة الهيام حاملا معه تأشيرة الأنغام والأحلام ليقطع أشواطا عسلية متناهية.. وبعد ساعات قزحية قضاها في الأفق الرحب داخل قوقعة الاشتياق، حل بعاصمة الحب ومطار الحنين. وكان في انتظار شغفه المنكسر والمتعب بقية من أشلاء روح رحمة الهاربة، فتعالت شهقات الفؤاد وهبت زوابع الحنين لسماع أنغام البلبل الغريد، عندئذ تعانقت أرواحهما بين الأرض والسماء.. وكخطوة أولى طلب هيثم يد رحمة لترسيم علاقتهما في أجواء الحلال وغمرت أخيلة السعادة عائلتها الصغيرة، وبعد عقد القرآن نامت العواطف بين الشطآن واحتوى هيثم رحمة على ضفاف المرجان واستقل العروسان طائرة الأماني لمدينة طالما تاقت إليها حنايا رحمة الدافئة ... وبعد مشوار مجهد وخلاب حطت الطائرة في حضن مطار جدة، وتشابكت أفئدة الزوجين وازدحمت نشوتهما بين الدروب المرحة، وبعد أنين المسير وصلا إلى بيت أحلامهما وعشهما السرمدي وتشعب نبض عائلة هيثم المتواضعة بإقبال الوجه الملائكي رحمة واحتوائهما بحبور الاستقبال وحلاوة الترحاب، أما هيثم فكان كالبدر الوضاء في ليلة حالكة منتشيا غمامة الحلم الوردي وهو يتأبط ذراعي رحمة بدلال وحنان محاولا تفريج بقايا الكبت القاتل من صدرها.. وهكذا عوضها هيثم نسائم الفرح عكس ما عانته من كوابيس القساوة التي كانت مرسومة على خارطة محياها من ذي قبل، أما رحمة فقد أيقنت أن عصافير السعادة قد رفرفرت في سمائها الزرقاء الصافية وامتصت حلاوة الحب المشرق من جديد وبعد ماذا..؟ بعد مشوار عنيف وحياة راكدة دون خرير.. استسلمت صاغرة بعاطفة الأنثى لملائكة العشق وهامت شوقا في رحاب أهداب هيثم وسؤدده الموثري والفياض، كل ذلك بفضل عدالة السماء ودعواتها المضطرة التي كانت تتنفس بشراهة وعمق من شفاهها في تلك الليالي الخالية ..

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.