- كنت في وقت مضى تقولين بأنها ليست صغيرة وهي حرة في حياتها، ولا تضغط عليها ... والآن تسألين عن هذا القصد الذي لا يعلمه إلا الله ..! أرى بأنه وحدك من يتحمل المسؤولية . -إني خائفة من أن تقع في فم الذئاب .. ! فهي فتاة طيبة وخجولة جدا .. - (مسعود وهو يرفع كرسيه إلى السماء) في الجامعة مشاكل كثيرة ويجب أن تتوقعي كل شيء.. أنت من أصر على أن تواصل دراستها .. تحركت الزوجة ماية إلى الوراء ثم استدارت وهي تتمتم .. (الله فيه الخير) دخل مسعود مساءً المقهى المقابل للعمارة وراح يسمّر عينيه على إحدى القنوات التلفزيونية .. بينما جل الجالسين يقبعون في مواجهة شبكات الدومينو .. كان البرنامج عبارة عن الوضع المأساوي في إفريقيا .. طائرات حديثة تحط لتقديم المساعدات الإنسانية ... وإذ هو يمسك بسيجارة ( نسيم ) طلب من النادل قهوة إضافية .. قال النادل وهو يحط فنجان القهوة (الرخيص) وهو شبه ممتعض : .. أنتم المتقاعدون تفرطون في صحتكم كثيرا ، قهوة وراء قهوة .. وسيجارة وراء سيجارة .. الله يستر يا صاحبي! فتح مسعود السكرية ثم عاد يرفع رأسه نحو التلفاز:" الله غالب يا بني ماذا ترانا فاعلون .. على أقل تقدير نحن مكثنا في المصانع وساهمنا في الإنتاج الوطني أليس كذلك ؟! - أدينا واجبنا قبل أن نفوز بهذه الجلسة، وأنتم ماذا فعلتم يا معشر الشباب .. صنعتم لنا صواريخ.. ! مكث الشاب في مكانه وراح يضغط على شفتيه لحظتما كان يمسح الطاولة المجاورة عاجزا عن إجابة مقنعة داخل جملة مفيدة .. ويبدو أن الحاج مسعود قد أزعجه مظهر هذا الشاب والذي عادة ما كان يصطدم معه حول نوعية البرامج التي يجدها تتغلغل داخل القاعة. أحس مسعود بعد صمت الشاب وهو ينصرف أنه مارس عليه نوعا من الكراهية .. فأراد من باب العطف ممازحته ثانية.."لا تقلق يا بني..الصحة والعافية فقط . فكل من عليها فان..المهم أننا لسنا مثل هؤلاء - مشيرا برأسه إلى مظهر من الأطفال الأفارقة وهم تحت رحمة الذباب! قبل المغرب، لم يسلم مسعود من نفس الموضوع الذي طرحته الزوجة صباحا..إنها خائفة على فوزية من مخالب أنواع الرجال الذين غالبا ما تكشف حيلهم أطوار المسلسلات، إنها بنت صغيرة تشد الرحال كل سبت إلى عاصمة الولاية للدراسة.. وهي الآن في سنتها الأولى فقط ومن حق الجميع أن يخاف عليها - لماذا أجابني مسعود ببرودة؟! - هكذا تمتمت ماية.. وخوفها هذا تكلل بما سمعته من بعض الجارات عما تفعله الطالبات في غرفهن وكيف يخرجن ليلا بلا حسيب ولارقيب. قلق ماية لم يشتد إلا صبح اليوم الموالي حيث تملكها حلم رأت فيه أن غرباء بلا وجوه نزعوا فوزية من بين فخذيها بل هم من قاموا بتوليدها ، حين عادت بها الذاكرة إلى ذلك اليوم ! .. ثم سرعان ما طاروا إلى السماء حاملين فوزية معهم إلى غاية أن اختفى آخر شخص وهو بجناحي عصفور بيضاوين .. تاركانها في تنهد مستمر وعرق يتصبب من وجهها، ساعتها نهضت ماية على فزع غير معهود ثم عاودت النوم ..ليواصل هذا الكابوس عمله فيها ... حيث شاهدت بأنها تمشي وتدوس الأوراق النقدية وكأنها سكرانة حتى وصلت بئرا ، فأطلت بداخلها ... ماذا رأت، يا لا العجب؟! - جثة رضيع مكفنة ... ! - في الصباح شدت على حقيبتها الجلدية وانصرفت بخفي حنين إلى بيت إحدى النساء المعروفات بالسحر والتنجيم. قالت القارئة : إنهم حساد يحسدونك في ابنتك لأنها جميلة جدا وحسناء .. وهل التحق بك الرجال الغرباء وأنت على حافة البئر؟ قالت : لا . (القارئة) : إنهم إذا ملائكة سوف يخلصون ابنتك من سوء مرتقب ماية : صحيح ... ! القارئة : رشي بيتك بماء الزهر وشذي رجليها بالحناء حين تعود ولا تتركيها تتردد على الجيران أكثر من مرة. خرجت ماية وهي تقبل يد القارئة وها هي الآن في بطن السوق البلدي تقلب هذا الخضار وذاك . كان الجميع يعرف هذه المرأة البالغة من العمر عتيا يعاملونها مرات بالحسنى ومرة بالتعاليق. ولا توجد عندهم منطقة وسطى أبدا... وحينما كانت تعاين رؤوس الخيار قال لها البائع "الخيار يا ماية يصبح صلبا ومحكما أيام الشتاء قط؟! وهو لم يعد كخيار زمان .. إنه ذابل الآن . لأن الشمس في كل مكان ...؟! ، عرجت ماية طاولة هذاالشيخ ثم راحت تشتري خضرا من طاولات أخرى...لكن ألسنة الباعة كانت لها بالمرصاد قبل عيونهم المشهرة .. فهذا يقول وذاك يهزأ.. "يا لها من عجوز شمطاء - ماذا تقول ؟! - أنت لا تعرف حلاوة النساء في مثل هذه السن .. فما تحت الخمسينيات كلهن مقبولات ". أسدل هذا المهرجان ستره ولم يعد أحد يتحدث عن هذه الأسرة حتى سمعوا بأن الزوج مسعود دخل المستشفى بسبب نوبة نفسية وكان أبسط ماعلق عليه الجميع ... "لقد عرف الحقيقة" حيث انتشر ما كان يعتقده أهل مسعود وحتى وزملاؤه بالمقهى وهو من خبأ عنهم ذلك .. إن الرجل عقيم منذ سنين لا تعد ولا تحصى. بينما ماية من جهتها كانت في مكتب ضابط الشرطة يسألها : - أنت السيدة (ماية .ن) صاحبة الشقة 47 بحي لاروكاد .. من مواليد ..؟! (توقف الضابط ثم ابتسم) إنها نفس السنة التي توقفت بها الحرب العالمية الثانية .. لقد بلغنا سيدتي من مركز الشرطة الولائي وبناء على مقررة من إدارة الجامعة بأن ابنتك وجدت منذ أيام متهمة رفقة زميلة لها برمي رضيع في سلة المهملات، وأنه وبعد شكوك حامت بالحي الجامعي وفحص عام أثبتت التحاليل الطبية بأنها الوحيدة التي كانت حاملا؟! لذلك فقد وصلنا أمر بتقديمها إلى مصالح القضاء، لأن المصالح بحثت عنها ولم تعثر عليها طيلة أيام ..؟!