من الإجراءات التي اتخذها مجلس الوزراء، المنعقد هذا الأسبوع، تجريم الحرافة وإلحاق عقوبة السجن لكل من ضبط في محاولة هجرة غير شرعية. هذا الإجراء جاء في وقت تفاقمت فيه الظاهرة والمخاطر الناجمة عنها، حيث لم يعد يخلو يوما من فواجع غرق العشرات من الشباب في عرض البحر. لكن أيهما أخطر للحرافة: ركوب البحر وأهواله، أم السجن ؟ فالحرافة يدركون جيدا، وعلى طول كل مرحلة تخطيطهم للهجرة، أن احتمال الموت غرقا أكبر من احتمالات النجاة ، فهم يفضلون الموت في البحر على "الموت" حسرة وغما تحت جدران البطالة، حتى إن المقولة التي صارت متداولة في عالمهم "ياكلني الحوت وما ياكلنيش الدود" .. وكلما زادت أخبار غرق جماعات من الشباب في عرض البحر ومحاولات الحرفة الفاشلة، كلما زاد الإقبال على زوارق الموت.. فليس إذن السجن الذي سيردعهم ويمنعهم من ركوب الخطر، فكل ممنوع مرغوب، ثم إن السجن لدى بعض الحالات نعمة، فهو سيؤمن لهم على الأقل سريرا وطعاما. فإجراءات سجن "الفاشلين" في محاولة الحرفة لن تجعل هؤلاء يتراجعون، الحل ليس بالسجن، الحل في تجفيف "المنابع" التي تغذي الظاهرة، الحل في بعث مشاريع اقتصادية وخلق فرص تشغيل حقيقية تكون مفتوحة للجميع، وليس الحلول الترقيعية المطبقة في تجارب فشلت عبر كل سياسات تشغيل الشباب، من حكومة حمروش إلى الآن، وهي المعادلة التي لم تنجح في تحقيقها كل الحكومات التي تداولت على الحكم منذ التعددية. فبعد ظاهرة "الحيطيست" التي غذت عناوين الصحف الوطنية سنوات الثمانينيات والتسعينيات، ها هو اليأس يبلغ أقصاه بشبابنا الذي صار يذهب طوعا للموت بعدما سدت أمامه سبل الحياة.