يبدو أن الجزائريين مملوؤون بأشياء لا يعلمون بالضبط ماهي .. أو فارغين من أشياء لا يدرون ماهي .. انشغلت قبل يومين بمراقبة طابور من الناس .. ليس طابورا أمام شباك بريدي أو أمام قباضة محل تجاري ما ولكنه طابور في مكتبة "العالم الثالث" بالعاصمة؛ حيث كانت تجري عملية بيع بالإهداء للروائي المصري علاء الأسواني عن روايتيه المترجمتين للفرنسية "عمارة يعقوبيان" و"شيكاغو" .. العملية كانت تسير بطريقة عادية ربما بالنسبة لأي شخص .. بالنسبة لي كان الأمر مختلفا .. وبلا أدنى نية مسبقة وجدت نفسي أراقب الزبائن أي القراء المفترضين لأعمال الأسواني، في الأول اندهشت لكون أغلبهم كانوا مسنين أي أنك لا تصادف شابا إلا بعد مرور ستة وسبعة زبائن تتراوح أعمارهم بين العقد السادس والسابع .. ثم انتبهت إلى العنصر النسوي الذي كان غالبا على الطابور .. أنست بتلك الفرجة وأرهفت سمعي لسماع تعليقاتهم وما يقولونه للروائي وهم يتقدمون نحوه لتسجيل إهداءاته على كتبه .. صعقت بما كنت أسمع : إبنتي تموت عليك منذ أن شاهدت فيلم "عمارة يعقوبيان" هذا ما قالته إحدى السيدات.. "لعلها هي من تموت عليه لا ابنتها"، تبعها كهل كاد أن يركع عندما اقترب منه وأخذ يكيل له الشكر والمديح بالقناطير.. ثم أخرى رأيتها ترتجف من فرط التأثر، كان الموقف أقوى من سيقانها وبصوت مرتعش قالت له : انتظرت هذه اللحظة على أحر من الجمر .. أما من أسكتت الجميع وفاقت الكل .. فهي تلك المرأة التي سبقته للمنصة المهيأة للأسواني ومرافقيه من دار القصبة وشرعت في التصفيق والتهليل بطريقة هستيرية مخجلة .. ولم تتوقف حتى طلب منها الأسواني بلباقة محرجة الجلوس .. مثل هذه المشاهد تجعل إنسانا آخر غيري ربما يجزم بأن شعبنا مهووس بالقراءة وبالأدب، والحقيقة طبعا يعلمها الجميع خاصة من هم في المجال .. أرجو ألا أعطي الانطباع هنا بأني أغبط الرجل أو أحسده عن شهرته وحب الناس له ولكتاباته .. لكني فقط أتساءل هل كان أي روائي جزائري مثلا لو كتب ما كتب أن يحظى بهكذا تبجيل وهكذا "شيتة" لماذا نسارع دوما للإطراء وإبداء الإعجاب الخارق للغير ونحرم منه بعضنا ؟ لماذا نشح على بعضنا ونغبط بعضنا البعض في إظهار بعض الاعتراف أو حتى التشجيع ونجري للآخر لنصب عليه حاويات من المديح والشكر والإطراء ولا نتركه حتى يصيبه الضجر، كما أصاب الأسواني .. الرجل كاد يموت من فرط الإطراء والمديح .. ما هذا هل هي عقدنا وارتباكنا أمام الاخر؟ هل هو جلد الذات ؟.. عدم الثقة بالنفس ؟ أم أننا ننشد حالة لا نعرف ماهي ؟ مع احترامي وإجلالي للروائي المصري علاء الأسواني وإعجابي بروايتيه، إلا أني واثقة من أن لنا من الكتاب من كانوا سيصلون الى ما وصل إليه لو استفادوا بنفس الرعاية والدعم الوسطي والإعلامي خاصة .. كلنا يعلم أن المغرب غير المشرق ..علينا أن نسبح آلاف الأميال وبالكاد نطفو على السطح وفي الغالب لا نظهر، عكس إخواننا المشارقة الذين يبدأون من يومهم في التزلج والتألق على السطح .. نحن لا نحسدهم بقدر ما نتمنى أن يقدروا جهادنا وعناءنا ويعرفوا من نحن حقيقة ..