شرعت، وزارة الداخلية، منذ ليلة أمس الأول، في تنفيذ تهديداتها في حق الأساتذة المتعاقدين، والتي جاءت على لسان الوزير نور الدين بدوي، الذي صرح أنه سيتم اتخاذ إجراءات ميدانية في حق الأساتذة المعتصمين في "ميدان الإدماج" في حالة ما إذا تواصلت الحركة الاحتجاجية، ومنعت الشرطة التي حاصرت الميدان بالكامل، وصول الأكل والشراب، كما منعت على الأساتذة حتى قضاء حاجتهم البيولوجية، ناهيك عن عزلهم عن العالم الخارجي بالتشويش على شبكات الهاتف. كل المؤشرات كانت توحي بأن وزارة الداخلية ستقوم بفض "اعتصام الكرامة" السلمي للأساتذة المتعاقدين في ميدان الإدماج ببودواو، في يومه 12، قيادات أمنية كبيرة، زارت الميدان يوم الخميس مباشرة بعد تصريح وزير الداخلية نور الدين بدوي تحت قبة مجلس الأمة الذي هدّد باتخاذ إجراءات ميدانية في حق الأساتذة المعتصمين. وفيما تكفّلت حوامة للشرطة بأخذ صور عن موقع الاعتصام جوا، شرعت القيادات الأمنية في اختبار خططها ومراقبة كل المنافذ المؤدية إلى الميدان الرئيسية والفرعية. في الجانب الآخر، كان الأساتذة المتعاقدون داخل الخيم يرددون شعاراتهم الحزينة "التي تروي معاناة ومأساة الأستاذ المتعاقد" وشكواهم في تخلي الدولة عنهم وتواصل الاعتصام إلى غاية مساء الخميس، حين شرعت مصالح الأمن في تنفيذ تهديدات وزير الداخلية، حيث طوّقت الشرطة الميدان ودفعت بأعداد كبيرة لحي 950 مسكن، مع تنصيب حواجز حديدية حول ميدان الإدماج، ليتقرر منع الدخول والخروج إلى الميدان لأي كان، لتتوسع بعدها عملية الحصار إلى منع دخول الأكل ومنع الأساتذة المعتصمين من قضاء حاجاتهم البيولوجية، كما نصبت مصالح الأمن في حدود العاشرة ليلا، أجهزة التشويش على الاتصالات وعزل الأساتذة على العالم الخارجي. يروي عدد من الأساتذة المتعاقدين ل "الخبر" بالقول "لقد أمضينا ليلة بيضاء، لم يغمض لنا جفن، نعدّ الدقائق في الترقب لتحركات من شأنها فض الاعتصام بالقوة وتوقيف المعتصمين". في المقابل، أمضى مواطنو بودواو، ليلة بيضاء ولم يتفرقوا من أماكنهم إلى غاية السابعة صباحا "إنهم متضامنون معانا وقد قطعوا وعدا بعدم السماح لأي كان أن يمسّنا بسوء منذ أول يوم قمعت مسيرتنا في هذا المكان" يضيف الأساتذة المتعاقدون المعتصمون. أما صباح أمس الجمعة، لم يكن اليوم عادي، "حيث تم منع المواطنين من الوصول إلينا، ولم ندق لقمة، لا فطور الصباح ولا وجبة غداء، حيث منعت الشرطة كل من خرج من الميدان بالعودة إليه، إنه حصار من طرف قوات كبيرة من الشرطة الذي نواجهه بمواصلة الاعتصام السلمي من أجل مطلبنا الشرعي والقانوني وهو التثبيت في مناصبنا". يذكر أن وسائل الإعلام ممنوعة من الوصول الى المحتجين، بناء على أوامر وتعليمات فوقية. متمدرسون رددوا شعارات مناهضة لبن غبريت وطالبوا من سلال التدخل! تلاميذ يُقحمون في صِراع الأساتذة مع الوِزارة أقحم بعض الأساتذة المتعاقدين التلاميذ في الصِراع الدائر بينهم وبين الوزارة الوصية حول مطلب الإدماج "بدون قيد أو شرط"، حيث التحق العشرات من المتمدرسين بساحة المعتصمين في بودواو، ورددوا شعارات "مناهضة للوزيرة نورية بن غبريت" وتُطالب الوزير الأول عبد المالك سلال بإدماج المعنيين لأنّ "الحق في صفهم"! فيما ذكر آخرون أن صور الأساتذة في الشارع مؤسفة. في سابقة في قطاع التربية الوطنية، التحق الكثير من التلاميذ بساحة بودواو وهذا بمباركة من بعض الأساتذة المتعاقدين، حيث استقبلوهم والتقطوا معهم صورا وفيديوهات تم نشرها على نطاق واسع خلال الساعات القليلة الماضية، قبل مُحاصرة المكان من طرف مصالح الأمن. ولم يتوقف الأمر عند المساندة فقط، وإنما تجاوزها إلى ترديد التلاميذ لأناشيد وأغاني مدعمة للأساتذة ومناهضة للوزيرة، حيث تظهر مقاطع فيديو تم نشرها في اليومين الماضيين، اصطفاف مجموعة من التلاميذ لترديد أغنية دفاعا عن الأستاذ، غير أن كلماتها كانت أكبر من سن التلاميذ الذي يتراوح بين 10 و14 سنة، مما يظهر أن محرريها أساتذة أو أولياء. ومن بين الجمل التي رددها التلاميذ: "وطني وطني أنا لا أنحني، كل شهر أستاذ جديد، ارفع راسك يا أستاذ، الإدماج راهو ينادي، لا خضوع لا رجوع الإدماج حق مشروع، حقنا إدماجنا، الإدماج أولوية". ولم يكتف التلاميذ بهذه العبارات، وإنما انتقدوا موقف الوزارة: "يا للعار وزارة بلا قرار"، وتوجهوا بخطابهم إلى الوزير الأول عبد المالك سلال بالقول: "يا سلال قررتو ولا مزال"! ومن بين العبارات التي تُوصف ب«المؤسفة" هي تلك التي رددها بعض التلاميذ في الطور الابتدائي: «يا لطيف الأستاذ على الرصيف" وتبعتها أُخرى عنيفة: "جيش شعب معاك يا أستاذ". كما يُظهر فيديو آخر أُستاذ متعاقد وهو يستقبل تلاميذ في الليل!، حيث قالت تلميذة كانت بقربه عن الأساتذة المتعاقدين: "هم يريدون الرجوع لكن الوزيرة لا تريد أن تمنحهم المنصب!" وأضافت: "أقول للوزيرة أعطيهم المنصب!" فيما قال تلميذ آخر: "يا بن غبريت خافي ربي الأساتذة راهم يتلاوحو برا!.. هذي بن غبريت واش راهي تدير!" وقال آخر: "كي نولو أساتذة إذا لم يدمجونا نطالب بالحقوق ونديرو مظاهرات كيما هذي" فيما قالت أخرى: "ما رانيش حابة نولي أستاذة لأنني راني نشوفهم محڤورين"! كما لوحظ أستاذ متعاقد آخر وهو يمسك ورقة لتلميذ ويلقنه شعرا في هجاء المسؤولة الأولى عن القطاع. واستنكر المنسق الوطني لنقابة عمال التربية، قويدر يحياوي، في حديثه مع "الخبر" بالقول: "نحن ضد استغلال التلاميذ في أي حركة احتجاجية، فالتلميذ مكانه القسم"، وطالب من السلطات العليا التحقيق فيمن تسبب في التحاقهم بساحة بودواو، واتخاذ الإجراءات اللازمة ضده ومعاقبته، إن كان المتعاقدون أنفسهم أو غيرهم" ويأتي هذا التصريح بالرغم من مساندة "الأسنتيو" لمطلب المتعاقدين القاضي بإدماجهم. من جانبه، أوضح مصدر مسؤول من وزارة التربية الوطنية ل«الخبر"، بأن جميع الصور والفيديوهات التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي تأخذها الوِزارة بعين الاعتبار، من بينها تلك التي سجلها بعض المتعاقدين وذكروا فيها أنهم "متعاقدون منذ سنوات" مفيدا بأن الكثير من تلك الشهادات "غير صحيحة"، فيما ذكر بأن عودة الأساتذة إلى الأقسام سيرافقها تجنيد المُختصين النفسانيين على مستوى المؤسسات التربوية، وذلك من أجل مرافقة الأساتذة والتلاميذ معا، خاصة بعد المظاهر التي صنعها المتعاقدون في شوارع بومرداس.