لا يستبعد المحلل السياسي الفرنسي بيار لويس ريمون، أن تتجه الحكومة الفرنسية الحالية، بعد اعترافها مؤخرا، بإقامة نظام تعذيب ضد الجزائريين خلال الفترة الاستعمارية، إلى الاعتذار للجزائر بشكل مباشر ورسمي عن تلك الجريمة الشنعاء، معتبرا بأن مثل هذه الخطوة تحتاج إلى جرأة والجيل الحالي من المسؤولين الفرنسين يمتلكون القدرة على مجابهة الماضي الاستعماري باعتبارهم ليسوا طرفا فيه وبالتالي لا يجدون حرجا في تقديم الاعتذار للجزائريين، رغم ذلك يقول ريمون في حوار أجراه مع السياسي ، أن هناك ضغوطات من لوبيات داخل فرنسا (اليمين المتطرف) ترغب ببقاء الوضع على حاله، وجعل العلاقات دائمة التوتر بين البلدين بسبب التركة الاستعمارية، ولم يستبعد محاورنا أن يكون التكريم الذي حضي به الحركى من قبل ماركون يصب ضمن فرضية الرضوخ لتلك الضغوطات !. وفي سياق متصل، إعتبر المحلل السياسي خرجة رئيس المخابرات السابق، برنارد باجولي ضد الجزائر، بأنها محاولة فاشلة من أجل كسب بعض الشهرة من خلال كتابه الجديد، وهي لا تعكس تماما الموقف الرسمي الفرنسي حسب تحليل ريمون، كما لم يغفل محاورنا الحديث عن تسونامي الاستقالات الذي ضرب الحكومة الفرنسية مؤخرا، الأمر الذي أعتبره البعض ضربة قاصمة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، أما في حديثه عن الزوبعة التي خلفها ملف تدريس اللغة العربية على الساحة الفرنسية قبل أسابيع، لم يغفل ريمون الكشف عن الأسباب الكامنة وراء توجه فرنسا لتعزيز تدريس اللغة العربية في مدارسها الابتدائية بهذا الشكل غير المسبوق والأهداف المتوخاة من هذه الخطوة التي وصفها البعض بالجريئة !.
الاستقالة التي قدمها وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب إدوار فيليب، خلال الأسبوع الماضي، ليست هي الأولى من نوعها من مسؤول في الحكومة الفرنسية، فقد سبقه لها ستة وزراء آخرون، ما أعتبره بعض المتابعين انتكاسة جديدة يتلقاها الرئيس ماكرون، خاصة مع تراجع شعبيته حسب نتائج سبر الآراء، ماذا يحدث في الحكومة الفرنسية في رأيك ؟
أتفهم جيدا أن يدفعكم واقع هذه الاستقالات إلى قراءة تضعون عبرها أكثر من علامة استفهام على أحوال الحكومة الفرنسية، لكن يجب أن ننظر إلى هذه الاستقالات بتمعن لأن كل واحدة منها تعكس خلفية مختلفة عن الأخرى، ودعني هنا أعزل أكثر الاستقالات إثارة لردود الأفعال و هي ثلاثة. أولا ، استقالة وزير العدل السابق فرانسوا بايرو، لم تكن تحمل في طياتها معارضة لسياسة الحكومة و إنما رغبة من بايرو للتفرغ تماما لتحقيق يجري بِشأن تمويل مساعدين برلمانيين في البرلمان الأوروبي ينتسبون لحزبه. أما استقالة نقولا هولو، فقد كانت تلوح في الأفق منذ شهور و هي راجعة أساسا لصعوبة تاقلم أجندة شخصيات تنتسب للمجتمع المدني مع الأجندة السياسية. عندما تعالج موضوع البيئة على مستوى دولة، ينطبق ما ينطبق على غير البيئة من القطاعات الحيوية التي تصنع سياسة بلد : أنت لا تستطيع ادخال عنصر السرعة ، سرعة تطبيق الإجراءات، سرعة الاستجابة لتطلعات، وفق نسق تحدده بقطع النظر عن الزوايا الموضوعية التي تحكم الملف، مهما كان هذا النسق نبيلا. نقولا أولو لم يجد نقطة الارتكاز التي كانت ستسمح له بالتوفيق بين عوامل ذاتية تتصل باماله العريضة ،و اكرر، المشروعة، و تلك الموضوعية التي أسلفت ذكرها. أما استقالة جرار كولوب، فراجعة لظروف من يقيم في مدينة ليون يعرفها جيدا. افتقد الرجل مدينته التي يعشقها بلا قياس، فيريد ان يتقدم من جديد لمنصب عمدة المدينة. و سكان ليون يعلمون ان ما قدمه كولومب و فريقه من تفان في العمل على مدى السنوات العشرين الماضية غير صورة المدينة و صيتها العالمي رأسا على عقب. تخيل ان حتى الامارات العربية المتحدة اصبحت تستدعي الان مختصي بلدية ليون في الإنارة لإحياء كبريات الحفلات الليلية هناك، ناهيك عن عشرات الشركات المتوسطة و الصغرى من البلدين التي تعاقدت فيما بينها. صحيح ان اصواتا ترتفع في ليون مطالبة كولومب بأن يفسح المجال للجيل الجديد ليستلم زمام قيادة المدينة و أنا أعرف أكثر من شخص قادر على تولي المهمة فعلا لكن هذا موضوع آخر. أما عما يحدث في الحكومة الفرنسية فأنا أميل الى القول ان ما يحاول إيمانويل ماكرون إحداثه داخل الحكومة الفرنسية، مرأة لما يحاول احداثه داخل المجتمع الفرنسي، باختصار شديد، لم تتمكن العقلية الفرنسية بعد من تفهم أن اقتصاد السوق هو المستقبل ، المستقبل لمزيد من فرص شغل، المستقبل لتنافسية شركاتنا، المستقبل لكي نظل صانعي القرار و لا نروح ضحايا في سياق العولمة الذي تتشكل منه تحركاتنا شئنا أم أبينا.
أثارت تصريحات باجولي الأخيرة ضد الجزائر، استياءا كبيرا على المستوى الرسمي والشعبي، كيف تقرأ خطوة رئيس المخابرات الفرنسية السابق ولماذا جاءت في هذا التوقيت بالضبط ؟ ليس لي و ليس لك و ليس للشعب الجزائري وقت نضيعه بالتوقف عند تصريحات دبلوماسي سابق خرق مبادئ الأصول و اللياقة خرقا سافرا. و لكنني سأجيب لك على سؤالك : نشر الرجل سيرته الذاتية و اختار أن يجريها مجرى العمل الفضائحي بدل أن يعتمد استقراء لمسيرته الدبلوماسية كانت ستعلي من شأنه لو تبنى فيها حديثا عن رؤيته لمستقبل علاقتنا بالجزائر و المغرب العربي و منطقة الشرق الأدنى بوجه عام. لا علاقة لتصريحات باجولي بزيارة ميركل للجزائر هناك من ربط تصريحات باجولي بزيارة أنجيلا ميركل للجزائر، حيث يرون فيها إحساسا من قبل باريس تراجعا مصالح الاقتصادية بالجزائر ما رأيك ؟
هب الأمر كذلك و لا أعتقد ان الامر كذلك البتة، و لكن افرض أن الوقائع جرت على هذا المنوال : ليس لدبلوماسي و خاصة من هذا المستوى، و إن يكن دبلوماسيا سابقا، أن ينصب نفسه ناطقا بلسان حال وزير الاقتصاد و الخبراء الاقتصاديين و ارباب الشركات و المؤسسات. وحدهم هؤلاء هم المؤهلون لتقديم صورة موثقة بالمعطيات و الأرقام عن وضع تبادلاتنا الاقتصادية مع الجزائر. مرة أخرى، الشعبان الجزائري و الفرنسي يسعيان إلى إقامة علاقة ود و ثقة يساعد في تثبيتها مهنيون، لا انتهازيو مكتبات يبحثون عما يسد تعطشهم للشهرة. عاد ملف الذاكرة ليدق نواقيس الجدل بين العلاقات الجزائرية الفرنسية، التي وصفت دائما ب الاستثنائية ، حيث تم الاعتراف مؤخرا من قبل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون باغتيال موريس اودان أثناء حرب الجزائر، ما قد يفتح الباب نحو أشياء أخرى ربما قد يتوج بالاعتذار ؟ هل يمكن يتحقق ذلك؟ لا استبعد إطلاقا بأن تتوج الخطوة بالاعتذار: جيل إيمانويل ماكرون، جيلي، يريد أن يبرأ ساحته من ماض نعرف تماما أنه حمل في جعبته الكثير من المعاناة و المظالم تضرر منها إخوننا و أخواتنا في الجزائر إلى أقصى حد. و حين اتحدث عن تبرئة ساحة لا أعني أننا نسعى إلى إسقاط هذا الماضي الجريح من ذاكرتنا، فهو مقوم من مقومات ذاكرة جماعية تحتم علينا الأيام التي بيننا التعامل معه بلياقة، و أبسط مبادىء اللياقة الاعتذار، نعم. لهذه الأسباب كرم ماكرون الحركى مؤخرا أيام قليلة بعد هذه الخطوة مباشرة، قامت السلطات الفرنسية وعلى رأسها الرئيس ماكرون بتكريم الحركى، وهم الجزائريون الذين حاربوا ضد الثورة الجزائرية في الفترة الاستعمارية، هل تعتقد أن ماكرون رضخ للضغوطات لوبيات معينة في فرنسا تمجد التركة الاستعمارية بعدما حاول أن يجد بعض الحلول للذاكرة الاستعمارية مع الجزائر ؟
السؤال في محله تماما و لا ينبغي التهرب منه، سأقول لك كيف انظر للأمر. بالتأكيد، ظن الرئيس ماكرون أنه لن يستطيع الفكاك من توظيف واسع النطاق سيقوم به اليمين المتطرف الفرنسي لا محالة لو ترك مسألة الحركى جانبا، هذا من حيث المضمون ، أما من حيث الشكل، فلو كنت أنا من الشباب الذين يحيطون به في ديوان الاستشارة في شؤون المغرب العربي و الشرق الأوسط، لنصحته بفصل الموضوعين تماما، أولا بترك مساحة زمنية أطول بكثير بينهما، وثانيا بالتفكير في صيغة غير تلك التي اختارها .
أثار مؤخرا في فرنسا إعادة النظر في تدريس اللغة العربية في المدارس الابتدائية الفرنسية، جدلا كبيرا، خاصة مع المقاومة التي يبديها اليمين المتطرف ضد الموضوع ؟ كيف ترى هذه الهجمة الشرسة على اللغة العربية، التي يمثلها عدد لابأس بها من المغتربين من الجالية العربية في بلاد الجن والملائكة ؟
حسنا. في هذا السياق، تختلط فعلا مسألة الجن ب شفاعة الملائكة ...أولا، لم يدع وزير التربية الفرنسي إلى إعادة تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية، فاللغة العربية مدروسة بفرنسا منذ زمن الملك فرانسوا الأول ، أي منتصف القرن السادس عشر، ما ركز عليه الوزير، هو ضرورة إدخال تدريس اللغة العربية في مراحل التعليم الابتدائي كمادة مقترحة لجميع الأطفال و ليس مجرد الأطفل الذين ينتسبون للعالم العربي و المقصود بهذا الكلام شمال افريقيا خاصة. أما عن الاستغلال السياسي الذي سارع اليمين المتطرف الفرنسي الى ممارسته، هو و أطراف اخرى تروج لمغالطات لا تشرف بلدي، فهذا كان متوقعا مع الأسف. فبدل ان ننظر إلى اللغة العربية على انها لغة الانفتاح لأنها واحدة من اللغات الخمس الرسمية المعتمدة في الأممالمتحدة، نقول إنها لغة المهاجرين ، بدل ان نذكر بأن وحدات الترجمة بأنواعها في أمس حاجة إلى مترجمين يتقنون اللغة العربية، نربط اللغة العربية بالتطرف الديني، بدل أن نتحدث عن فوز كبير عباقرة الأدب العربي الكاتب نجيب محفوظ بجائزة نوبل، نروج لفكرة أن اللغة العربية الفصحى هي بمثابة لغة الأم للعرب... النخبة الأكاديمية الفرنسية تقبلت اللغة العربية منذ زمن طويل كتبت قبل أيام مقالا في القدس العربي، تحت عنوان هل أصبحت اللغة العربية في فرنسا أرضا مستباحة ، حيث دافعت باستماتة على خيار وزارة التربية الفرنسية من اجل تدريس لغة الضاد في المدارس الفرنسية، كيف تقبلت فرنسا أخيرا اللغة العربية لكي تكون في مدارسها ؟ الكثير تم في هذا المجل و لكن لم يخطف الأضواء مثلما حصل مع التصريحات و المزايدات العبثية التي سمعناها. لا تنس ان النخبة الأكاديمية الفرنسية تقبلت اللغة العربية منذ زمن بعيد. اشرت قبل قليل إلى فترة حكم الملك فرانسوا 1 الذي جعل من اللغة العربية مادة تدريس و بحث في مؤسسة ال Collège de France المرموقة التي أسسها، و لو عدنا الى أزمنتنا الحاضرة فاللغة العربية من اللغات المقررة في مناظرات توظيف الأساتذة الفرنسين : CAPES و Agrégation. فأنا مثلا، تحصلت على الأخيرة سنة 1998 ثم انضممت إلى لجنة التحكيم فيها لما مجموعه 7 سنوات. كما ستجد تدريسا للغة العربية في المدارس الفرنسية العليا المشهورة مثل المدرسة العسكرية ( Polytechnique) ، مدرسة المعلمين العليا( L Ecole Normale Supérieure )، و أيضا المدرسة العليا للتجارة :( HEC).
دعوت في نفس المقال إلى عدم التوظيف السياسي للغة والحضارة، واللغة العربية ليست استثناء يشذ عن القاعدة، ما هو الهدف من توظيف هذا الملف في الطبقة السياسية ولصالح من يتم توظيفه في فرنسا ؟ انظر الى أدبيات اليمين المتطرف: فهي لم تتغير منذ نشأة ما كان يسمى بالجبهة الوطنية سنة 1980، و ما سمي الأن بال تجمع الوطني . تقوم أدبيات هذا الحزب على مغالطة ثلاثية الأبعاد و زوايا المثلث كما يلي : تحميل المهاجرين مسؤولية البطالة في فرنسا ، التذكير بأن أغلب المهاجرين في فرنسا قادمون من شمال إفريقيا، و ربط اللغة العربية بهؤلاء الغرباء و تناس متعمد ان غالبيتهم الساحقة من الفرنسيين، فضلا، في هذه الآونة الأخيرة، إلى ترويج فكرة أن اللغة العربية حصان طروادة لنشر التطرف الإسلامي. سأقول لك لصالح من يتم هذا التوظيف السياسي، يتم اساسا لصالح ضحية هذا الخطاب : الناخب الفرنسي الذي سئم من الطبقة السياسة التقليدية و الذي يتوقع ان التيار الذي لم يتسلم الحكم أبدا يملك العصا السحرية التي ستضع حدا لكل مشاكله. و بما أن هذه الإيديولوجيا تربط المشاكل بالهجرة و الهجرة بالعرب، فلا غرابة ان تروح اللغة العربية ضحية هذه الثلاثية التي يستهدف مروجوها غسل دماغ الناس. كنت ولازلت من المدافعين عن تدريس العربية في فرنسا وحتى في أووربا و هي اللغة التي تتحدثها بطلاقة ما هو الشيء الذي دفعك للتعلم هذه اللغة في بيئة تقريبا معادية لها، إلى أن أصبحت من المدافعين عنها ؟ لا استطيع أن اقول إن الظروف التي أحاطت بتعلمي اللغة العربية كانت معادية ، فأنا في الواقع تعلمت العربية في المغرب عندما كان الوالدان قد انتقلا الى المغرب كمتعاونين من وزارة التعليم الفرنسية . و لكن الصحيح ايضا ان اصدقاء و زملاء الوالدين من الجالية الفرنسية المقيمة في المغرب الذين كنا نخالطهم عبروا عن دهشتهم من تحمسي للغة العربية و لم تكن هذه الدهشة بالضرورة مصدر تشجيع...فمنهم من كان يرى ان اللغة العربية تختصر في لغة التواصل اليومي لا مستقبل دراسي فيها و لا امل في التخرج بها ثم العثور على مناصب شغل بالتعمق في دراستها. و الأدهى و الأمر ان عددا لا بأس به من اصدقائنا المنتمين الى مجموعة حظيت لدى البعض بلقب البرجوازية المغربية يرون هذا الرأي أيضا... لكن الأمور تغيرت فيما بعد، فقد شهد تعليم اللغة العربية في مدارسنا بالخارج نقلة نوعية باستحداث ما سمي بالشعبة الدولية و هو فصل دراسي لا يزال موجودا الى الأن، يتم فيه تدريس التلميذ برنامجا ادبيا يسمح له بالتمعن في دراسة أعمال كتاب عرب معاصرين طبعوا الرواية العربية الحديثة بإبداعهم الراسخ في واقعية أدبية تعكس تطور المجتمعات العربية على ضوء تاريخها الحديث. هذه الخطوة جعلت عائلات كثيرة تجد متنفسا يسمح لها ببلورة اعتزازها بثقافتها المزدوجة العربية و الفرنسية في جمع بين الأصالة و المعاصرة يتم بواسطة اللغتين معا. مطالبة شيراك لباجولي بعدم الحديث بالعربية في الجزائر تكتيك فرنسي لما نقرأ تصريحات رئيس المخابرات الفرنسي السابق باجولي، على أن الرئيس الفرنسي السباق جاك شيراك، دعاه لما كان سفيرا في الجزائر إلى عدم الحديث باللغة العربية التي كان يتقنها جيدا، ونعود إلى اقترح السلطات الفرنسية اليوم بتعليم العربية في المدارس الابتدائية، يتبادر الى الذهن سؤال حول تغير في ذهنية النظام الفرنسي اتجاه بعض القضايا المتعلقة بالمهاجرين على غرار اللغة ؟ بسؤالك هذا نعود الى جوهر المشكلة : أن تكون اعلى سلطة في الدولة الفرنسية قد صدت سفيرها بالجزائر عن استخدام اللغة العربية كأداة تواصل بينه و بين الناس، واقع يعكس كون اللغة العربية لم تبلغ في ذهنية البعض مرتبة اللغة المرموقة وفق الصورة التي بدأت الجهود الحثيثة المبذولة منذ بضعة اعوام ترسيها في الأذهان ذاتها. نعم هناك تغير في ذهنية النظام الفرنسي، حتى و ان لم يكن جاك شيراك معاديا للغة العربية، انا اميل الى الاعتقاد بأن الرئيس شيراك كان يحكم ان الذهنيات بشكل عام لم تكن مستعدة لتضع في الحسبان ان اللغة العربية صاحبة تراث عريق يماثل تراث اللغة الفرنسية في عراقته و ثراءه. فنصيحة عدم استخدامها في حالات معينة كان بالنسبة له اقرب الى التكتيك من اي شيء آخر. الان، تراهن السلطات الفرنسية على الخطوة العكسية تماما، إظهار عراقة اللغة و التراث العربيين لسحق ادعاءات البعض أن العربية أداة لترويج أفكار و ايديولوجيات لا تحمد عقباها. بيت القصيد ان تتمكن هذه السياسة من فرض واقع طبيعي يسند الى العربية منطق تعليم لغة و حضارة على قدم المساواة مع اللغات الرئيسية المدروسة ببلادنا، مثل الانجليزية و الاسبانية. العلاقات الجزائرية -الفرنسية يشبهها البعض ب حقل ألغام في كل مرة يحاول المسؤولون بين البلدين القفز على ملف الذاكرة دون نسيانه طبعا من أجل استمرارية هذه العلاقات التي توصف دائما ب الاستثنائية ، في رأيك لماذا لا تعتذر فرنسا عن جرائمها الاستعمارية بشكل واضح وجلي إلى غاية اليوم بعد مرور عقود من استقلال الجزائر؟ ! لا اعتقد أن موضوع حقل الألغام سيثار الى ما لا نهاية، لقد سئم الفرنسيون و الجزائريون من جيلي، جيل من ليس مسؤولا عن حرب الجزائر كما يقال ، من استدعاء الذاكرة في كل مرة، اكرر من جديد، الذاكرة موجودة و لم تلتئم جراحها بعد، لكن يجب المضي قدما. في موضوع الاعتذار، لقد أجبتك، هو موضوع يجب أن يجعل منه الرئيس ماكرون أحد أقطاب سياسته المغاربية، كلماته التي ألقاها أثناء الحملة الانتخابية عند زيارته للجزائر كانت قوية جدا و يجب أن تترجم بأقوال، وهو الشخص الوحيد الذي يمكن أن يجعل من هذه الصفحة صفحة مطوية الى الأبد، هو هذا الرئيس الشاب، و أنا أثق به.