عمي الطاهر ، هكذا كان يحلو للمقربين من الروائي الجزائري الكبير الطاهر وطار، إطلاق هذا اللقب في حضرته، إحتراما له ولمكانته الأدبية وملكته الابداعية وللسنوات التي قضاها في خدمة الثقافة والأدب في الجزائر سواء قبل تأسيس الجاحظية أو بعدها ! . المرتادون اليوم على صرح جمعية الجاحظية التي أسست سنة 1989، سيجدونها تتجه تدريجيا لكي تتحول إلى مقهى شعبي يجتمع فيه الجميع من أجل إرتشاف القهوة باردة، وليس لحضور اللقاءات والأمسيات الأدبية التي كان يشرف عليها صاحب الزلزال ، حسبما كشفته الابنة الصغرى بعدما عرض مقرها للبيع حتى بدون مشورة عائلة الروائي الراحل . ما يحدث في الجاحظية اليوم، هو عملية قتل مبرمج لذاكرة روائي جزائري كبير، خدم الثقافة والأدب وحاول رفع الذوق العام ومنح الحياة في البلاد، خاصة حينما كانت آلة الموت تحصد وتلقي بجثث الجزائريين في الشارع، من خلال مجلاته الثلاثة التبيين و القصيدة و القصة ، ونشاطه الدؤوب في ذلك الصرح الذي أنقذه من الانتحار الشخصي والجمعي بالنسبة للجزائريين . فالذين وافقوا على بيع ذلك المتنفس الأدبي والثقافي، هو بمثابة عملية قتل ثانية للروائي كما وصفها واسيني الأعرج، وعملية طعن في ظهر صاحب رواية اللاز ، من قبل اللذين يرغبون في تحويل هذا المعلم الثقافي جمع أصواتا وأقلام روائية وقصصية وشعرية طيلة عقدين من الزمن، إلى قبر تجاري. وفي الوقت الذي تحتفل فيه الشعوب العربية، بلغة الضاد، التي إنتصر لها صاحب الوالي الطاهر من كل أعماله ودخل حتى في حروب دينكشوتية ضد بعض زملائه الكتاب باللغة الفرنسية، يحاول البعض وأد هذا الوتد الشامخ في الرواية الجزائرية من خلال هذا الصرح الذي أنشأه، وبما أن الاختلاف دائما لا يفسد للود قضية خاصة في العملية الابداعية، كان صرحه يضم الجميع حتى الذين أختلف معهم في التوجهات والرؤى والأفكار .
واسيني الأعرج الروائي الجزائري، الذي كانت معه خصومة جميلة مع عمي الطاهر حول توجه الجمعية، لكنه كان دائم الدفاع عنه من خلاله دعواته في أكثر من مرة لوزارة الثقافة ب استعمال سلطتها الرمزية لحماية تراث الأمة من الاندثار وتحويل المكان إلى متحف للطاهر وطار وغيره، وبث الحياة فيه من جديد ، دعوة واسيني ليس الوحيدة بل صدح صوت الكثير من الروائيين والادباء الجزائريين من أجل الحفاظ على هذه التركة الثقافية التي تمثل حقبة من حقب الأدب والنشاط الثقافي والإبداعي في البلاد. صرخة الأدباء والكتاب الجزائريين والقراء وكل المتعاطفين مع صاحب رواية الموت والعشق في زمن الحراشي ، ليست وحدها التي تحركت في الساحة الثقافية الجزائرية منذ شهور، بل انتفضت أبنته الصغرى هجيرة وطار، وكشفت المستور حول ما تتعرض لها الجاحظية من قبل صديق والدها، الذي يبدو أنه خان عهد الصداقة بينه وبين وطار، لذلك بادر في بيع مقر الجمعية دون استشارة أحد أبناء وطار !. هجيرة التي فقدت والدها منذ 8 سنوات تقريبا، تدعو وزير الثقافة عزالدين ميهوبي الكاتب والمثقف من أجل إنقاذ ليس صرح والدها فقط بل ذاكرة ثقافية يشترك فيها كل الجزائريين، خاصة وأن وطار قدم نجاح الجاحظية على كل أولوياته فهو يعتبرها مشروعه الحلم الذي جعله يبقى على قيد الحياة طوال تلك السنوات من نشأتها. هذه العلاقة الغامضة بين الجمعية ووطار، وثقها واسيني بالقول بالرغم من خلافاتي مع عمي الطاهر حول توجه الجمعية، الا أن وطار كان مقتنعا حتى الموت بضرورة نجاحها، وان حدث وفشلت التجربة، كان يفكر في وضع حد لحياته ! حاول وطار جعل الجمعية شمعة تنير سماء الساحة الثقافية في الجزائر، لكن هناك من يرغب بإدخالها في دهاليز مظلمة، ولعل إحدى روايته التي صدرها سنة 1995، والتي كان بطلها يتنبأ بكل ما يجرى قبل حدوثه، لكن ما لم يتنبأ له العم وطار في تلك الرواية، المعنونة ب الشمعة والدهاليز ، أنه سيأتي زمان ويدخل بعض أصدقائه حلمه إلى دهاليز البزنسة ويحاولون إطفاء الشمعة التي كرس حياته لتبقى تنير الصرح الثقافي في البلاد!.