قواتنا المسلحة تواصل حربها المتعددة الجبهات بكل إصرار وعزيمة وإحترافية رجال الجيش الوطني الشعبي عاهدوا فصدقوا أبناء جيشنا لا يبغون منصبا ولا جاها ولا ينتظرون مقابلا ولا شكورا، غايتهم في جملة واحدة، أن يكونوا خير خلف لخير سلف .. ربما تلخص هذه الجملة التي وردت في افتتاحية مجلة الجيش، بالتزامن مع الحراك الشعبي المتواصل منذ 22 فيفري 2019، عظمة سليل جيش التحرير الوطني الذي تمكن من تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي الغاشم ودحر آفة الإرهاب، ليواصل مسيرة الكفاح والعطاء بعد 57 سنة من الاستقلال، من خلال الوقوف بوجه العصابة التي عاثت في الأرض فسادا، ومرافقة الجزائريين في حراكهم السلمي الهادف إلى وضع الجزائر في الطريق الصحيح للتطور والرقي والازدهار. يعتبر الجيش الوطني الشعبي مفخرة للوطن بفضل تاريخه المشرف، كيف لا وهو سليل جيش التحرير الوطني، الذي أنهى تواجد استعمار فرنسي دام 132 سنة على أرض الجزائر الطاهرة، حيث لايزال يحقق نتائج مبهرة مكنته من تبوأ الصفوف الأولى في التصنيفات الدولية لأحسن الجيوش في العالم، خاصة مع العمليات النوعية التي نفذها خلال السنوات الأخيرة، حيث تعيش فلول بقايا الجماعات الإرهابية، بفضل حنكة ويقظة واحترافية أفراد الجيش، مراحلها الأخيرة، وهذا رغم الفوضى والانفلات الأمني الذي تعرفه المنطقة، والتي كانت تداعياتها وخيمة على استقرار البلاد، لولا يقظة واحترافية أفراد الجيش وفطنتهم، حيث أحبطوا كل محاولات ضرب أمن البلاد، مجنبين مؤامرات كانت تحاك ضد الجزائر، إلا ان رهانات المتربصين بالبلاد سقطت جلها في الماء، وأكد الجيش الوطني الشعبي، مرة أخرى، انه درع الجزائر الحصين، وحامي استقرارها وأمنها، والمدافع الشرس عن رسالة الشهداء. من التأسيس إلى تحرير البلاد من الإستعمار هي ميزة ينفرد بها تأسيس جيش التحرير الوطني عن كل جيوش العالم، ألا وهي خروجه من رحم المعاناة التي ألمّت بالشعب الجزائري جراء الاستعمار الفرنسي الغاشم، برجال ونساء آمنوا بالكفاح المسلح، وبأقل الإمكانيات الحربية، صنع أبناء الجزائر الفارق أمام أقوى جيوش العالم في ذلك الوقت، فقد فهم مفجرو الثورة منذ البداية أن السر الوحيد الذي يمكن أن ينجح عمليات جيش التحرير الوطني، الذراع العسكري لجبهة التحرير الوطني، ضد الجيش الفرنسي هو الزخم الشعبي وحب افتكاك الحرية ووقف المعاناة الاستعمارية، هو السر الذي سيحدث الفرق في حربهم ضد فرنسا، لأن إنشاء جيش نظامي كلاسيكي منذ البداية كان غاية في الصعوبة، وهو ما يترجم على الواقع عندما نعلم أن جيش التحرير الوطني لم يؤسس بمرسوم من فوق وإنما نشأ من رحم الشعب ومن كل طبقاته وشرائحه، وقرر قياديو الثورة تشكيل مجموعات صغيرة قادرة على خوض حرب عصابات تبعا لظروف المعركة التي كان ينبغي خوضها مع الجيش الاستعماري، الذي كان متفوقا عدة وعددا. تشكّل الجيش الوطني الشعبي بميلاد جبهة التحرير الوطني في اجتماع مجموعة ال22 في جوان 1954، ليكون اليد التي أطلقت بها أول رصاصة لتحرير الجزائر في الفاتح نوفمبر 1954، وجاء صمود جيش التحرير الوطني وكان السند الشعبي المتعاظم الذي لقيه جيش التحرير الوطني، وازدياد عدد المنخرطين في صفوفه منذ بدايته بعد تبني مفجري الثورة خيار الكفاح المسلح إيمانا بالثورة ودفاعا عن الوطن، قد مكّنه من متابعة مسيرة الكفاح وبدأ في تحسين وتطوير هياكله بصفة تدريجية وفقا لمعطيات الحرب، واعتمد على حرب العصابات وألحق، منذ البداية، هزائم ثقيلة بأبسط الإمكانيات بجيش فرنسي منظم وقوي وبهياكله التي كان يفرض عليها طوقا أمنيا محكما، غير أن إيمان رجال جيش التحرير الوطني بقضيتهم صنع الفارق بشكل ملفت للانتباه، وأصبح فيما بعد مرجعا للشعوب المحتلة في العالم. وحقق جيش التحرير الوطني، عبر مراحل الثورة، انتصارات هامة كان لها صدى عالميا، وكان لها تأثير كبير وواضح على الصعيد الداخلي والخارجي، وتنوعت هذه الانتصارات بين معارك طويلة دامت عدة أيام، وكمائن خاطفة، وعمليات تصفية الخونة والمتعاونين مع الاستعمار، وكانت معارك جيش التحرير قد عمّت كل القطر الجزائري في كل الولايات التاريخية، الولاية الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والمنطقتين الشرقية والغربية، بالإضافة إلى ما كان يقوم به جيش التحرير الوطني من حرب عالية المستوى في التضحية والفداء واختراق السدين الشائكين المكهربين على الحدود الشرقية والغربية، فقد عرفت الولاية الأولى عدة معارك كبرى، أشهرها معركة الجرف التي وقعت بين 22 و29 سبتمبر 1955 بقيادة بشير شيهاني وعباس لغرور وعاجل عجول، وصل صيتها إلى المحافل الدولية ودعمت نتائج هجومات 20 أوت 1955 في تدويل القضية الجزائرية، ومعركة جبل أرقو بتبسة بقيادة الشهيد لزهر شريط في جويلية 1956 والتي أصيب فيها العقيد بيجار برصاصة قرب قلبه. وفي الولاية الثانية، لا يمكن أن نتحدث عن انتصارات جيش التحرير بالولاية الثانية دون أن تكون البداية بهجمات 20 أوت 1955 التي أعطت نفسا جديدا للثورة، هذه الولاية وقعت بها عدة معارك استشهد خلالها قادة الولاية منهم الشهيد مراد ديدوش ويوسف زيغود. وفي الولاية الثالثة، حققت انتصارات كبيرة وواجهت قيادات هذه الولاية القوى المضادة للثورة ومنها حركة بلونيس، التي تمركزت في قرية ملوزة وتسبّبت في مضايقات واعتداءات على الثوار والشعب معا، حيث تم القضاء على أنصار حركة بلونيس. وكانت المعارك بالولاية الرابعة متواصلة عبر الجبال والمدن، ومن تلك المعارك معركة جبل بوزڤزة، معركة أولاد بوعشرة، معركة أولاد سنان، معركة الكاف الأخضر. وكان بالولاية الخامسة مجموعة من القادة العسكريين الذين لا يمكن وصفهم إلا بالكبار، منهم بن مهيدي وبوصوف وعبد الملك رمضان وهواري بومدين ولطفي، وقد استمرت بها المعارك والكمائن طيلة الثورة من بينها معركة جبل عمور في 2 أكتوبر 1956. وامتازت الولاية السادسة بالتنظيم السياسي والإداري لخلايا جبهة التحرير الوطني وذلك بحكم طابعها الصحراوي أولا، بحكم مواجهتها لمختلف الحركات المناوئة للثورة ومن المعارك البارزة في هذه الولاية، نذكر معارك جبال القعدة وبوكحيل والكرمة والجريبيع، وكان أعظم انتصار للجيش التحرير الوطني انه انتصر على أعتى قوة عالمية، آنذاك، واسترجع الاستقلال والحرية للشعب الجزائري. خير خلف لخير سلف لم تكن مهمة سليل جيش التحرير الوطني بعد الاستقلال أقل صعوبة من مهمة تحرير الجزائر، حيث باشر تحدٍّ جديد ألا وهو بناء الوطن، وذلك بسد شغور المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، وتطهير الحدود الشرقية والغربية من الألغام الممتدة على خطي شال وموريس وإزالة آثار الحرب المدمّرة، وبناء مرافق الخدمات وتقريبها من المواطنين لفك العزلة عنهم، رسم الحدود مع الدول المجاورة وتأمين سلامتها. وبالموازاة مع هذه المهمة، لم يتوان الجيش الوطني الشعبي في الاهتمام بالتكوين العسكري وتدعيم قدراته القتالية، فلم تمض السنة الأولى على الاستقلال، حتى ظهرت إلى الوجود قيادة الدرك الوطني في أوت 1962 ومصلحة الإشارة في 15 سبتمبر 1962، كما عين وزير الدفاع في 27 سبتمبر 1962. وفي أكتوبر 1962، وصلت إلى الجزائر وحدة صغيرة من الطائرات العمودية، كما وصلت في نفس الشهر مجموعة من الطائرات المقاتلة. وفي هذا الإطار، شرع في إنشاء هياكل التكوين والتدريب وإرسال البعثات إلى الدول الشقيقة والصديقة، لتتخرج من كبريات المدارس والمعاهد في مختلف التخصصات، مشكّلة بذلك أولى الطلائع التي ستؤطر الجيش الوطني الشعبي وتطوره تنظيما وتسليحا. وبدأت المدارس تظهر إلى الوجود كمدرسة أشبال الثورة في ماي 1963 والكلية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال في جوان 1963، واهتمت قيادة الجيش الوطني الشعبي، منذ البداية، بالجانب التكويني حيث تم إنشاء هياكل التكوين الأخرى في مختلف الأسلحة بما يستجيب ومتطلبات الجيوش الحديثة والتقنيات العسكرية المعاصرة والتزويد بالأسلحة والتجهيزات المتطورة. ومع أن الجيش الوطني الشعبي كان ينتظره الكثير داخليا، غير انه لم يتوان في نصرة فلسطين بعد نكسة 5 جوان 1967، إثر العدوان الإسرائيلي على مصر ولنصرة القضية الفلسطينية، هبّ الجيش الوطني الشعبي لنجدتها، وتحركت الطلائع الأولى لأرض المعركة، فحطّت أول طائرة عسكرية جزائرية في مطار القاهرة يوم 6 جوان 1967، ثم وصل بعد ذلك بقليل لواء بري، التحق بالخط الأول للجبهة، ومجددا، كانت قوات الجيش الوطني الشعبي في الطليعة، عندما بدأت حرب الاستنزاف حيث أظهروا قدرات عسكرية عالية المستوى رغم عدم تكافؤ الإمكانيات مع العدو الإسرائيلي، وفي حرب أكتوبر 1973، وبالرغم من طابع السرية والمفاجأة التي اتسمت بهما حرب 6 أكتوبر 1973 ضد إسرائيل على الجبهتين المصرية والسورية، إلا أن هذا لم يمنع الجزائر من نصرة الأشقاء في مصر وسوريا، حيث احتلت المرتبة الثانية بعد العراق من حيث الدعم العسكري الذي قدّم لهذه الحرب. المؤسسة العسكرية تعيد الجزائر لبر الأمان وواصل الجيش الوطني الشعبي المساهمة في المعركة التنموية التي باشرتها الجزائر، حتى استقام عودها، وقويت شوكتها، وكان من المفروض أن ينال الجيش الوطني الشعبي، على الأقل، استراحة محارب، لكن ذلك لم يكن، ففي سنوات التسعينيات عصفت على الجزائر عاصفة هوجاء، لو عصفت على أي بلد من بلدان العالم لمزقته قطعا، لكن بفضل وحدة الجيش الوطني الشعبي وقوته، وبمساهمة أسلاك الأمن وكل الوطنيين، الذين وقفوا في وجه الإرهاب الغاشم والمؤامرات التي حيكت ضد البلاد في الداخل والخارج، بقيت الجزائر واقفة وخرجت إلى بر الأمان، وبعد عودة الأمن والاستقرار للوطن بالداخل، تواصلت مسيرة عصرنة قوات الجيش الوطني الشعبي باقتناء أحدث الأسلحة. ومرة أخرى، وجد الجيش الوطني الشعبي نفسه في مواجهة مع أحد أهم التحديات الأمنية للجزائر، بعد أن عصف انفلات أمني غير مسبوق بالمنطقة وراهن أعداء الجزائر على سيناريو دموي آخر بها، لكن الرد كان حاسما ومبهرا أسكت كل المتآمرين ضد الوطن، فبعد أن تمكّن من حصر الجماعات الإرهابية في الداخل، وتحولت إلى بقايا تعاني من نقص فادح في المؤونة والتموين وعجزت عن تنفيذ عمليات إرهابية ذات صدى بسبب الخناق المفروض عليها، وعمليات التمشيط الواسعة التي ما فتئت قوات الجيش الشعبي الوطني تواصلها، والتي عرفت منحى تصاعديا بنتائج مبهرة خلال السنتين الفارطتين، نجحت قوات الجيش في حماية حدود الوطن وحصلوا، بجدارة، على لقب أول قوة عسكرية في منطقة شمال إفريقيا والساحل، حيث واجهوا تنامي ظهور الخطر الكبير على كل الجهات، فمن الجهة الجنوبية أدت الاضطرابات الأمنية الحادة في مالي وحتى النيجر لمحاولات بروز تسلل للجماعات الإرهابية لتنفيذ عمليات استعراضية في جنوب الجزائر، وبالرغم من صعوبة مهمة التحكم في الحدود الشاسعة، ردّت قوات الجيش بقوة في تيڤنتورين وتواصل هذا الرد بتوالي عمليات إحباط تمرير الأسلحة للداخل، فلا يمر يوم واحد دون عملية نوعية، حيث أصبحت القوة الأمنية للجيش الوطني الشعبي تجربة رائدة في مكافحة الإرهاب يثنى عليها في أكبر المحافل الدولية، ويعترف بها من أكبر القوى في العالم، وتحولت الجزائر إلى الشريك الأهم لمكافحة الإرهاب في المنطقة، بسبب تمكنها من إحباط أخطر العمليات الإرهابية، ومساعدة دول الجوار على مواجهة الجماعات الإرهابية بما فيها التميّز الاستعلاماتي في الوصول إلى هذه الجماعات، كما أن الجيش الوطني قال كلمته ضد تطور شبكات الجريمة المنظمة وانتشار تجارة السلاح، حيث ما فتئ يدمر عشرات المخابئ على الحدود. والجدير بالذكر، أنه ليس من السهل تأمين حدود ب1329 كلم مع مالي ولا 951 كلم مع النيجر وهما دولتان تعرفان تناميا للهيب الحرب الداخلية، ساهمت في سهولة تحرك الجماعات الإرهابية بها، والتي كانت تعتقد أن مهمتها ستكون سهلة بعد ذلك في الجزائر، غير أنها وجدت قوات ترفض أي مساومة على أمن واستقرار الجزائر، مما عرضها للعجز عن إيصال أي تموين لبقايا الجماعات الإرهابية في الشمال بسبب اليقظة والحرص والإنتشار الدائم لقوات الجيش على الحدود، مع أقصى درجات الجاهزية العملياتية والكفاءة القتالية، وتواجه قوات الجيش الوطني الشعبي على الحدود الشرقية جبهة لا تقل سخونة أمام استمرار الانفلات الأمني في ليبيا، وعلى الحدود مع تونس. التصدي للعصابة ومرافقة حراك الجزائريين ومنذ بداية الحراك الشعبي في الجزائر بتاريخ 22 فيفري 2019، ظهر جليا الدور البارز للمؤسسة العسكرية في مرافقة الحراك، وتجنيب البلاد الوصول لحالة الانسداد من خلال التمسك بالحل الدستوري، كما قدمت قيادة الجيش ضمانات لجهاز العدالة الذي يواصل ممارسة مهامه بكل استقلالية ونزاهة بدليل المحاكمات والمتابعات والقرارات التي مست مؤخرا العديد من الرؤوس الكبيرة في مختلف المجالات وعبر كل المستويات. هذا وتواصل المؤسسة العسكرية مرافقة الشعب الجزائري حتى تحقيق تطلعاته المشروعة، بالتزامن مع عملها بكل هدوء وصبر، على تفكيك الألغام التي زرعها أولئك الفاسدون المفسدون في مختلف القطاعات والهياكل الحيوية للدولة، تحسبا للتطهير الشامل لهذه القطاعات، وذلك بفضل تضافر جهود كافة الخيرين، ثم بفضل وعي الشعب الجزائري الغيور على وطنه، وجاهزية أبنائه وإخوانه في الجيش الوطني الشعبي المرابطين على ثغور الوطن، والحريصين على استرجاع هيبة الدولة ومصداقية المؤسسات وسيرها الطبيعي. وحرصت في هذا الإطار قيادة مؤسسة الجيش على التأكيد في كل مرة أن طموح قيادة الجيش، هو خدمة البلاد والمرافقة الصادقة للشعب الأصيل لبلوغ أعتاب الشرعية الدستورية، مع الإشارة إلى عدم وجود أية طموحات سياسية لديها. ولا يسعنا في هذا المقام سوى الاستعانة بأجزاء من افتتاحية مجلة الجيش والتي جاء فيها: أبناء جيشنا لا يبغون منصبا ولا جاها ولا ينتظرون مقابلا ولا شكورا، غايتهم في جملة واحدة، أن يكونوا خير خلف لخير سلف ، ومن ارتاب في العلاقة الحميمية الصادقة بين الشعب وجيشه عليه أن ينزل إلى الشارع ليقرأ شعارات الحراك الشعبي ويستمع إلى هتافات الملايين وصراخهم شعب - جيش.. خاوة خاوة .