تعيش الجالية الجزائرية في العديد من الدول الأوروبية أجواء رمضانية أكثر إسلامية، إلا أنها ليست بتلك الأجواء التي يتميز بها في الوطن الأم، ما ألهب حنين العديد من المغتربين للعودة الى الجزائر وقضاء هذا الشهر وسط العائلة. إلا ان الكثير منهم حرمتهم الظروف من ذلك وأجبرتهم على قضاء هذا الشهر بعيدا عن أهلهم حتى وإن كانت ممارستهم للشعائر الدينية لا تتبدل، إلا أنّ نمط قضائهم نفحاته قد تختلف بتواجدهم بين بلد وآخر، حيث يفتقد الكثير من المغتربين لرموز معينة بشهر رمضان لاسيما العائلية منها، وزينب إحدى النساء ممن شاء الله ان تعيش بعيدا عن هذه الأجواء لحوالي 11 سنة، بعد ان تزوجت ورحلة الى مدينة بلباو الإسبانية ظنا منها أنها ستعيش حياة أخرى، إلا ان الواقع قال العكس حيث زادت معاناتها ببعدها عن الأهل لعدة سنوات ما دفع بزينب لتفتح قلبها ل السياسي ، لتروي قصة حياتها في بلاد المهجر وشعورها بقضاء رمضان في ارض الوطن وسط الأهل والأحباب بعد 12 سنة. هكذا كانت بداية رحلتي إلى المهجر بعد 12 سنة في بلاد المهجر، تقربت السياسي من زينب التي عانت الكثير بسبب وحدتها في المهجر، لتبدأ كلامها قائلة: كانت بداية رحلتي الى المهجر نحو مدينة بلباو الإسبانية بعد زواجي، فكنت من بين اسعد النساء في هذا الكون، إلا ان شاء الله، وبعد ستة اشهر من زواجي، أن يتعرض زوجي لحادث عمل أصابه بالشلل مما صعّب ظروف العيش علينا مع مصاريف العلاج المكلفة ووقفت عاجزة خاصة عندما صدت أبواب العمل في وجهي، كوني محجبة حيث رفض الكثيرون توظيفي رغم امتلاكي عدة مؤهلات للعمل ، لتضيف المتحدث التي تسكن في مدينة بلباو والتي تقل فيها نسبة الجالية العربية لم أكن أتحدث اللغة الإسبانية بطلاقة، فمنذ وصولي الى إسبانيا، كنت أخرج فقط برفقة زوجي الذي كان يجيدها باعتباره يسكن بالمدينة منذ سنوات كثيرة ، بقيت زينب على هذه الحال لشهور مما دفعها الى بيع مجوهراتها من الذهب الذي كان هدية من زوجها قبل الزواج، كما اضطرت إلى بيع الاثاث المنزلي من اجل مصاريف البيت وعلاج الزوج ولم يكن في وسع عائلتها مساعدتها في ذلك باعتبارهم من العائلات المتوسطة لكن إرادتها القوية لم تمنعها من العمل والمضي قدما من أجل إنقاذ نفسها وزوجها المريض وشاء الله ان تلتقي بإحدى الجزائريات المقيمات هناك لتتوظف عندها في صالون الحلاقة، مما فتح باب الأمل لزينب وبدأت العمل في الفترة الصباحية، لترجع للبيت فتعتني بزوجها المقعد. وتتذكر زينب تلك الايام المريرة التي عاشتها بصعوبة كبيرة حيث تقول إنها لم تر اهلها لمدة أربع سنوات كاملة، لأنها لم تكن تملك حتى ثمن التذكرة للعودة للوطن لكنها أصرت على تحسين ظروفها وحالتها الاجتماعية، لتضيف قائلة: كنت قد فقدت الأمل في العيش خاصة وأنني لا أملك أقارب في بلاد المهجر، إلا ان تأكيد الأطباء انه بإمكان عودة زوجي الى حالته الطبيعية بعث في نفسيتي روحا جديدة جعلتني أعمل المستحيل لتحقيق ذلك وتجاوز محنتي لوحدي خاصة وأنني حرمت من الأولاد . بعدي عن أهلي أفقدني طعم الحياة وتقول زينب أن البعد عن الأهل أفقدها طعم الحياة، حيث زادت معاناتها كلما تذكرت شلل زوجها وهو ما زاد من شعورها بالوحدة والحنين إلى الأهل عند حلول الأعياد والمناسبات، حيث افتقدت حنان عائلتها وعطف أمها في بلاد المهجر، لتسترسل زينب في كلامها قائلة: إن معاناتي وحزني يزيد كلما اقتربت الأعياد حيث أفتقد من يتقاسمني البهجة وفرحة المائدة التي تجمع العائلة الواحدة، فغربتي حرمتني من هذا ومشاكلي زادت من معاناتي ، وبهذه الكلمات والعبارات المليئة بمشاعر الشوق والحب والحنان، اغرورقت عيني زينب بالدموع لتقول: لا يوجد شيء أصعب من الفراق، الذي يجعلك تعيش وحيدا ويفقدك طعم الحياة . الصوم 11 سنة بعيدا عن الأهل زاد من معاناتي وتؤكد زينب أن فراق الأهل والأحباب أشد قساوة من الظروف المادية التي كانت تعاني منها، حيث انها لم تجد هناك أحدا من الجالية الجزائرية بجانبها فقد كان يسكن في العمارة التي تقطن بها قليل من الجالية المغربية، حيث لم تكن ترتاح لهم، ورغم أنهم يعلمون ما تمر به، الا أن أحدا لم يبادر لمساعدتها مما جعلها تبتعد عنهم اكثر فأكثر، لتزيد بذلك قساوة الهجرة مع اقتراب شهر رمضان المبارك الذي كانت تقضيه لوحدها بعيدا عن الأهل والأقارب لأزيد من 11 سنة، لتقول زينب: كنت أشتاق للأجواء الرمضانية التي ألفتها في وطني الحبيب، خاصة مع سماع الآذان وترتيل القرآن الكريم في السهرات الليلية واجتماع الأهل والأحباب في قعدة رمضانية، دون الحديث عن لم شمل العائلة على مائدة إفطار واحدة، فبالرغم من أنني كنت أقوم بطهي الأطباق التي اعتدت عليها في مدينة البليدة، إلا أنني لا اشعر بالدفء العائلي، فلا طعم لشهر رمضان بديار الغربة ، وهو ما عبّرت عنه زينب التي قادها المكتوب بعد زواجها للعيش في ديار الغربة. شفاء زوجي عجّل بعودتي إلى أرض الوطن ومع استمرار آلام الوحدة والفراق الذي كان يغمرها لأزيد من 11 سنة، فكرت زينب بالرجوع الى ارض الوطن والاستقرار هناك، لكن كانت كلما طرحت الفكرة على زوجها قابلها بالرفض، لتقول في هذا الصدد أنها كانت تحلم في كل مرة بالعودة الى ارض الوطن وكان يتعذر عليها ذلك بسبب ثمن التذكرة المكلفة، فبالنسبة لها قضاء رمضان الكريم وسط العائلة شعور لا يضاهيه شعور آخر، فحسب قولها، لو أنها كانت تملك مالا كثيرا لأنفقته كله مقابل قضاء شهر رمضان في بيتها العائلي. وبعد تماثل زوجها، الذي أقعده المرض أربع سنوات، للشفاء عاد لممارسة نشاطه والعمل ليعوضها قساوة الأيام التي مرت عليها، فهو لن ينسى صنيعها ووقوفها معه، فلم يكتب الله ان يرزقهما بالذرية، الا ان حنان زوجها عوضها غياب الأهل وحرمان الأبناء وها هي تعود الى أرض الوطن ويتحقّق حلمها بأن تقضي شهر رمضان الكريم في حضن عائلتها، لتقول أنها جد سعيدة للعودة الى أرض الوطن لقضاء شهر رمضان وسط العائلة، كما أنها تعلمت الكثير في ديار الغربة وأن لا شيء يعوض الوطن مهما كانت ظروف الحياة فيه، فلو كان الأمر بيدي، لبقيت هنا طوال حياتي، فمرارة وقسوة الوحدة جعلتني أفكر بعدم العودة ، لتضيف: عشت عكس ما تمنيته ولكن رضيت بما خبئه لي الله، وأيقنت أن العيش في الوطن لا مثيل له ولا يعرف معنى ذلك إلا من ذاق مرارة الغربة