يبدو أن نقص فرص العمل أصبحت من بين أهم الأسباب التي دفعت بالعديد من الشباب للتفكير في مغادرة الوطن والوصول الى الضفة الأخرى، والتي أصبحت اليوم الحلم المنشود لشبابنا للهروب من شبح البطالة وغيرها من المشاكل الأخرى التي تطارد الكثير منهم، وهو الأمر الذي دفع ب أمين. ق المنحدر من بلدية الدرارية بالعاصمة للتفكير في الغربة غير مبالٍ بالمخاطر التي قد يصطدم بها في بلاد المهجر بغية منه لمواصلة دراسته في الخارج والاستقرار هناك، وأمام هذا الواقع الذي يعيشه العديد من الشباب، تقربت السياسي من أمين ليروي لنا قصة حياته في فرنسا والذي أكد لنا انه رغم قساوة العيش في ديار الغربة، إلا انه تعلم الكثير منها. إصراري على مواصلة دراستي في الخارج.. دفعني لتحمّل الغربة بدأت أفكار الغربة تراود أمين وعمره لا يتجاوز ال22 سنة بعد ولوجه الجامعة، ليقول أمين الذي سافر للدراسة في الخارج: كانت بداية حياتي في فرنسا بعد ان ذهبت بفيزا تجارية ومن ثمّ بفيزا دراسية، وفي الفترة الأولى لي هناك، عملت حتى كوّنت معارف، وأوصلوني إلى أشخاص لهم علاقات في الجامعة، ودخلت الجامعة، وهكذا بدأت حياتي الدراسية، لكن كان هناك العديد من المشكلات التي أثقلت عليّ حياتي، ولكن ورغم المعوقات، تعلمت وتعبت لأكتسب المزيد من الخبرات، التي دعمتني وزادت من تصميمي على العودة إلى بلدي لأفيد بها الشباب والوطن مستقبلا . ولم يجد امين صعوبة كبيرة في إيجاد عمل بعدما أنهى مرحلة الدراسة هناك، لا سيّما وأنه حصل على منحة من الدولة الفرنسية ليكمل الدكتوراه في اختصاصها في جامعة باريس 11. إلا أن المراحل الأولى من وصوله إلى فرنسا لم تكن سهلة، حيث كان على أمين أن يعمل ويدرس في آن واحد ليؤمن لنفسه مصاريفه الشهرية، خصوصاً وأنه لم يحصل على منحة في السنوات الأولى من الدراسة، يقول في ذلك: لم يكن الأمر بالغ الصعوبة، فقط يتطلب تنظيم الوقت بين الدراسة والعمل . و يضيف أمين قائلا: وبعد 3 أشهر من الاستقرار بفرنسا، اصطدمت بمرض والدتي الذي اضطرني لأخذها للمعالجة في الخارج . ويضيف محدثنا انه رغم رحلة الزمان التي نالت من عمري بسبب مواصلة دراستي في الخارج، ورغم نفاد ما أوتي من صبري لفراق أهلي وأقاربي، إلا أنني بقيت متفائلا بالخير، فتحصلت على منصب عمل مكّنني من ولوج عالم النسيان لأوفر لعائلتي أحلى ما في الكون، خاصة وأنني عشت يتيم الأب، فتحدّيت واقعي وأحزاني وعزمت على تغيري حياتي ، فبعد حياة العذاب والقساوة التي عانها أمين في بلاد الغربة بعيدا عن الاهل والاحبة، يجازف اليوم بعزيمة وإصرار بكل ما لديه من قوة لتوفير العيش الكريم لعائلته، رغم مشاعر الاشتياق والحرمان ولحظات الإنتظار التي تفتك القلوب بمشاعر الحزن الأليم لفراق الصدر الحنون، ليزداد بذلك أمين ألما وحزنا كلما تذكر والدته المريضة التي لم يراها لعدة شهور وسنين، ليضيف محدثنا في هذا الصدد: إن مرض والدتي وبُعدي عنها جعلني أندم أحياناً على سفري، لكن ما وصلت إليه اليوم، يجعلني أشعر بالفخر ويمحو كل أثر للندم والتعب . وفاة والدتي زادت من عذابي وبعد 3 سنوات من عودة والدتي من العلاج في الخارج، بقيت أكابد مرارة وقساوة الوحدة في المهجر، الا ان ما حز في نفسي هو وفاة والدتي وأنا في ديار الغربة، فكان نبأ وفاة أمي الغالية التي سهرت الليالي وتعبت لأجلي لأصير رجلا بمثابة صاعقة، فاكتفيت بالبكاء بعد ان اتصلت بعائلتي فعانقتني أيام الحزن و الآلام لشهور عدة بالخصوص امام غياب الرفيق المؤنس لي في الغربة، فاليتم بعيدا عن الأهل والأقارب زادني عذابا . زواجي غيّر مجرى حياتي وبعد 6 أشهر من وفاة والدتي، شاء الله، تعالى، أن أتعرف على فتاة بولونية الأصل سردت لها قصتي بأكملها، عرضت عليها الزواج فقبلت، فكان ذلك اليوم منعرجا هاما في حياتي لأنها غيّرت حياتي واستكملت نصف ديني الذي طالما كنت أحلم بتحقيقه في وطني، فبالرغم من كل ذلك، بقيت في كل مرة غريبا في هذا البلد وهو الأمر الذي زاد من عذابي، فعزمت أن أكون مخلصا لزوجتي ولا أفكر في شيء آخر. وبعد سنين طويلة من زواجي، تمكّنت من تسوية أوضاعي، الا أنني كنت أشعر بالضياع بين جدران الغربة، لتبقى الآلام مغروسة في قلبي وسط قساوة الظروف الاجتماعية التي كانت تتكبدها والدتي بسبب المرض الذي كانت تعاني منه، لأزيد آلامها وأنا بعيد عن الأنظار لأتمسك بصبري برفيقة دربي التي وهبني إياها المولى، عزّوجل، والتي أنقذتني من الضياع . الشوق إلى الأهل.. أصعب ما يواجهه المرء في المهجر أصعب ما يواجهه المرء في الغربة هو الشوق إلى الأهل، وتحمّل مسؤولية أعماله وحده، فلا يوجد من يقف بجانبه في المواقف الصعبة. لكن إيجابياتها أكثر، فهي تبني شخصية قوية تساعدك على مواجهة أصعب الأمور ، يقول أمين، ويضيف: عذاب الغربة صعب ولكنها في النهاية تبني الشخص المسؤول والقادر على خوض معترك الحياة بكل قوة وثقة. كونت أسرة صغيرة فعملت المستحيل لإسعادها، فكانت زوجتي وأبنائي نعمة رزقني بها الله، سبحانه وتعالى، ليعوضني على ما فاتني من الحياة، لكن بعدي عن أهلي أفقدني طعم الحياة لتزيد معاناتي كلما تذكرت صغري ويزداد إحساسي كمغترب بالوحدة والحنين إلى الأهل عند حلول الأعياد والمناسبات، حيث أفتقد عائلتي وحنان وعطف أمي، رحمة الله عليها، في بلاد المهجر ، ليسترسل أمين كلامه قائلا: إن معاناتي وحزني تزيد كلما اقتربت الأعياد حيث أفتقد من يتقاسمني البهجة وفرحة المائدة التي تجمع العائلة الواحدة، الا ان غربتي حرمتني من هذا ومشاكلي زادت من معاناتي . وبهذه الكلمات والعبارات المليئة بمشاعر الشوق والحب والحنان، اغرورقت عيني أمين بالدموع ليقول: لا يوجد شيء أصعب من الفراق الذي يجعلك تعيش وحيدا ويفقدك طعم الحياة . الغربة علمتني كيف أصنع مستقبلي وبعد إصرار وتحدٍّ، عزمت أن أعمل المستحيل لأعود وأستنشق هواء وطني، فكانت 2013 سنة إشراق شمس وطني في وجهي، بعد ان غبت عن بلادي لمدة 10 سنوات كاملة وبعزم مني وبإرادتي، قمت بتسوية وضعيتي، فرجعت الى ارض الوطن وكان هذا يوم ميلاد جديد بعد تيتمي وأنا في ديار الغربة ، وأمام هذه العبارات القاسية والمؤلمة التي تلفظ بها أمين وبعيون دامعة، يسترسل كلامه طالبا وداعيا من المولى، عزّوجل، ان يفسح جنانه ويتغمد بنعمته روح أمه، مواصلا كلامه قائلا: مادريت يا لميمة تروحي وتخليني محروق نطلب تسامحني.. سافرت لأعمل، واعتمدت على نفسي، فابتكرت الحلول وتحمّلت الصعاب. لأن السفر هو طريق للخوض في مجالات الحياة، العمل هناك جعلني أستطيع شراء بيت لإخوتي، الا ان عزيمتي وإصراري على النجاح جعلني أتحدى الواقع لتوفير الأفضل لهم، فحقّقت ذلك وعليه، تمكّنت، من خلال النجاحات، تحقيق الأفضل لأسرتي، وهكذا، استقرت حياتي في ديار الغربة رفقة عائلتي الصغيرة، ولكنني لم أنس وطني الحبيب، فأصبحت كل 4 أشهر أحضر لزيارة أهلي وأقاربي ، ليضيف أمين في الأخير: إن الغربة علمتني كيف أعيش وكيف أفكر وكيف أصنع لنفسي مستقبلا، ورغم الإيجابيات التي اكتسبتها أثناء تواجدي في ديار الغربة، إلا أنني عشت أياما جد قاسية لفراق الأهل والأحبة .