شهدت دول عديدة في شرق أوروبا عام 1989 تطورات حاسمة أدت إلى انهيار الأنظمة الشيوعية التي كانت تحكمها، غير أن هذا النجاح الكبير لشعوب هذه الدول جاء بعد عقود من مقاومة الديكتاتورية. في إشارة إلى سعي شعب ألمانيا إلى توحيد الدولتين الألمانيتين، قال الرئيس الألماني يواخيم غاوك مؤخرا: الحرية تحققت أولا ثم الوحدة . قول الرئيس الألماني هذا دخل عالم الشهرة في إطار الحديث عن التحول السياسي في شرق أوروبا قبل 25 سنة، وهو كلام ينطبق على التطورات في الكتلة الشيوعية الشرقية سابقا وعلى عملية توحيد أوروبا. ويُعتبر سقوط جدار برلين ذروة النضال التحرري الذي خاضته شعوب شرق أوروبا. وقد كانت الطريق إلى ذلك طويلة ومخضبة بالدم غالبا خلال النضال من أجل الحرية والديمقراطية في بلدان المعسكر الشيوعي سابقا، فما هي أهم الأحداث التي سبقت هذه الذروة؟ التمرد الشعبي عام 1953 في جمهورية ألمانيا الديمقراطية بدأ التمرد على شكل مظاهرات احتجاجية في برلين الشرقية ضد ظروف العمل غير الإنسانية في البلاد والبؤس الاقتصادي فيها. وتحولت المظاهرات سريعا إلى تمرد عمالي شمل جميع أنحاء ألمانيا الديمقراطية. ويشكّل هذا أول تمرد معاد للشيوعية في نطاق سلطة الاتحاد السوفيتي سابقا. طالب المتمردون بإجراء انتخابات حرة وإقالة قيادة البلاد وتوحيد ألمانيا المقسمة. وقد دفع ذلك القيادة إلى وضع حد للتمرد بالاعتماد على الشرطة ودبابات الجيش السوفيتي. التمرد الشعبي عام 1956 في هنغاريا بدأ التمرد المجري أيضا بمظاهرة جماهيرية سلمية في العاصمة بودابست. هناك تظاهر طلاب بشكل أساسي للمطالبة بتغييرات ديمقراطية. وبعد أمر الحكومة بإطلاق النار على التظاهرات تسارعت الأحداث، إذ انشق جنود عن وحداتهم العسكرية لدعم المتظاهرين، مما أدى إلى قتال مسلح، نتح عنه انتهاء حكم الحزب الواحد وتعيين حكومة تمثل عدة أحزاب. وأعلنت هذه الحكومة خروج هنغاريا من معاهدة وارسو وطالبت الجيش السوفيتي بمغادرة البلاد. إلا أن هذا التطور انتهى بعد أيام قليلة فقط، فكما كان هو عليه الحال قبل ذلك في برلين، وضعت دبابات سوفيتية حدا لحلم المجريين بالحرية والديمقراطية. تدخل قوات معاهدة وارسو عام 1968 في تشيكوسلوفاكيا بدأت عام 1968 في تشيكوسلوفاكيا عملية إصلاح في إطار ربيع براغ ، حيث علّق سكان البلاد آمالا كبيرة عليها، فقد كان هناك إصلاحيون شيوعيون بقيادة الكسندر دوبشيك أقدموا على إجراء تغييرات سياسية واقتصادية في بلادهم. غير أن اشتراكية ذات وجه إنساني شكّلت شوكة في عيون حكام غالبية البلدان الشيوعية، وبشكل خاص الاتحاد السوفيتي. وعليه، فإن قوات معاهدة وارسو تدخلت مجدّدا وقمعت التطور الديمقراطي باستخدام الأسلحة. جدير بالذكر أن الرفيق نيكولاي تشاوشيسكو رفض المشاركة في هذا التدخل وأدانه. وكان تشاوشيسكو آنذاك قائد الحزب والدولة في رومانيا. ورغم ذلك، فإن الآمال في إجراء إصلاحات في رومانيا ضاعت بعد عام 1971، فبعد قيام تشاوشيسكو بزيارة إلى الصين وكوريا الشمالية أعلن إنجاز ثورة ثقافية على غراء الثورتين في هاتين الدولتين الآسيويتين، مما أدى إلى نشوء أحد أسوأ الأنظمة الدكتاتورية. تأسيس نقابة حركة تضامن المستقلة عام 1980 في بولندا تُعتبر بولندا أول دولة في الكتلة الشرقية تم فيها السماح بتأسيس منظمات عمالية حرة. ويشكل تأسيس نقابة حركة التضامن سسوليدارنوش حصيلة إضراب شمل البلاد بأسرها. وقد بلغت ذروتها عندما قام عمال محتجون باحتلال شركة بناء السفن في مدينة غدانسك. وتتمثل أبرز مطالب العمال التي رفعوها إلى الحكومة في وارسو، بالحق في حرية التعبير وتأسيس نقابات حرة والحق في الإضراب. ووافقت الحكومة في نهاية المطاف على تحقيق هذه المطالب. ورغم أن القوات السوفياتية لم تتدخل هذه المرة، إلا أن موسكو طالبت وارسو بعد سنة من ذلك بحظر نقابة حركة تضامن. وفي نهاية عام 1981، حظرت الحكومة النقابة وفرضت الحكم العرفي على البلاد. وابتداء من ذلك الحين، مرت ثماني سنوات أخرى حتى تمكّنت النقابة من كسب الصراع مع الحكام الشيوعيين. قطع الأسلاك الشائكة على الحدود المجرية - النمساوية عام 1989 قطع وزيرا خارجية المجر والنمسا في نهاية جوان عام 1989 رمزيا الأسلاك الشائكة على الحدود بين الدولتين، مما شكّل أول خطوة لإزالة الستار الحديدي بينهما. وانتهز الآلاف من مواطني ألمانيا الديمقراطية هذه الفرصة للهرب إلى الغرب. انقلاب في خريف عام 1989 ببلغاريا شهدت بلغاريا بعد 35 عاما من حكم تيودور جيفكوف انقلابا داخل حزبه الشيوعي. ويعد جيفكوف آخر حكام الحقبة الشيوعية في هذا البلد. سقوط آخر ديكتاتور شيوعي في نهاية عام 1989 برومانيا يعود سقوط نيكولاي تشاوشيسكو الذي رفض إجراء أي إصلاح، إلى انقلاب داخل نظامه. قبل ذلك حدثت نشاطات احتجاجية في غرب رومانيا، أمر الدكتاتور بقمعها بشكل دموي. وعلاوة على ذلك، شهدت العاصمة بوخارست وغيرها من المدن في الحادي والعشرين من ديسمبر 1989 مظاهرات قام بها العديد من المحتجين الذين تضامن قسم من العسكريين معهم. وبعد النجاح في إسقاط تشاوشيسكو تم اعتقاله وزوجته أثناء هربهما. وأدت محاكمتهما المستعجلة أمام محكمة عسكرية إلى الحكم عليهما بالإعدام وإلى تنفيذ الحكم في 25 ديسمبر من العام المذكور. سبل مختلفة واشتياق إلى الحرية من خلال نظرة عامة، يجب القول أن سكان دول الكتلة الشرقية وجدوا سبلا مختلفة للتخلص من حكامهم الشيوعيين، ففي بعض الدول مثل بولندا أو هنغاريا أو تشيكوسلوفاكيا، كان هناك إمكانية لتخفيف الحكم التعسفي تدريجيا، مما أثار الأمل في حدوث تغييرات، بينما يبدو أن سكان دول أخرى مثل بلغاريا أو رومانيا لم يروا بأن هناك بدائل للدكتاتوريات القائمة. ورغم ذلك، فإن الأسباب التي أدت إلى انهيار الأنظمة في دول الكتلة الشرقية بأسرها في نهاية المطاف، هي نفسها في مختلف الدول. من ناحية كان هناك اشتياق الناس إلى الحرية والديمقراطية، ومن ناحية أخرى أدى إفلاس هذه الأنظمة السياسي والاقتصادي إلى انهيارها. وتوضح التطورات في الدول التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي سابقا أن عملية التحولات السياسية الديمقراطية ما تزال لم تنته بعد. أين ذهب جدار برلين؟ ملونة أو غير ملونة، كبيرة الحجم أو قطعة صغيرة. في الحدائق أو كقطعة في ميدالية مفاتيح أو زجاجات تباع كتذكار. بل وتوجد قطع منها في المتاحف وعلى سطح المريخ. هي بقايا 155 كيلومتر من جدار برلين الذي قسم الشرق والغرب. سقط جدار برلين في التاسع من نوفمبر 1989، وبعد أسابيع قليلة من هذا التاريخ، بدأت الثقوب تنتشر حول بوابة براندنبورغ والرايخستاغ في العاصمة برلين. سياح وسكان العاصمة جمعوا قطعا من الجدار الذي سقط بعد أن فصل العاصمة إلى شطرين على مدى 28 عاما. بعض الباعة المتجولون يبيعون قطع الجدار، ثم تطورت تجارة بيع الجدار حتى يومنا هذا. انتشرت قطع الجدار حول العالم ووصلت إلى كل القارات. نُصبت في المتاحف وفي النصب التذكارية في بلدان عدة. بقايا الجدار أضحت جزءا من تاريخ العالم ، يقول المؤرخ هانز هيرمان هيرتله من مركز البحوث التاريخية في بوتسدام. أصبح الجدار ذا قيمة كبيرة بعد أن فقد معناه المرعب . ضرورة سياسية جاء بناء الجدار في عام 1961 من قبل جهورية ألمانيا الديمقراطية لوقف النزيف الاقتصادي الذي عانته، بسبب هجرة الناس منها إلى الجزء الغربي لألمانيا. فقد هاجر أكثر من 1.6 مليون ألماني من شرق البلاد إلى غربها. قيادة الحزب الشيوعي الحاكم بدأت ببناء الجدار تدريجيا، ومات 138 شخصا خلال محاولاتهم عبور الجدار بعد أن أطلق حراس الجدار النار عليهم. وفي قلب العاصمة برلين، بقي جزء بسيط من الجدار قائما، ليبقى ذكرى للحرب الباردة. لكن قطعا صغيرة وكبيرة منه أضحت تباع كتذكار وهدايا تُذكر بالفترة التي قسمت العالم إلى شطرين. بعضها أصبح ميدالية للمفاتيح، البعض الآخر ربط بمغناطيس ليعلق على باب الثلاجة، أو وضع على طاولة المكتب أو على جدار المنزل. ففي محل لبيع الهدايا قرب نقطة تفتيش شارلي الشهيرة، تباع قطع صغيرة ملونة بخمس يوروهات تقريبا. ليرتفع السعر تدريجا حسب حجم القطعة. مازال الطلب كبيرا على قطع الجدار ، يقول فيلاند غيبل مدير دار نشر ستوري البرلينية، والذي يقوم أيضا ببيع قطع من الجدار. من جهة لا يستطيع المرء تصوّر كيف كانت المدينة أيام الجدار . لكن من جانب آخر يوضح سقوط الجدار الرغبة الكبيرة لسكان جمهورية ألمانيا الديمقراطية في الحرية. قطع الجدار تاتي من تاجر ويتم التاكد من صحتها عن طريق اختبار من قبل جامعة برلين التقنية. في دار النشر تباع القطعة الصغيرة بسعر 6.90 يورو، فيما يصل سعر القطعة الأكبر إلى 12.90 يورو. أما القطعة الكبيرة التي يصل وزنها إلى 33 كيلوغرام، فتباع بسعر 699 يورو. تجارة الجدار لا تباع قطع الجدار كهدايا فقط، بل إن الاهتمام بها قد وصل إلى حدائق عالمية. البعض يريد الحصول على قطعة من الجدار يقيمها وسط الحدائق العامة. نقلنا قطعة منه إلى تالين عاصمة استونيا، بمساعدة سفير المانيا هناك ، تقول آنا كامينسكي مديرة المؤسسة الاتحادية لدراسة الحزب الشيوعي الديكتاتوري الذي حكم جمهورية ألمانيا الديمقراطية. جاءت فكرة استغلال بقايا الجدار تجاريا، مباشرة بعد سقوط الجدار. فرجال أعمال من داخل وخارج ألمانيا عرضوا على حكومة ألمانيا الديمقراطية شراء بقايا الجدار. مثلما يقول المؤرخ روني هايدرنايش: قررت قيادة الحزب الشيوعي ملأ خزانتها، من بيع ما كان يطلقون عليه جدار الحماية من الفاشية. وتم منح شركة ليمنكس للعمل في هدم الجدار واستغلاله. أما الأموال المحصلة من البيع، فيتم استغلالها في نظام الرعاية الصحية ، حسبما أعلن رسميا آنذاك. وحتى في الغرب، بدأ الاهتمام يتصاعد بالجدار، فقد ربح مزاد علني في موناكو من بيع قطع من الجدار مابين 1.8 و 2.2 مليون مارك ألماني (عملة جمهورية ألمانيا الغربية آنذاك). كثير من أموال بيع الجدار اختفت في دهاليز مظلمة، يقول روني هايدرنايش. ومع بداية صيف عام 1990 بدات عملية إزالة الجدار الذي امتد طوله إلى مسافة 155 كيلومترا باستخدام 65 رافعة و175 شاحنة نقل و13 جرافة. بعض الشركات الخاصة رحبت بهدم الجدار لشراء أنقاضه واستعماله في بناء الشوارع. صفقة خاسرة لكن صفقة هدم الجدار وبيعه لم تكن مربحة لقيادة جمهورية ألمانيا الديمقراطية، فالمبالغ المحصلة من العملية وصلت إلى بضعة ملايين، بينما كلف هدم الجدار حوالي 170 مليون مارك ألماني. لكن الجدار بقي كرمز لمرحلة مهمة في تاريخ العالم. خمسة وعشرون عاما مضت والجدار مازال يحمل هذه القيمة. فهناك حوالي 140 نصب تذكاري حول العالم تنتصب فيه قطعة من الجدار. اكبر قطعة تنتصب في متحف النيوزيام في العاصمة الامريكيةواشنطن، بالإضافة إلى أبراج مراقبة أصلية كانت جزءا من الجدار لمدة 28 عاما من عمره. قطعة منه في حوض سفن مدينة دانتزيغ البولندية. في متحف الحرب الإمبراطوري بلندن. في نيويورك وهاواي، وبوينس آيرس وسيول الكورية. وحتى على سطح المريخ، بناء على اقتراح جيولوجي ألماني، أرسلت قطعة إلى المريخ يصل طولها إلى 85 سنتمتر وتحمل اسم الجدار المكسور . وسعت ألمانيا جاهدة بعد توحدها الى إقامة فضاء اوروبي مشترك رفقة شركائها وجيرانها والذي تحقّق بمرور الوقت، حيث تم إنشاء الاتحاد الاوروبي وتم توسعته، ليشمل 28 دولة وآخرهم كانت كرواتيا التي انضمت في 1 جويلية 2013.