تشهد المفرغات العمومية الكبرى والمزابل، في الفترة الأخيرة، إقبال العديد من الأشخاص عليها لجمع النفايات الصالحة للاسترجاع المتمثلة في الكارتون والبلاستيك والزجاج والخبز اليابس، والتي يهدف جامعوها إلى جمع أكبر كمية لإعادة بيعها بأسعار مختلفة حسب نوعية النفايات إلى شركات تنشط في مختلف المجالات، وهو ما لاحظناه خلال جولتنا الاستطلاعية عبر أرجاء العاصمة. وفي ظل انتشار هذه الظاهرة وإقبال العديد عليها، استطلعت السياسي الوضع عن قرب من خلال زيارتها الميدانية إلى مفرغة مقطع خيرة لرصد الظاهرة عن قرب. حاويات النفايات تتحول إلى مصدر رزق للعائلات كانت الساعة تشير إلى الساعة السابعة صباحا عندما وصلنا الى مفرغة مقطع خيرة، أين شد انتباهنا تواجد عشرات الاطفال والرجال يسارعون لالتقاط بعض النفايات للاسترزاق بها، يحدث هذا بعدما أصبحت الحاويات الموضوعة على حافة الطرقات تضم أعدادا معتبرة من أكوام النفايات متسببة في إزعاج القاطنين والمارة بالمكان مما ساهم في تشويه منظر الطبيعة، إضافة إلى الرائحة الكريهة والحيوانات منها الكلاب المشردة التي باتت تشكل خطرا حقيقيا. ونحن نواصل جولتنا بمقطع خيرة، لاحظنا الاطفال وحتى الأشخاص الكبار في أوساط النفايات دون أي خجل بل ويتنافسون فيما بينهم للنبش فيها بهدف الحصول على قوتهم اليومي أو أغراض أخرى بهدف بيعها والاستفادة من ثمنها، فتقربنا من محمد صاحب ال 18 ربيعا ليسرد تفاصيل الرحلة التي يقضيها للبحث عن البلاستيك، والكارتون قائلا أنه ينهض مع صلاة الفجر ليخرج بعدها متوجها الى المفرغة ليقتات منها، مبررا بأنه يجمع أزيد من 50 كلغ من الكارتون والبلاستيك ولما سألناه عن سعر تلك الأشياء، أجابنا بأن سعر الكيلوغرام الواحد من الكارتون يقدر ب04 دنانير وهو نفس سعر البلاستيك. وعلى غرار محمد، فإن علي توقف عن الدراسة في سن مبكرة فقد أكد لنا بأن المزبلة أصبحت تسري في عروقي، فهي المكان الذي أقصده لجلب المال خاصة وأنني من عائلة محتاجة، آتي إلى هنا يوميا منذ الساعات الأولى من الصباح الى غاية الخامسة بعد العصر أقوم بجمع 20 كلغ من الكارتون لإعادة بيعه والاسترزاق بأمواله . وفي اليوم الموالي وفي الصباح الباكر، توجهنا الى بلدية باب الوادي، حيث التقينا بأشخاص كانوا متواجدين هناك يخرجون ما إن يحل الظلام خجلا من المارة وآخرون تراهم غير مبالين بمن يمرون حولهم، فهمهم الوحيد الحصول على ما تحتويه هذه المزابل، تكلمنا معهم، فأفصحوا لنا بقلوب مفتوحة وابتسامة رقيقة رسمت على شفاههم ومنهم نجد عمي محمد، وهو أب لعائلة تتكون من ثمانية أطفال إضافة إلى الأم والأب وذو دخل متوسط مقارنة بالمستوى المعيش المرتفع، فرغم أثر البؤس والتعب البادية على وجهه وذلك الجسم المنهك النحيف الذي رفض في البداية الحديث عن أحواله ومعاناته وقسوة الايام، فهذا الرجل الذي يتجاوز سنه ال70 سنة لا يزال يصارع قساوة الحياة من أجل كسب لقمة العيش حيث يقول: رغم التعب والروائح الكريهة وأخطار مواجهة الحيوانات، إلا أنني مجبر على تحمل كل هذا من أجل الحصول على راتب زهيد لا يكفي لسد حاجيات أسرتي اليومية، خصوصا مع غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار . وجهتنا الأخرى كانت نحو بلدية جسر قسنطينة أين تجولنا في بعض أحيائها والتي تعرف بكثرة عدد الذين يقومون بفرز النفايات دون خجل، يقول أحمد. ب في العشرينات من العمر والذي كان يلبس ملابس رثة نوعا ما والذي رفض في البداية الحديث معنا ولكن بعد إلحاح منا فتح لنا قلبه وحكى لنا عن مهنته التي يقوم بها منذ ثلاث سنوات قائلا انه من عائلة فقيرة والظروف هي من حتمت عليه هذه المهنة والتي أصبح متعودا عليها ولا يخشى من نظرات الناس او حتى كلامهم لأنها شريفة وقد تعود على تلك الملاحظات في الشارع، يقول أنا لا أسرق ولا أطلب، فقط أقوم بالبحث في النفايات، أين أعمل على جمع قارورات البلاستيك والكرتون والنحاس إن وجد وحتى الخبز اليابس وذلك لإعادة بيعه بأثمان بخسة ، ويواصل أحمد انه متفق مع أحد الوسطاء الذي يتعامل مع عدد كبير من أمثاله بحيث يوفر له أحمد في كل أسبوع كمية محددة يقوم الوسيط بأخذها والدفع له، وبعيون كلها أسى عن الحال الذي وصل إليه، يسترسل محدثنا في كلامه الحمد لله، أنا اليوم اشتريت شاحنة من الحجم الصغير بعدما كنت في السابق أقوم بجمع النفايات في عربة والتي أقوم بدفعها طوال اليوم سيرا وهو ما كان يرهقني ويتعبني كثيرا وهو ما كان ايضا يمنعني من الذهاب الى مناطق بعيدة، أما الآن، فيمكنني جمع فيها نفايات أكبر . تركنا بعدها أحمد متمنين له التوفيق لانه يعمل بالحلال في وقت أصبح هناك شباب يفضلون الجلوس عبئا على أهلهم عوض العمل في جميع الميادين والتي تعتبر شريفة. توجهنا بعدها الى أحياء السمار اين تكثر المفرغات المترامية هنا وهناك ما جعل بالمنطقة أشبه بمفرغة عمومية في كل أزقتها ما جعلها محطة لحج الكثير من الباحثين في النفايات، صادف وجودنا قيام عجوز كبير في السن بالبحث وسط النفايات اين كان يأخذ الخبز اليابس ويضعه في أكياس كبيرة هناك حيث يبدو من حالته انه معوز. عمي سعيد يروي قصته مع حاويات النفايات اقتربنا بعدها من رجل في العقد الخامس والذي لم يكن بعيدا عن العجوز الذي صادفناه، وهو عمي سعيد (52 عاماً)، الذي كان محملا بكيسين كبيرين من القارورات البلاستيكية، بالقرب من إحدى المفرغات في السمار وبالضبط أمام العمارات والذي اكد لنا منذ تسع سنوات، أنبش وأبحث في المفرغات الخاصة بالنفايات. لقد أجبرتني ظروف الحياة على النبش في القمامة لتأمين حاجات عائلتي اليومية ، مضيفا بقوله أخرج يومياً قرابة الساعة السادسة والنصف صباحاً، وأقصد في غالب الأحيان المفرغة الكبيرة التي كانت سابقا السمار لجمع القارورات البلاستيكية وكل ما أعثر عليه من الأواني المنزلية، وخاصة النحاس، أقوم ببيعه لأوفر بعض المصاريف لعائلتي . ..وأطفال يدخلون عالم الشغل من باب القمامة وما يلفت الإنتباه ويثير الشفقة هو توجه بعض الأطفال إلى المفرغات العمومية بحثا عن مصدر رزقهم هي حرفة تستقطب الكثير من الصغار من سن السابعة الى سن السادسة عشر، ينطلقون كل صباح إلى المفرغة ينتظرون وصول شاحنات القمامة ويسرعون للصعود على متنها بحركات تشبه محاولات الإنتحار قد تذهب أرجلهم وأيديهم جراءها بسبب السقوط تحت العجلات الكبيرة للمركبة وسجلت في هذا الشأن الكثير من الحوادث ولكن...! فهدفهم هو الوصول إلى بعض المواد المستعملة كالبلاستيك والورق وغيرها من المعادن والنحاس لبيعها لمعامل الاسترجاع والمقابل أسعار زهيدة لكنهم يجدونها أفضل بكثير من السرقة والتسول. وبالرغم من قسوة الظروف التي يعيشها هؤلاء الاطفال، إلا أنهم يصرون على الكسب الحلال وهم لا يفكرون في الغد وبالتالي لا يتذمرون ولا ينزعجون منهمكين فقط في يومهم الشاق آملين في نهاية يوم سارة على أن يعودوا لتكرار المشهد المؤسف في اليوم التالي، بحيث ارتبط مكان استرزاقهم بالمزابل والمفرغات العمومية حيث لم يجدوا بديلا أفضل من ذلك كونه أحسن بكثير من العمل لدى أحدهم وهم يرون في ذلك استغلالا كبيرة ويحصلون على مبلغ زهيد جدا مقابل مجهود كبير قد يعجز على تقديمه حتى الكبار. هذه هي حال الكثير من الأطفال الذين يمتهنون بيع المواد المستعملة التي تتخلص منها العائلات وتقذف بها في المزابل، لتتحول القمامات إلى مصدر للعيش لصغار تحملوا مسؤوليات عائلتهم وحملت أكفهم الصغيرة حملا ثقيلا عليها ولكن من يتساءل عن مصير هؤلاء وكيف سيكون مستقبل طفل خرج من المدرسة في مرحلة الابتدائي وحرم من كل شيء من أجل أن يعيش بدون أي شيء. أمراض تنفسية وأخرى جلدية تهددهم لم تسمح لنا الرائحة الكريهة بإطالة التواجد في المكان، فالهواء كان ملوثا لدرجة أننا تجندنا بزاد من العطور للتمكن من التنفس، ذلك ما جعلنا نتساءل عن وقع كل هذا على أجسادهم الضعيفة ورءاتهم الصغيرة خلال تواجدهم يوميا في هذه البيئة الملوثة، والإجابة كانت كما توقعنا، فهناك العديد من الأمراض التنفسية التي تفتك بهؤلاء الصغار. وحسب منير، فإن أغلب العمال في المفرغة، بما فيهم الأطفال، يعانون من أمراض مختلفة في مقدمتها الأمراض التنفسية والجلدية نتيجة للمحيط غير الصحي الذي يعملون فيه دون توفر أدنى وسائل الحماية. وعن أنواع الأمراض، فهم يجهلون حتى أسماءها ولا يعرفون عنها إلا أعراضها التي على صعوبتها تلاشت أمام هيبة المكان وصعوبة الظفر بلقمة العيش. مختصون يحذرون من خطورة إعادة تدوير الخبز اليابس وفي ظل هذا الواقع الذي يندى له الجبين لما آل إليه العديد من المواطنين سواء الصغار او الكبار منهم، حذر العديد من المختصين من الأخطار التي يواجهها هؤلاء الذين يسترزقون من النفايات نظرا للامراض والاوبئة التي تحاصرهم، وهو ما أكده الطبيب بن أشنهو في اتصال ل السياسي ، الذي أشار بقوله إلى ان هذا الأمر يستدعي دق ناقوس الخطر كون هؤلاء معرضون للخطر في ظل غياب الرعاية والإهتمام. ومن جهة أخرى، أشار محدثنا الى خطورة تدوير الخبز اليابس الذي يجمعونه من القمامة وإعادة تدويره على أساس شابلور في المحلات لما فيه من خطورة بسبب البكتيريا والفيروسات.