دخل الإمبراطور الإعلامي المفترض في سباق مع العدالة الجزائرية عندما أعلن أمس، في تغريدة إعلانية، عن بيع ما لا يملك من أسهم المؤسسة الإعلامية التي تنازل عليها مالكوها الأصليون، و التي هي محل طعن بالبطلان من قبل وزارة الإتصال صاحبة الصفة في مثل هذه العقود المشبوهة التي تتطلب احترام أبسط القواعد القانونية السارية المفعول. الملياردير الذي وجد سلطان القانون أمامه قائما هذه المرّة، انعطف بصورة مفاجئة نحو جهة أخرى بغرض الإحتماء و التمويه، بعد أن فقد المظلّة التي كانت تحميه مثلما يتهمه خصومه السياسيون. الجهة التي لجأ إليها أغنى رجل في الجزائر هي "الشعبوية" التي أراد الإختباء وراءها و الإستثمار فيها لكثرة عددها و قلّة حيلتها، فقد قدّم وعدا بالبيع الشعبي و قال أنه سيفتح رأس مال المجمع الإعلامي الذي هو محل نزاع قضائي قد يطول، إلى عموم الجزائريين لشراء أسهم و لكن بشرط أن يكونوا من المدافعين على حرية التعبير؟، و كأن الذي لا يكون مساهما أو لم يشتر سهما واحدا على الأقل ليس من أنصار حرية التعبير!. و هذه واحدة من المفاهيم المغلوطة التي أنتجتها أوساط إعلامية و حقوقية تريد تحريف النقاش حول محاولات مكشوفة للإستيلاء على مؤسسات إعلامية من قبل دخلاء على المهنة من أصحاب المال و رجال الأعمال الذين بدأوا يتخوّفون من صحافة مهنية و محترفة، قد تصل في وقت قريب إلى نشر "أوراق" قد تغيّر صورة هؤلاء لدى الرأي العام الذي يريدون التلاعب به الآن. الرأي العام الوطني يعلم أكثر من الإعلاميين و السياسيين الذين يعتقدون أنهم يصنعونه من خلال تسريب غير مسنود أو تصريح مكذوب، أن الملياردير و الشعبوية، خطّان متوازيان لا يلتقيان أبدا ، و أن تسويق مصطلحات مثل خلق الثروة و مناصب العمل لن تجلب لصاحبها التعاطف المرجو أو الدعم المؤكد في قضية مطروحة على العدالة التي يحتكم إليها الجزائريون من صاحب المليار إلى المعدم الذي لا يجد قوت يومه. إن القراءة الدقيقة في القوائم المنشورة باسم المتعاطفين و الداعمين الذين يقدّمون على أنهم من المتحمسين لحرية التعبير و استقلالية الصحافة، ربما هي التي جعلت الملياردير يبحث عن فضاءات أخرى أكثر رحابة بحجم خريطة الجزائر التي تعادل قارة بأكملها تتضمن عدة دول. و قد علمتنا التجارب البسيطة من هذا النوع و منذ إقرار التعددية مطلع نهاية الثمانينات، أن محاولات التلاعب بالرأي العام من خلال خلق مواجهة مفترضة مع السلطات العمومية و الضغط على مؤسسات الدولة بطريقة فجّة، لا تنفع أحدا، و أن انعكاساتها ستكون وخيمة على أصحابها الذين لم يحفظوا الدروس جيّدا من المحيط القريب و البعيد. و يبدو أن " الشعبوي" البسيط الذي يراد له أن يلعب دورا في قضية بيع مؤسسة إعلامية بأكثر من أربعمائة مليار، لن تنطلي عليه الحيلة في فهم مقاصد أصحاب الملايير عبر التاريخ من الذين يكفرون بحرية التعبير و يضحكون من الذين يؤمنون بها. «الشعبوي» البسيط الذي يتردد صاحب الملايير في خطب ودّه، يعلم علم اليقين ،أن أكبر أمبراطور إعلامي على كوكب الأرض الأسترالي المولد الأمريكي الجنسية روبار مردوخ، لمّا اشترى أول جريدة قام بتغيير سياستها التحريرية وخفّض عدد العاملين بها واستحدث أركانا تتحدث بشكل مفرط عن الجنس و الفضائح و الرياضة و تمجيد الصهيونية و تغذية العداء الأمريكي ضد المسلمين.