أرغم أمس مسلمون بفرنسا على الذهاب كرها إلى الكنيسة يوم الأحد للمشاركة في قداديس جماعية جنبا إلى جنب مع المسيحيين، وإظهار براءتهم من دم الكاهن جاك هامل الذي اغتيل ذبحا الثلاثاء الماضي داخل كنيسة في سانت اتيان، و كذا تبرّئهم من مرتكبي الجريمة اللّذين يقال أنهما من الجهاديين ومن أصول جزائرية . و الواضح أن هؤلاء المسلمين قد سيقوا إلى الكنيسة و هم يرتدون ثوب المتهم و الضحية في نفس الوقت، و هي ظاهرة مؤسفة قلّما تحدث للأقليات العديدة التي تعيش على التراب الفرنسي الذي أصبح لا يسع كل الحساسيات و الإختلافات التي تحركها الديانات الثلاث في بلد كان بالأمس القريب يتباهى بكونه نموذجا للتنوع و الحرية. و اليوم يبدو أن هذا الفضاء الرحب بدأ يضيق شيئا فشيئا على أهله، بفعل حادثة مقتل رجل دين مسيحي على يد شاب مسلم، حسب الرواية المتداولة إعلاميا للواقعة و ما تحمله من دلالة رمزية، ربما نجح المدبرون و المخططون في تقديم الصورة على هذا النحو المغرض و الذي لا يخدم في شيء الدين الإسلامي و لا الجالية المسلمة. فقد أظهرت العمليات الإرهابية المنسوبة أو المتبناة لتنظيمات جهادية إسلامية خلال السنتين الأخيرتين، أن الجالية المسلمة هي الضحية الأولى للفعل الإرهابي، فمثلا مأساة نيس ثلث ضحاياها من المسلمين، زيادة على الرعب و الخوف من الإنتقام الذي يعتري الجالية عقب كل عمل إجرامي يقدم على أساس أن الدين الإسلامي من يقف وراءه أو محركه. و تجد كل مرّة الجالية نفسها في موقف المتهم الأول، و هي في الحقيقة من الضحايا الذين يدفعون الثمن دائما، للصراع المفتوح بين الجهاديين و الدولة الفرنسية، حيث تعمل الجماعات المسلحة على نقل الحروب الدائرة في دول مثل سوريا و ليبيا إلى التراب الفرنسي. الدولة الفرنسية يبدو أنها أدركت نوايا خصومها الجهاديين، و لذلك وعدت مواطنيها على لسان رئيسها بمواصلة الحرب على الإرهاب و الأكثر من ذلك انتظار وقوع عمليات لا تقل إثارة عن مجزرة الجريدة الساخرة من الديانات و خاصة الدين الإسلامي، و الحافلة المجنونة على ضفاف المتوسط. و الحرب يبدو أن المسلمين سيكونون وقودها بالضرورة و لا أحد سيعفيهم من تبعات هذه المعركة المثيرة، و التي يزيدها لهيبا اليمين و اليمين المتطرف بتصريحات ماكرة تسوي في كثير من الأحيان بين الجلاد و الضحية. و لذلك تنوي السلطات التنفيذية توظيف الديانة الإسلامية و الجالية المسلمة في قلب الحرب على الإرهاب، من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للجالية، حيث بدأ الحديث عن إسلام على طريقة فالس ، كما كان من قبل الحديث عن إسلام على طريقة ساركوزي. و هي محاولات فاشلة مبدئيا كون الجالية و المتحدثين باسمها لا يشكلون أي تأثير على مسار الأحداث في فرنسا، خاصة لدى الأوساط الإسلامية المتطرفة التي تجد نفسها في تنافر صارخ مع السياسة الخارجية للدولة الفرنسية التي تتدافع من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للعالمين العربي و الإسلامي. إن إعلان الجالية المسلمة براءتها من العمليات الإرهابية و التضامن مع المسيحيين، هو أقصى ما يمكن أن تفعله جالية مغلوبة على أمرها بذهابها رمزيا إلى الكنيسة، و ليس هذا الأمر هو الذي سيوقف العمليات الإرهابية المرتكبة باسم الدين، ذلك أن سياسة الإدماج الفاشلة التي تنتجها الحكومات المتعاقبة في فرنسا، هي المسؤولة أيضا عن ظهور فئة جديدة من الجهاديين الذين يريدون تصفية حساباتهم مع دولة الحرية و الأخوة و المساواة التي لم تنصفهم على حد تعبيرهم، و هم مستعدون لنسف المساجد و الكنائس دون تردد. و إذا سلّمنا مبدئيا أن حادثة مقتل الكاهن المسيحي هامل على يد الشاب المسلم عادل، هي الصورة الظالمة التي يحاول الكثير من المغرضين تكريسها في الأذهان على أنها حرب بين المسلمين و المسيحيين، فمن حق الجميع أن يتساءل عن دور أصحاب الديانة الثالثة أي اليهود فيما يجري في فرنسا.