ظهرت موجة جديدة من المخرجين الشباب في الجزائر اعتمدت الفيلم القصير وسيلة للتعبير، ورغم العزلة التي تعاني منها في الجزائر في غياب العروض التي تقتصر على المناسبات فقط، إلا أنها حصدت العديد من الجوائز العالمية ونالت استحسان النقاد. النصر اقتربت من عدة أسماء وحاولت رصد تطلعاتها و أحلامها وتشخيصها لواقع السينما الجزائرية استطلاع: أمينة جنان عبد النور حوشيش، رئيس جمعية " برجكت اور" المنظمة للأيام السينمائية ببجاية اكتشفنا مواهب في بجاية والجمهور بريء من أزمة السينما الأيام السينمائية لبجاية تعتبر من بين الفرص القلائل التي تجمع حول شاشتها الفضية العديد من الوجوه السينمائية البارزة في الساحة الوطنية و الأجنبية ،خاصة المخرجين الجزائريين الذين حصدت أعمالهم الكثير من الجوائز القيمة عبر العالم كالمخرج يانيس كوسيم بفيلمه "خويا " و فيلم " لن نموت" لأمال كاتب و غيرها من أعمال الشباب الذين يخرجون لأول مرة أفلام سينمائية قصيرة كالمخرج أمين حتو و المخرجة صوفيا جامة. و تهتم هذه الأيام التي تدوم عادة مدة أسبوع بالتواصل و الحوار الذي يناقش مختلف الأفلام المعروضة و التي تطرح العديد من الإشكاليات السينمائية المهمة بهدف تشجيع الإبداع السينمائي في الجزائر و الملاحظ من خلالها أن هناك حركية سينمائية لا بأس في الجزائر ، و خاصة الجمهور الذواق الذي يحضر العروض و يشارك بحماس في النقاش ومن بينهم العديد من الأشخاص الذين يأتون من مدن مجاورة كعنابة ، قسنطينة ، سطيف و غيرها ، و هذا دليل أننا نملك جمهورا سينمائيا حقيقيا مستعدا للتنقل من مدينة إلى أخرى لمشاهدة الأفلام الجديدة. و تبقى هذه الأيام و المهرجانات القليلة هنا و هناك في الجزائر غير كافية لتوسيع الثقافة السينمائية و تشجيع الأعمال الواعدة التي ينتجها مخرجونا الشباب، كما أنه ليس عدلا اتهام الجمهور بالجهل السينمائي إذا كنا أصلا لا نملك سينما. مؤنس خمّار، مخرج فيلم " العابر الأخير" طموح المخرجين العصاميين هو سر نجاح الأفلام الجزائرية في أهم المهرجانات العالمية يشهد الفيلم القصير في السنوات الأخيرة ، نهضة سينمائية مبهرة ليس فقط في الجزائر أين يعرف تحسنا ملحوظا من حيث الكم والكيف و ذلك بفضل شباب طموح و عصامي تعلم السينما في بلاطوهات التصوير، فالمخرجون الجزائريون اللذين تنتزع أعمالهم جوائز عالمية في غاية الأهمية، ليسوا وليدي الصدفة أو الارتجال فهم أبناء جيل عمل بجد و انتقل كنحلة نشيطة من بلاطو تصوير إلى آخر لتعلم أسرار مهنة السينما من المخرجين و التقنيين اللذين يسبقونهم في الخبرة و التجربة، و عكس ما يعتقده الكثيرون فان الفيلم القصير أكثر صعوبة في الإخراج من الأفلام الطويلة ، الفرق الوحيد بينهما هو مدة الفيلم و فترة التحضير. في السينما لا مكان للصدفة ، النجاحات التي تحققها الأعمال السينمائية الجزائرية في الخارج خطوات ايجابية رائعة سبقتها سنوات من العمل و التعلم، لكنها يجب أن تدعم بهياكل متينة داخل الوطن تشجع على مضاعفة الإنتاج و رفع مستواه لأن السينما لا تعيش بدون جمهور، و قد لاحظت من خلال العروض القليلة لفيلمي القصير الأول "العابر الأخير" ( إنتاج جزائري مئة بالمائة) في الوطن، و الذي حاولت فيه عكس رؤيتي الشعرية لواقع الفنان الجزائري ويأسه متجنبا طرح الجانب التراجيدي للموضوع، أن الجمهور متلهف بشدة لمشاهدة سينما محلية يرى نفسه من خلالها. فقبل أن أكون سينمائي، أنا جزائري أعيش يوميا انشغالات المواطن العادي و مشاكل الفنان على وجه التحديد. السينما كمهنة لها قواعدها و متطلباتها التي لا يمكن الاستغناء عنها و الجانب المادي هو من أهم مقوماتها بالإضافة إلى سياسة ثقافية محكمة تستثمر المواهب و الطاقات النادرة التي نملكها. صابرينة دراوي مخرجة فيلم "قوليلي" من بين كل 10 أفلام جزائرية هناك على الأقل 5 تحصد جوائز عالمية التشجيع و الدعم الذي توليه الدولة لمشاريع الأفلام القصيرة ساهم بعض الشيء في مضاعفة عدد الأفلام المنتجة سنويا والتي وان كانت لا تتجاوز العشرة، إلى أنها تحصد أينما عرضت الكثير من الجوائز المهمة كفيلم " لن نموت " للمخرجة المغتربة أمال كاتب و"سكتوا" للمخرج خالد بن عيسى، أي أنه من بين كل 10 أفلام جديدة هناك على الأقل 5 تبهر العالم بمضامينها و جودتها و تنتزع التقديرات في أرقى المهرجانات السينمائية. غير أن المشكلة التي تواجهنا كسينمائيين هي عدم توفر دور عرض تعرّف الجمهور الجزائري على سينما بلاده التي تنال إعجاب العالم ، فمثلا الأفلام القصيرة التي أنتجت سنة 2010 لم تعرض إلا مرات قليلة جدا في الجزائر في إطار مناسبات رسمية نادرة أو من خلال مبادرات قليلة لبعض الجمعيات الثقافية، كالأيام السينمائية ببجاية و الذي أعتبره شخصيا من أهم اللقاءات السينمائية في الوطن. الجمهور الجزائري يحب الذهاب للسينما و مشاهدة الأفلام عكس ما يعتقده الجميع، و أنا متأكدة أن الكثير من الشباب المثقف مستعد لدفع اشتراكات قد تصل إلى غاية 20 أورو لمشاهدة الأفلام في قاعات السينما ، شرط أن تكون هناك سياسة ثقافية صارمة تدير هذه الفضاءات. الآلة الإنتاجية السينمائية الغربية تفتح أبواب مهرجاناتها الضخمة لأجود الأفلام الجزائرية لأن هذه الأخيرة فرضت نفسها باحترافيتها العالية ، كفيلم " مسخرة " لإلياس سالم الذي أثبت أن الجزائر مازالت بلد الروائع السينمائية أو فيلم " الصين مازالت بعيدة" للمخرج مالك بن إسماعيل الذي يعكس خلفية فكرية ناضجة، في حين تعاني صناعة السينما الوطنية من إعاقة كبيرة اسمها القاعات مما يجعل الكثير من هواة الفن السابع يبحثون عن أحدث الأفلام في الانترنت لأنها الوسيلة الوحيدة التي تبقيه على صلة بأحدث الأفلام الجزائرية خاصة منها القصيرة . المخرجة الشابة ياسمين شويخ الفيلم القصير في الجزائر لا يجد جمهوره في الجزائر من الصعب البدء بإخراج فيلم سينمائي طويل ، و ذلك لأن المخرجين الشباب عموما، لا يعرفون شيئا عن الإخراج ماعدا بعض الاشياء التي يتعلمونها في بلاطوهات التصوير هنا و هناك من خلال عملهم كمساعدي مخرج أو تقنيين، وهذه أول خطوة ايجابية توصلهم إلا أهدافهم لأنهم بفضل هذا الاحتكاك يكتسبون خلفية سينمائية متينة، غير أنها تبقى غير كافية على الإطلاق لأن صناعة الأفلام تتطلب إمكانيات مادية ضخمة، ولحسن الحظ أصبحت هذه الخطوة أيضا ممكنة بفضل الدعم المادي الذي تقدمه الوزارة للكثير من المخرجين الشباب لانجاز أفلامهم القصيرة. الفيلم القصير هو فكرة، إحساس أو انطباع لا يشرح تصرفات الشخصيات او تكوينهم النفسي بل يضع الأحداث في الصورة كما هي عرضة لتحليلات المشاهد الذي يحاول فك شيفرات الفيلم على طريقته، و الملفت أن الجمهور الجزائري أصبح يهتم بهذا النوع السينمائي أكثر منذ حوالي خمس سنوات، وهذا بفضل العديد من الأعمال الجزائرية الناجحة في الكثير من المهرجانات المهمة. اهمية الفيلم القصير تكمن في درجة اهتمامه بالمجتمع الجزائري لأن هذا الأخير أصبح يشعر بالفراغ ومن واجب السينما ان تعكس واقعه ومجتمعه برؤية تحليلية ثاقبة. و لكن للأسف الأفلام الطويلة و القصيرة معا لا تجد جمهورها في الجزائر بسبب انعدام قاعات السينما، فإذا كنا لا نرى هذه الأعمال في بعض المهرجانات و قاعات " السيني كليب" فلا يمكننا أن نراها إلا إذا كانت موجودة على الشبكة العنكبوتية و هنا الأمر مختلف تماما عن السينما الحقيقية و لكنني مع ذلك لدي أمل في أن تتغير هذه الوضعية في المستقبل القريب.