كشف متطوعون قادوا حملات تضامنية لجمع الأموال عبر صفحات الفيسبوك قصد إجراء عمليات جراحية لمرضى بالخارج، بأن أغلب هذه العمليات الجراحية لم تكن ناجحة، بالرغم من المبالغ الضخمة التي جمعت لأجلها وتجاوزت مع بعض الحالات خمسة ملايير سنتيم، غير أن النتائج جاءت مخيبة، مشيرين بأن مستوى التشخيص الطبي في الجزائر لا يقل شأنا عنه في الخارج، كما كشفوا أن بعض العيادات الطبية في دول أجنبية تتعامل مع المرضى وفق مبدأ تجاري ربحي محض. عقدة العلاج في الخارج وراء تراجع الثقة في التشخيص الطبي المحلي ويذكر في هذا السياق رئيس الجمعية الخيرية زهرة المستقبل بولاية البليدة حكيم محارزي للنصر، وهو الذي ساهمت جمعيته في تقديم المساعدة لعدد من المرضى لإجراء عمليات جراحية بالخارج من خلال إطلاق حملات تضامنية واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بأن أعضاء الجمعية قرروا توقيف مسعى جمع الأموال لمساعدة المرضى في إجراء عمليات جراحية في الخارج بعد أن تبين لهم فشل أغلب هذه العمليات، خصوصا و أن النتائج لم تختلف كثيرا عن تلك التشخيصات المسبقة التي قدمها الأطباء في الجزائر. وكانت أكبر عملية تضامنية نظمتها الجمعية المذكورة منذ سنتين رفقة مجموعات تطوعية أخرى عبر الفيسبوك وبمساهمة وسائل الإعلام المختلفة، هي تلك الحملة التي أذيعت على نطاق واسع عبر مختلف ولايات الوطن لصالح الشاب عدلان ربيعي الذي أصيب بمرض نادر، وكان بحاجة لإجراء عملية جراحية لعلاج ساقه، بحيث أن الأطباء في الجزائر لم يجدوا له من بديل سوى بتر ساقه، بعد تعذر علاجه، إلا أنه أرسل ملفه الطبي إلى عيادة خاصة في فرنسا، واطلع عليه الأطباء هناك، ليردوا بناء على نتائج الخبرة الأولية بالقول بإمكانية إجراء عملية جراحية تكون ناجحة دون بتر الساق، وحددت تكلفة العملية آنذاك بحوالي 05 ملايير سنتيم، لتنطلق بعدها حملة تضامنية كبيرة على موقع فيسبوك كان هدفها جمع المبلغ المذكور، عرفت مساهمة وسائل إعلام عديدة، ما سمح بجمع المبلغ المطلوب كاملا في ظرف أقل من 04أشهر، وحول عدلان بعدها إلى فرنسا لإجراء العملية الجراحية، إلا أن ساقه بترت في النهاية ولم يتحقق ما ذكر في التقرير الطبي الأولي، ما انجر عنه خيبة أمل واسعة وسط المتضامنين الذين بذلوا جهدا لجمع مبلغ 05 ملايير سنتيم. وقد ثبت بعد الاطلاع على الملف الخاص بالعملية التي أجريت لعدلان بالخارج، بأن النتائج التي توصل إليها الأطباء في العيادة الفرنسية كانت هي نفسها توقعات الأطباء في الجزائر، و أن نهاية المريض كانت محتومة فقد بترت ساقه رغم كل شىء، وفي نفس الوقت فإن العيادة الخاصة الفرنسية استحوذت على المبلغ الذي جمع لصالح العملية بالرغم من أن النتائج المنتظرة لم تتحقق، ودور الأطباء انحصر في بتر ساق المريض فقط، وهي نفس النتيجة التي كان من الممكن أن تحقق في المستشفيات الجزائرية مجانا. رئيس جمعية زهرة المستقبل، تحدث أيضا عن حملة أخرى للشاب المدعو عثمان الذي كان بحاجة لزراعة نخاع شوكي بالصين، وحددت تكلفة العملية الجراحية ب 850 مليون سنتيم، وبعد حملة واسعة تم جمع المبلغ كاملا وحول عثمان إلى الصين إلا أن نتيجة العملية كانت مخيبة، ونفس الشيء كان مع حملة فتيحة المصابة بسرطان المخ، أين نظمت جمعية زهرة المستقبل رفقة فيسبوكيين حملة واسعة لمساعدتها في إجراء عملية جراحية في فرنسا بمبلغ850مليون سنتيم، إلا أن العملية لم تكن ناجحة والمريضة فارقت الحياة. مرضى ضحايا عيادات أجنبية هدفها ربحي تجاري وفي السياق ذاته أجرت منذ أشهر طفلة تبلغ من العمر 06سنوات تعاني من شلل دماغي حركي عملية جراحية لزارعة خلايا جذعية بمستشفى اسباني بعد أن تم جمع مبلغ يفوق200مليون سنتيم لإتمام الإجراء الطبي ، من خلال حملات تضامنية عبر الفيسبوك ووسائل الإعلام، وكانت العملية فاشلة أيضا، بالرغم من أن تقرير الخبرة الطبية توقع بنسبة كبيرة نجاح العملية، ونصح بعدها الأطباء والد المريضة بإجراء حصص للتأهيل الوظيفي بنفس المستشفى، واضطر إلى جمع مبلغ إضافي لهذا الغرض، وتنقل مرة ثانية إلى هذا المستشفى أملا في شفاء ابنته، لكن لم يطرأ على الطفلة أي تحسن. نفس النتيجة المخيبة كانت مصير المناصر أيوب، الشهير بحبه لفريق شباب قسنطينة و الذي توفي قبل ثلاثة أشهر بمستشفى ماتز الفرنسي بعدما فشلت عمليته الجراحية التي جمع متطوعون لصالح إتمامها مبلغ600مليون سنتيم، وكان أيوب مصابا بمرض خلقي سبق للأطباء الجزائريين أن أكدوا استحالة شفائه. و في الإطار ذاته يشير رئيس الجمعية زهرة، إلا أن عملية واحدة فقط عرفت النجاح، من أصل كل العمليات التضامنية الكبيرة التي قادتها جمعية زهرة المستقبل رفقة مجموعات تطوعية عبر الفيسبوك، ويتعلق الأمر بشاب أجرى 03عمليات جراحية على مستوى الجهاز التناسلي بفرنسا بتكلفة إجمالية تقدر 1.5مليار سنتيم، في حين بقية العلميات كلها كانت فاشلة، والأموال التي جمعت سلمت للعيادات الطبية التي استقبلت المرضى بالرغم من فشل هذه العمليات. تراجع كبير في الحملات التضامنية ويذكر نفس المتحدث بأنهم قرروا توقيف الحملات التضامنية لجمع التبرعات المالية لإجراء عمليات جراحية في الخارج بعد الذي حدث، وتبين لهم بأن أغلب المستشفيات الأجنبية غرضها تجاري ربحي، وجمع الأموال على حساب صحة المرضى دون التأكد الفعلي من مدى نجاح العلميات الجراحية. هذا كما تراجعت مساهمات رجال الأعمال والمحسنين في هذه العلميات، ويذكر في هذا الإطار أحد المحسنين من رجال الأعمال بالبليدة بأنه كان يتلقى عدة طلبات للمساهمة في مساعدة مرضى في إجراء عمليات جراحية في الخارج، في حين كان يرفض ويفضل تقديم المساعدات للعمليات التي تتم داخل الوطن، ويقول بأنه كثيرا ما كان يوجه أصحابها نحو مستشفيات والعيادات الخاصة داخل الوطن، وذلك لنفس الأسباب المذكورة وهي أن النتائج غير مضمونة، وفي نفس الوقت توقفت الإذاعات المحلية بالولايات و عديد الجرائد عن الترويج لمثل هذه العلميات التضامنية الخاصة بجمع الأموال لتحويل مرضى نحو الخارج بعد أن أصبحت نتائج شفاء أصحابها غير مضمونة. رئيس عمادة الأطباء الجزائريين البروفيسور بقاط بركاني وضعية القطاع أثرت على ثقة الجزائريين في الكفاءات الطبية الوطنية أوضح رئيس عمادة الأطباء الجزائريين البروفيسور بقاط بركاني، بأن الجزائريين باتوا ضحية تحايل حقيقي من قبل عيادات تركية و تونسية خاصة، تتعامل معهم بمنطق تجاري بعدما أدركت يأسهم من مستوى الرعاية الصحية في الجزائر، ما جعلها تركز على استقطابهم من خلال وعود كاذبة بخصوص نسب نجاح عمليات جراحية معقدة، هي عمليات محكوم عليها بالفشل منذ البداية، لكن مع ذلك يتم استدراجهم عبر منحهم آمالا كاذبة بعلاج السرطان مثلا آو أي مشكل صحي آخر. علما أن هذه الممارسات لا تشمل حسبه الدول الأوروبية عادة، و إن وجدت فهي جد محدودة، و السبب كما قال هو أن الأوروبيين وخصوصا في فرنسا يحترمون مستوى الطب في الجزائر و يثقون في الكفاءات البشرية الوطنية، كما يتعاملون مع التشخيص الأولي الذي يتم في مستشفياتنا بكل جدية، بدليل أن هنالك قرابة 13 ألف و 500 طبيب جزائري يعملون في فرنسا و هم من خيرة ممارسي الصحة هناك. و تساءل المختص عن السبب الذي يدفع الجزائريين إلى جمع مبالغ ضخمة، لإجراء عمليات جراحية في تركيا و تونس، مع أن البلدين لا يملكان أي تاريخ طبي يذكر، فمنذ متى كانت تركيا قطبا صحيا كما عبر أما بخصوص تونس فغالبية أطبائها درسوا في جامعات قسنطينة و الجزائر العاصمة، فكيف يعقل حسبه، أن يكونوا أكثر كفاءة من الطبيب الجزائري. كما أضاف بأن بعض المرضى يعتبرون بأن التوجه لإجراء عمليات في الخارج على حساب الضمان الاجتماعي حق مطلق لهم، حتى وإن كانت حالاتهم معروفة وتشخيصها في الوطن قد تم بطريقة صحيحة، مع ذلك يرفضون الثقة في الطبيب الجزائري و يصرون على اللجوء للجرائد و مواقع التواصل لجمع مبالغ تسحب منهم عن طريق التحايل في الخارج وهو أمر لا نجده في دول كتونس والمغرب مثلا، ما يعتبر كارثة اجتماعية حقيقة على حد وصفه. وقد أرجع البروفيسور بركاني، السبب وراء مثل هذه الحملات التي تعد خلفية لعقلية باتت سائدة في المجتمع هي نتاج لمشكل ثقة في مستوى الطب الجزائري، إلى وضعية القطاع عموما، مشيرا إلى أن حالة التخبط التي يعرفها قطاع الصحة في الجزائر انعكست سلبا على ثقة المواطن في الطبيب حتى وإن كان مستواه مرموقا. مضيفا بأن نقص النظافة في المستشفيات و مشكل الأدوية وتوزيعها و مستوى التكفل و نوعية المعاملة، كلها عوامل ساعدت على هجرة المريض الجزائري إلى الخارج ليقع في النهاية ضحية لتحايل عيادات هي في الحقيقة أقل مستوى من ما هو موجود في بلادنا لكنها تغطي على عجزها من خلال الخدمات كالإيواء و المعاملة و النظافة غيرها، وهو وضع انعكس سلبا ليس فقط على المرضى بل حتى على الأطباء و المختصين الجزائريين الذين باتوا يبحثون أيضا عن فرصة للهجرة طلبا لظروف مهنية أفضل. وعن الحلول الممكنة للمشكلة، قال المتحدث بأنها تكمن في بعث حوار حقيقي وجاد بين مهنيي الصحة و الحكومة، مشددا على ضرورة تفعيل مقترحات و توصيات الجلسات الوطنية للصحة التي اقترحها الممارسون على الوزير السابق، وأغفلها لجهل منه، خصوصا وأن قانون الصحة الذي اقترحه لن يحقق الفرق إذا لم يتدعم بميكانيزمات وآليات تغيير حقيقية، تتطلب وجود إرادة سياسية حقيقية لتفعيلها، ليختم بالتأكيد على أن مشكل الصحة في الجزائر ليس مشكل إمكانيات مادية أو تجهيز، بل هو مشكل تنسيق مشترك بين المهنيين و المسيرين، و الدليل هو أن وضع القطاع خلال السبعينيات كان أفضل رغم قلة مداخيل الدولة مقارنة بما نعيشه اليوم.