ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3583 شهيدا و 15244 مصابا    هولندا ستعتقل المدعو نتنياهو تنفيذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يتبع :في الذكرى الرابعة والستين لانطلاقها
نشر في النصر يوم 31 - 10 - 2018


يتبع
معركة الرفراف بعيون أحد الناجين المجاهد محمد الطيب صوالح
هكذا أبادت طائرات قوات العدو الفرنسي الثوار بقنابل «النابالم»
لا تزال جبال أولاد عباس و منطقة الرفراف في أقصى الجهة الغربية لولاية برج بوعريريج، شاهدة على أقوى المعارك التي شهدتها الولاية الثالثة إبان الثورة التحريرية، في حلقة من حلقات الكفاح المستميت لجنود بواسل أثروا الاستشهاد و الاستبسال في معركة دامت ليوم كامل على الاستسلام ، رغم الفارق في العتاد و العدة، و لجوء قوات العدو الفرنسي إلى الاستنجاد بالمضليين وقنبلة الأماكن التي كان يتحصن بها الثوار بجبل الرفراف بأطنان من الصواريخ و القنابل الحارقة و الأسلحة المحرمة دوليا على غرار « قنابل النابالم» حيث لا تزال أثار هذه القنابل بالصخور الجبلية و موقع المواجهات شاهدة على همجية قوات العدو التي أبادت بقنابلها الحارقة فصيلين من الثوار مكونين من 75 مجاهدا لم ينج ُ منهم سوى أربعة مجاهدين فيما استشهد البقية في ساحة الوغى دفاعا عن الأرض و العرض .
ثوار بأسلحة بسيطة هزموا قوافل
المجاهد محمد الطيب صوالح، واحد من الجنود الناجين الذي لازال يتذكر جرائم المستعمر في تلك المعركة بتأثر كبير، التقينا به بمنزله الكائن ببلدية المنصورة، اين استقبلنا بفرح و راح يروي لجريدة النصر تفاصيل المعركة بعيون دامعة، كادت أن تفقد بصرها خلال المعركة متأثرة بالغازات الحارقة الناجمة عن قنابل النابالم، حيث لا يزال يعاني من حساسية مفرطة في العينين.
يتذكر عمي محمد الطيب صوالح تلك المعركة بحرقة، لأنه فقد فيها أغلب أصدقائه من الثوار البواسل و كاد أن يستشهد فيها، بعد يوم كامل في ساحة المعركة، أين تمكن ثوار ببنادق صيد و أسلحة عادية و كمية جد محدودة من الذخيرة، من هزم قوافل عساكر العدو المدججة بأحدث الأسلحة آنذاك و المدافع و الطائرات الحربية، و رغم ذلك الحق بهم الثوار خسائر فادحة في العتاد و التعداد، ما دفع بقوات العدو إلى الاستنجاد بالجنود المضليين و الطائرات المقنبلة و صواريخ «النابالم» التي أحرقت المنطقة و أذابت حتى الصخور، و تسببت في استشهاد العشرات من الثوار غدرا بعد استبسال في ميدان المعركة و المواجهات المسلحة التي استمرت لساعات و تواصلت طيلة يوم كامل.
تزايد العمليات الفدائية و التنظيم المحكم يقلق قوات العدو
يقول محدثنا أن معركة الرفراف لم تأت صدفة، بل كانت فرنسا تخطط لها بإحكام في ظل تزايد العمليات الفدائية و التخريبية بالمنطقة وتشكيل كتيبة الناحية التي تحتوي على ثلاث فصائل يمتد نشاطها من منطقة بني وقاق بأعالي جبال البيبان بولاية البرج، إلى حدود ولاية المسيلة و اقليم دائرة المنصورة، ففي سنة 1956 تم تدعيم تعداد جنود جيش التحرير و قواعد الثوار بعدد من المسبلين بالمنطقة، أين تم تدعيم فوج المجاهدين بجبل مزيطة بقيادة الربيع مليكشي الذي تشكل في بداياته الأولى في شهر نوفمبر من سنة 1955، فالتحق بهذا الفوج 13 مسبلا و فدائيا و قائد نظام و كاتب و ممون، بقيادة هرنوف أحمد ومجموعة من الثوار منهم بوعمران الحسين، بوشمال محمد النذير، حبيس محمد، و الذوادي المولود، لعجيسي معمر، بوبش أحمد، العايب خليفة، صوالح علي، صوالح عبد القادر العيشاوي محمد طاهر و المتحدث محمد الطيب صوالح، كلهم التحقوا بصفوف الثوار في فوج كان يعاني من نقص كبير في العتاد و العدة و الأسلحة، حيث انطلقت العمليات الاولى باستعمال بندقيتين قديمتين و مسدسين إثنين، و بالنطر إلى الأصداء التي كانت تصل إلى القيادين عن العمليات التي استهدفت مراكز العدو بالمنصورة و مواكب شاحنات العساكر الفرنسيين والعمليات التخريبية، تحولت الأنظار إلى المنطقة وأصبحت محل دعم بالأسلحة و العتاد من قبل الفوج الذي كان يقوده زيوال علاوة القريب من المنصورة، والفوج الذي يقوده مصطفى سليمان بمنطقة حيزر.
قبل اندلاع المعركة بيومين مر العقيد عميروش بالمنطقة
كل هذه المعارك والعمليات زادت من قلق قوات العدو الفرنسي، التي أصبحت تترصد تحركات الثوار من خلال الاستعانة بالوشاة، أين شنت مواجهات مع الثوار و قامت بعمليات تمشيط و تطويق واسعة للمنطقة كانت فاشلة بحكم معرفة الثوار للمنطقة و تضاريسها الجبلية الوعرة، إلى أن تجمع الثوار بالمنطقة قبل مجيء العقيد عميروش لتأمين مساره و تسهيل مهمة المجموعة التي كان يقودها في العبور نحو جبال المعاضيد ومنها إلى جبال بوطالب، بينما كان في مهمة التنقل إلى تونس لجلب السلاح، ربيع سنة 1959 .
و يضيف المجاهد محمد الطيب صوالح، أن الثوار بالمنطقة قاموا في حدود منتصف الليل بالتنقل لجبل لقلالة في غابة شبه عارية و مكسوة بالأحراش وشجيرات قصيرة، لتأمين المنطقة والسماح بعبور العقيد عميروش و الفوج المرافق له في ظروف آمنة، من خلال تمشيط المنطقة و تطويقها، إلى أن وصل ومعه حوالي 15 جنديا «كان من بينهم اثنين أعرفهم منهم شافع و أوراغ محمد الشريف من بوقطن» خلال وقت العصر، اجتمع الجنود بمكان اللقاء أين قدمت التحية العسكرية لقائد الولاية الثالثة العقيد عميروش، قبل مواصلة سيرهم متوجهين إلى حمام الضلعة لكي يصلوا في حدود ساعات الغروب للمرور خلال فترة الليل في المناطق العارية التي تنعدم بها الأشجار الغابية، و استغلال فترة الظلام لقطع مسافة طويلة بعيدا عن أعين قوات العدو.
«تفاجأنا بقدوم قوات العدو و أعددنا لها خطة محكمة»
بعدها بيوم يضيف الناجي من معركة الرفراف في شهادته عن تفاصيل هذه المعركة، «قضينا تلك الليلة و في الغد قمنا بتأمين الطريق للقائد الثوري عبد الرحمان ميرة الذي كان قادما من تونس في مهمة ادخال السلاح للثوار، ومر بمنطقة الرصافة غير بعيد عنا، كنا بمكان يسمى قبر الشيخ، وأرسلنا له فوج للحراسة بقيادة سي السعيد و قائد بالجيش قدم من ناحية بريكة بباتنة يسمى سي بوبكر ومعه جنود فارين من الجيش الفرنسي اثنين من جيجل و آخرين من تيارت ومعسكر، أحدهم يسمى عجنق محمد، جلبوا معهم أسلحة من نوع (ماك 24 و المات 49) بعد هروبهم من الجيش الفرنسي، قضينا اليوم كاملا هناك في منطقة الحراسة، في الليل قمنا بتجميع الثوار بعد نزولنا من جبل الرفراف، فيما قام عناصر فصيلة محمد بادوخان بأخذ كمية من الأسلحة لتأمين مسار عبد الرحمن ميرة، بقينا في فصيلتين بكمية محدودة من الأسلحة محدودة والذخيرة، في الليل استسلمنا للنوم بعد تعب وعناء على مدار يومين كاملين في الحراسة و تأمين العبور لقائدي الثورة بالولاية الثالثة، «في المنام خيل لي أن عساكر العدو قامت بتطويق المكان الذي كنا نتحصن فيه»، استيقطت مفجوعا ... ( تبدو عليه علامات التأثر و تغرورق عيناه بالدموع ) ... يسترسل في الإدلاء بشهادته، و يضيف كان بجانبي سي بلقاسم ثوري من جبل زواوة و منطقة مايو، طلبت منه أن نتجه نحو جبال بني وفاق أو ناحية مزيطة، و بعد تجاذب في أطراف الحديث راسلنا قائد الفصيلة للسماح لنا بتغيير المكان، لكنه أصر علينا بالبقاء بنفس المكان و التنقل صباحا إلى جبل الرفراف أين كنا على موعد لنلتقي بالفوج الثاني.
«نقص السلاح والذخيرة جعلنا نحكم التصويب على الهدف»
عندما وصلنا قمنا بتثبيت السلاح الرشاش والتموقع بالأماكن الحصينة، ننتظر وصول الفوج الذي يقوده سي بوبكر، عند وصوله سألني عن حالة الجنود و نبهني إلى المكان المتفق عليه للقاء و الأماكن التي نقوم بتأمينها و تقسيم المهام بين الفوجين، و احكام تمركز الثوار بالجهات المحصنة وسط الكتل الصخرية بالجبل، و ما هي إلا لحظات حتى لاحظنا توافد قوات العدو و العساكر التي قامت بتطويقنا من كل جهة، كما بلغنا أن عساكر العدو قامت أيضا بمحاصرة الثوار بمنطقة بني وفاق للحد من امدادنا بالعدة و الذخيرة و منع وصول الدعم بالجنود للتخفيف من حدة الحصار المفروض علينا، لم يكن لدينا العتاد و العدة الكافيين و السلاح وحتى الذخيرة كانت تنقصنا فلجأنا إلى حل متفق عليه من قبل ، بضرورة الحفاظ قدر الإمكان على الذخيرة و استعمالها إلا في حالات الضرورة تحسبا لقدوم العساكر ، مع حسن استعمال الذخيرة بتصويب السلاح نحو الهدف وعدم إطلاق أية رصاصة إلا بعد التأكد من إصابة الهدف، كما طلب من حاملي الأسلحة الرشاشة عدم الإفراط في طلق العيارات النارية وإطلاقها فرادى أو مثنى أو وابل من الرصاص دفعة واحدة حسب طبيعة الهجوم و عدد عساكر العدو و تقديرات الثوار، لأنهم كانوا يعانون من نقص في الذخيرة و أمام حتمية الإحتياط من نفاذها خلال المواجهات العسكرية المسلحة مع قوات العدو.
فشلوا في المواجهات فاستنجدوا بالمضليين و الطائرات المقنبلة
و رغم ذلك تمكنا من التغلب على قوات العدو و الحقنا بعساكرها و شاحناتها خسائر كبيرة، حيث استمرت المواجهات المسلحة لفترة طويلة، ما دفع بالعساكر الفرنسيين المتبقين، إلى اتخاذ استراتيجية أخرى بالابتعاد عن المواجهة المسلحة و اللجوء إلى الاستعانة بالجنود المضليين، و الطائرات المقنبلة، بعدها أصبحنا لا نعير اهتماما للاحتياط في إطلاق الرصاص بل دخلنا في مرحلة ثانية من مواجهة قوات العدو بالإطلاق المكثف للرصاص.
لم نكن نشعر حينها بأي شي، خيل لنا أننا في عرس كنا ندافع ببسالة، لم نهزم في المواجهات العسكرية إلى أن أبادت قوات العدو الثوار بالقنابل الحارقة، حيث أمطرت علينا السماء بقناطير من الصواريخ و القنابل الحارقة التي كانت تخلف كتل نارية ملتهبة و غيوم من الدخان، بمجرد سقوطها على الكتل الصخرية التي كنا نتحصن بها، حينها استشهد أغلب الثوار بقنابل «النابالم» المرحمة دوليا، وشاهدنا السماء تعج بالطائرات الصفراء والطائرات المقنبلة، في هجوم لم نشهده من قبل، حيث بقيت أثاره شاهدة لحد الأن عن همجية المستعمر، أين لاتزال آثار لتفتيت الصخور الجبلية و شواهد عن استعمال القنابل الحارقة لحد الأن بمكان المعركة... و رغم هول المشهد لم نترك الفراغ بالصعود نحو الأعلى و بقينا محصنين بمنطقة الرفراف المتواجدة بين قمم جبال أولاد عباس ومنطقة أهل الحمراء بالمنصورة، وتفرقنا على أربعة جهات لمنعهم من التوغل إلينا لكنهم كانوا أكثر منا من ناحية العتاد و العدة، خاصة بعد استنجادهم بالطائرات المقنبلة ما ساعدهم في القضاء على أغلب الثوار الذين استشهدوا بساحة المعركة، فيما أصيبت بحروق في العينين حجبت عني الرؤية، ما مكن قوات العدو من القبض علي كما تم إلقاء القبض على القائد الثوري سي بوبكر الذي أصيب بطلق ناري في المعركة، و جنديين أخرين الناجين من المعركة، لم أكن حينها أرى شيئا سألوا سي بوبكر عني فقال لهم لا أعرفه و عندما سمعته لم أصدق أنهم القوا عليه القبض، و نقلونا بعدها إلى سجن البرج و تم تحويلنا بعدها الى معتقل بباتنة ... حقيقة فقدنا أغلب أصدقائنا الثوار في هذه المعركة، لكن الأصداء كانت تقول أن قوات العدو تكبدت خسائر كبيرة في العدة و العتاد و أحصت أزيد من 400 جندي بين قتيل و جريح في صفوفها في تلك المعركة التي ستبقى شاهدة عن بشاعة وهمجية العدو الفرنسي الذي قتل و نكل بجثث الجزائريين بدون رحمة و لا شفقة و بلغ به الحد إلى استعمال أسلحة مدمرة و محرمة دوليا بقيت أثارها السلبية على السكان الى يومنا هذا.
ع/ بوعبدالله
استشهد زوجها وحولت مسكنها في عمق الأوراس إلى مركز للمجاهدين
المجاهدة حدَة عثماني علبة سوداء عجز الاستعمار عن استنطاقها
تعد حدَة عثماني من بين حرائر الجزائر اللواتي ساهمن في صناعة الثورة التحريرية بمعقلها في منطقة الأوراس، فالمجاهدة التي زارتها النصر بمسكنها لاتزال تحفظ ذاكراتها بطولات وأمجاد عايشتها وكانت جزء منها، كيف لا وهي التي فقدت زوجها الشهيد وأصبحت أرملة وأم لخمسة أطفال، و لم يثنها ذلك عن مواصلة الكفاح فجعلت من مسكنها بأعالي جبال الأوراس بمنطقة بليهود ببلدية تيغانمين، مركزا للمؤونة وقاعدة خلفية للمجاهدين، وكانت تقوم بعمل لوجيستي ونجت من الموت في مرات عدة، الحاجة حدة كان محكوما عليها بالإعدام بعد أن تفطنت لأمرها فرنسا الاستعمارية، وتعرضت بعد القبض عليها لأشد أنواع التعذيب ونفيت وسجنت، وبعد الاستقلال شهد لها ببسالتها وبطولتها العدو قبل الصديق.
«سرية الثورة جعلتنا نشارك في التحضير لها دون علمنا»
لاتزال ذاكرة المجاهدة حدَة عثماني أو كما تُعرف بحدَة أولمعمر تحفظ مسيرة كفاحها الثوري ضد المستعمر الفرنسي، حيث لم ينسيها تقدمها في السن وهي البالغة من العمر 93 سنة لحظات ومواقف وبطولات كانت جزء منها خلال الثورة التحريرية بمنطقة الأوراس، المجاهدة استقبلتنا وابنها مبارك بن وادة بصدر رحب بمسكنها بمنطقة بليهود وسط مرتفعات تيغانمين، حيث لاتزال تعيش المجاهدة حدَة بمسكنها الذي كان مركزا للمجاهدين خلال الثورة التحريرية في الفترة الممتدة من 1956 إلى غاية سنة 1959 قبل أن ينكشف أمر المركز.
وبمنطقة بليهود التي كانت محل زيارتنا لمقابلة المجاهدة حدَة أولمعمر، لا تزال معالم وشواهد عدة تبرز ثورية المكان، فقبل لقائنا بالمجاهدة وقفنا على مركز للجنود القناصة الفرنسيين ليس ببعيد عن مسكن المجاهدة إلا ببضعة أمتار، وهو المركز الذي دونت عليه لافتة تعريفية مكتوب عليها، بأنه قد شيد سنة 1959 خصيصا لخنق الثورة التحريرية بمنطقة الأوراس، وتبرز أيضا لزائر المكان استراتيجية الموقع الحربي من حيث التضاريس، فقد كانت الجبال والوديان المحيطة بالمنطقة كلها ساحة لمعارك ثورية.
عند وصولنا إلى مسكن المجاهدة حدة وجدناها تنتظرنا بطلعة بهية في حلة شاوية تسر النظر، وسرعان ما فتحت لنا قلبها، وقد كان اختيارنا إلى هذه المجاهدة سببه ما بلغنا عن تاريخها البطولي الذي شوقنا للقائها، وفعلا كان الحديث إليها والاستماع لها شيقا وهي تتحدث بالأمازيغية، ولقد كان التحاق المجاهدة، التي هي من مواليد افتراض سنة 1925، بالثورة قبل اندلاعها، لكن دون علمها بأن الأمر يتعلق بموعد ثورة الفاتح نوفمبر 54.
وتروي حدة أولمعمر كما تعرف كنيتها، بأنها كانت، وبأوامر من زوجها مسعود بن وادة الذي استشهد فيما، بعد تقوم وكنتها بجمع المؤونة والأسلحة وذلك قبل موعد اندلاع الثورة بأيام دون علمهما بذلك، وقالت بأن والدة زوجها شككت في الأمر حينما كانت تسأله عن سبب أوامره بتحضير الأكل بكميات مضاعفة وعن وجهة تلك الكميات مما تحضره، وأضافت بأنها كانت على دراية بأن زوجها على علاقة بالحركة الوطنية منذ سنة 1947 وعلى علاقة أيضا بمصطفى بن بولعيد، وقد لاحظت كثرة غيابه عن البيت و كان حينما يزورهم يأتي رفقة شخص من أهل طورش، ليتضح فيما بعد أنه مجاهد من منطقة إشمول.
وبعد اندلاع الثورة، علمت حدة عثماني بأن ما كانت تقوم به هو استعداد لذلك الموعد، وتتذكر جيدا عشية انطلاق الرصاصات الأولى وحادثة الهجوم على الحافلة بمنطقة تاغيت التي لا تبعد بمسافة طويلة عن قريتها بليهود، و قالت بأن خبر الهجوم حينها بلغهم من عمها علي أومعمر، كما تؤكد بأن صورا ما حشدته فرنسا من قوات عقب اندلاع الثورة لن يمحى من ذاكرتها، مؤكدا بأن فرنسا جنَ جنونها، حيث سرعان ما حاصرت قريتهم وراحت تقوم بعمليات تفتيش للأشخاص والمساكن، وتتذكر أيضا المجاهدة، بأن وحسب ما بلغهم كان أول من تعرض للقتل وسقط شهيدا، من المدنيين، أحدهم من عائلة بزة من عرش بوسليمان يعمل في طاحونة الماء، ليس ببعيد عن منطقة تاغيت التي شاهدت حادثة الهجوم على الحافلة.
حولت مسكنها إلى مركز للمجاهدين
ل4 سنوات وانكشف أمرها بوشاية
قالت المجاهدة حدة عثماني وهي تستحضر ذاكرتها، بأن اندلاع الثورة لم يكن ليمر مرور الكرام على ساكنة قريتها، وما جاورها من قرى عرش أولاد عائشة، بعد أن ذاقوا الويلات وراحت القوات الفرنسية تنتقم منهم بالتهجير والتعذيب والقتل، حتى أنه لم يمر سنة على اندلاع الثورة ليسقط زوجها شهيدا في السابع من شهر أوت من سنة 1955، وكانت قد وضعت حينها مولودها الخامس مبارك، الذي شاءت الأقدار أن يلد يتيم الأب، وتروي المجاهدة وقلبها يعتصر ألما، بأن زوجها تم إفشاء أمره بصلته بالمجاهدين بعد محاصرة القوات الفرنسية للقرية وحشدها لسكانها، حيث لم يخرج آنذاك زوجها بسبب المرض.
وتضيف محدثتنا بأن زوجها تمت المناداة عليه من قبل قائد عسكري فرنسي هو وعدد محدد من أشخاص القرية في اليوم الموالي من تسجيله لابنه بالحالة المدنية بأريس، وتقول بأنها علمت فيما بعد بأن زوجها تم تحويله إلى سجن أريس، وعلمت أنه لاذ بالفرار قبل أن يتم إلقاء القبض عليه مجددا ويحول إلى تكوت، وقالت بأنها علمت بتعرضه للقتل من طرف القوات الاستعمارية بضواحي شناورة بعد شهرين من استشهاده، حيث أعلمهم أحد الأشخاص الذي تعرف عليه وينحدر من عرش بوسليمان، وهنا تدخل في الحديث الابن الأصغر الذي وصف ما حدث لوالده وللكثيرين بالجريمة في حق الإنسانية، مشيرا إلى أنه تم الإيقاع به بعد هروبه بمنبع مائي بعد أن كانت القوات الفرنسية تترصد للمجاهدين والفارين بالقرب من المنابع المائية علما منها بأنها مقصدهم ليرووا عطشهم. بعد سقوط زوج حدة شهيدا لم تمر أشهر لتلتحق بالثورة بطلب من جبهة وجيش التحرير الوطنيين، حيث تحول مسكنها بقرية بليهود إلى مركز هام واستراتيجي لجيش التحرير، فتولت مهمة لوجيستية بالتنسيق بين أفراد الجبهة والجيش ونقل المؤونة والسلاح، ويقول ابنها بأن اختيار والدته لتولي مهمات لم يكن عشوائيا من طرف قيادات الثورة، لأنها وأنها امرأة ولم تكن تدور حولها الشبهة، ومن جهة أخرى أوكلت لها مهمات نظير عفويتها وذكائها في التعامل دون لفت الانتباه أو إثارة الشكوك، والدليل على ذلك أنها ظلت تقوم بمهماتها انطلاقا من مسكنها الذي هو مركز للمجاهدين دون أن يتم التفطن لأمرها إلا بعد وشاية.
« أخفيت 14 قنبلة يدوية كادت إحداها أن تنفجر في»
قبل انكشاف أمر المجاهدة حدة عثماني واكتشاف أمر مركز المجاهدين ببيتها، كانت قد قامت في الفترة الممتدة من 1956 إلى 1959 من عمر الثورة بعدة عمليات وتضحيات، حتى أنها كانت لتستشهد في إحداها، وهي أحداث لا تزال راسخة في ذاكرتها ، عندما أسندت لها مهمة جلب قنطار من مادة السكر و14 قنبلة نوع «غروناد»، وهي تتبسم لنا ولاتزال تتساءل كيف نجت حينها من موت محقق. وتروي لنا الحادثة وتقول بأنها تلقت مهمة جديدة من جيش التحرير لجلب قنطار من السكر وأيضا 14 قنبلة يدوية، وقالت بأنها كانت تستعمل بغلتها في نقل المؤونة وتحويلها إلى مسكنها أو للنقاط التي تُحدد لها.
وقد تنقلت حينها لجلب السكر والقنابل من منطقة سامر من عند عمار عيشاوي المدعو عمار أوعلي وزوجته زريقة ظافري اللذين يتخذان من مسكنهما أيضا مركزا للمجاهدين، وعمدت إلى نقل كمية السكر على ظهر «البغلة»، في حين ولوجود خطر انفجار القنابل قامت بإحكامها في وشاحها وحملها بطريقة لا تثير الانتباه، وأكدت بأنها تعلم بأنها قد خاطرت بحياتها لكنها في الوقت نفسه كانت على علم بأهمية المسؤولية الموكلة إليها، وقالت بأنها قد تعلمت طريقة استعمال بعض الأسلحة، بما فيها قنابل «غروناد» الأمر الذي شجعها على حملها.
وقالت المجاهدة، بأنها وهي تنقل القنابل كانت إحداها على وشك التفكك دون أن تنتبه لها، ومن حسن حظها أنها قد بلغت مكان إيصالها أين التقت مجاهدا يدعى محند أفوناس لتسلمها له، والذي اكتشف أمر تلك القنبلة التي كانت ستتفكك وأخبرها بأنها محظوظة وقد نجت، وقال لها بأنها كانت لتترك أطفالها أيتاما، حينها قالت بأنها ردت عليه بأن الله سيرعاهم، ولم تُثن تلك الحادثة حدة عن مواصلة مهماتها فظلت على تنسيق تشكل همزة وصل بين الجيش والجبهة واشتغلت مع عديد المجاهدين على غرار علي عثماني المعروف بعلي أو سي علي، وسي محند حابة، والطاهر معاليم، ومحمد تاربنت ومحمد بهلولي ومحمد بخوش، وكذا المناضلين المدنيين بينهم علي الحاج سبايعي.
ومن بين المهمات التي جازفت المجاهدة بتنفيذها في إحدى المرات والتي لاتزال تتذكرها هي إيهام وتمويه عملاء كانوا يترصدون لها قصد الإيقاع بها في فخهم، وهنا أشار ابنها إلى فطنتها التي جعلت جيش التحرير يضع ثقته فيها، حيث تقول بأن أحدهم حاول استدراجها ، حيث أن طلب منها أخذ ذخيرة وبذلة عسكرية إلى مجاهدي جيش التحرير بعد أن دلها على مكان تواجدها، وكانت قد تفطنت لأمره وقالت لنا بأنها تعرف الصديق من الخائن، مضيفة بأنها حينها ولعلمها بأن الأمر يتعلق بفخ حتى تدل على مكان تواجد المجاهدين غيرت وجهتها قبل أن تعود إلى مكان تلك الذخيرة والبذلة وتقوم بنقلها خفية، وأضافت بأن ذلك أثار غضب الإدارة العسكرية الفرنسية التي شنت حملة تمشيط وبحث عنها.
حُكم عليها بالإعدام وعُذبت وسجنت بتيبازة
أكدت المجاهدة حدَة أولمعمر بأن أمر تحويل مسكنها لمركز للمجاهدين لم يكن لينكشف لولا الوشاية، ما جعلها تلتحق بإخوانها المجاهدين وإلى جانب مجاهدات أخريات بجبال الأوراس، حيث واصلت الكفاح بالعمل على إعداد الأكل وغسل الملابس، وقالت بأن الأمر لم يكن سهلا بعد أن عاشت ظروفا صعبة لدرجة أنها تنام ورأسها على حجر وسط الثلوج وظروف طبيعية قاسية، ولأن المجاهدة هي أم لخمسة أطفال فقد دفعها الحنين والشوق لفلذات كبدها للمخاطرة في إحدى الليالي لزيارة مسكنها ولقاء أطفالها وهناك قامت بحمل ملابسهم لغسلها بالوادي ليتم القبض عليها.
وقالت المجاهدة بأنه ومباشرة بعد توقيفها تعرضت بسجن أريس لأبشع أنواع التعذيب لدرجة فقدانها الوعي بعد تعذيبها في محاولة لاستنطاقها بالكهرباء، وفي ردها عن سؤالنا عمَا إذا كانت قد أدلت بتصريحات تحت طائلة التعذيب، فنظرت إلينا باستغراب تعكسه ملامحها ورمق عينيها وردت بعد لحظة صمت «كنت مستعدة للموت كيف لي وبأي منطق أن أدلي لهم بمعلومات عن المجاهدين» وقالت بأنها قامت بشتم من عذبها بوصفه بالخنزير، وأشارت إلى اثار جرح كان باديا أسفل عينها بسبب تعذيبها آنذاك. المجاهدة وبعد أن حكم عليها في بداية الأمر بالإعدام بتهمة تشكيل خطر على النظام العمومي الفرنسي، تم إصدار حكم آخر بعد توقيفها بسجنها في مركز بمنطقة تافشونت أو خميسي حاليا بولاية تيبازة، وهناك قالت بأنها كانت تنتظر مصيرا مجهولا وقلبها كان يعتصر حرقة على اشتياق أطفالها بعد أن ظلت بذلك المركز لحوالي سنة، قبل أن يتقرر تحويلها مجددا إلى سجن أريس لتحاكم مرة أخرى بمحكمة باتنة، حيث أطلق سراحها تحت النظر واستبعدت عن قريتها، وكان لتدخل أحد الفدائيين من الأفلان الذي يشتغل بالمحكمة الفضل حسب المجاهدة في مساعدتها ، يدعى نوراني ينحدر من القنطرة.
جنود فرنسيون زاروا بليهود واعتذروا من المجاهدة
شاءت الأقدار أن تنال المجاهدة حدَة عثماني حريتها من عقوبات الاستعمار الفرنسي تزامنا واستقلال الجزائر، وقالت بأنها وبعد أن صدر في حقها العفو بمناسبة الاستقلال، بأن الجزائر استطاعت نيل الحرية بفضل تضحيات المجاهدين والمجاهدات الذين ضحوا بأنفسهم فداء للوطن، وأن الاستقلال لم يكن يوما ليعطى كما قد يدعي البعض لولا الثورة التحريرية.
وقد كشف لنا مبارك بن وادة الابن الأصغر للمجاهدة حدة عثماني والذي رافقنا بمنطقة بليهود، بأن جنودا فرنسيين ضمن بعثة رسمية كانوا قد زاروا المكان مجددا خلال السنة الماضية وتوجهوا مباشرة إلى مسكن والدته المجاهدة التي اعترفوا لها ببسالتها وشجاعتها وقدموا لها الاعتذار مقبلين رأسها. وكنا قد تركنا المجاهدة بعد ساعات من الحوار الشيق الذي أتاح لنا الغوص في جزء من ذكريات الكفاح المسلح لامرأة حرة بمنطقة الأوراس وهي مسرورة بزيارتنا لها ووجهت لنا الدعوة لزيارتها مرة أخرى لأن الحديث عن كفاحها يطول، لنترك المجاهدة التي اعترف لها العدو قبل الصديق بشجاعتها في مسكنها الذي يحمل ذكرياتها خلال الثورة التحريرية.
ياسين عبوبو
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.