العالم يكتشف الوجه المشرق لجزائر اليوم يسيرون في سلمية يتبادلون الابتسامات و ينظفون الشوارع بعد انتهاء المسيرات، يقدمون الورود للنساء و يتبسمون و يعبرون عن الحب بالنظرات و بالأحضان، بهذا النمط الحضاري في التظاهر استطاع الجزائريون أن يمحو صورة الشعب العصبي العنيف التي ارتبطت بهم لما يزيد عن 30سنة كاملة، و شوّهت سمعتهم إلى حد ما، بسبب تبعات الأزمة الأمنية التي عاشتها البلاد في التسعينيات، حيث أبهروا الشرق و الغرب بتحضرهم و استحقوا الثناء بفضل روحهم المرحة، لدرجة أن صحفا و مواقع إخبارية أجنبية هامة، وصفت مسيراتهم الرامية إلى التغيير السلمي بأنها « أجمل مظاهرات شهدها العالم». لغة الحب والورود النموذج الذي قدمه الجزائريون و الجزائريات عن أنفسهم منذ تاريخ 22 فيفري، و على مدار الأسابيع التي تلته، صدم العالم، إن صح القول، لأنه جاء مغايرا تماما لما كان يعتقده الكثيرون، خصوصا وأن الإعلام اختزلنا في صورة سلبية ترتبط بالإرهاب و الهجرة غير الشرعية و الاضطرابات الاجتماعية ، و قدمنا دائما على أننا شعب بعيد عن التحضر، عصبي و متجهم و ذو نزعة عنيفة، ليكون الرد مغايرا تماما، فالجزائريون الذين نفيت عنهم صفة الرومانسية ، وقيل أنهم لا يحبون الحياة، تصالحوا بشكل مفاجئ مع الفضاء العمومي الذي أعادوا اكتشافه من جديد، و اختاروا الشارع الرحب للتعبير عن الحب و تبادل الورود والاحتفاء بالمرأة في يومها العالمي، رغم أنهم يعيشون مرحلة مخاض عسير. حتى جدية الوضع و حساسيته، لم تقتل روح الدعابة و النكتة عند الجزائريين الذين اختاروا الابتسامة و الموسيقى، كلغة للتعبير عن مطالبهم، ناهيك عن الانسجام الذي ميز تعامل المتظاهرين مع أجهزة الأمن التي قدمت بدورها صورة جد إيجابية عن علاقة رجل الشرطة بالمواطن، وهو ما غير إلى حد كبير نظرة الآخرين إليهم، خاصة الغرب، فالعديد من القنوات الفرنسية بثت روبورتاجات حول سلمية و جمالية الحراك الشعبي الجزائري، على غرار القناة الفرنسية الأولى «تي أف 1 « بالمقابل تداولت صحف و مواقع إخبارية بريطانية صورا تعكس مستوى عال من المواطنة و التحضر في أوساط المتظاهرين الذين انصهروا ضمن خليط اجتماعي متكامل، يتشكل من كافة أطياف المجتمع لا تشوبه الجهوية و لا الفوارق الاجتماعية و لا تقيده أية إيديولوجيات. وسائل التواصل تقلب الموازين و تضيء زوايا مظلمة يعود الفضل في الترويج لهذه الصورة المشرقة عن الشعب الجزائري، إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت في الآونة الأخيرة إلى بوصلة تقود المجتمع، حيث أنها كسرت احتكار وسائل الإعلام العالمية لصلاحيات نقل الأحداث و ممارسة الدعاية، كما لعبت هذه المواقع و بالأخص انستغرام و فايسبوك، دورا كبيرا في نقل الواقع، كما هو دون تشويه أو تحريف، بل و خدمت صورة الجزائر، بفضل انخراط الفنانين و الإعلاميين والمؤثرين في الأحداث، و تركيزهم على نشر الصور الإيجابية. انتشرت العديد من الصور لمواقف رومانسية وأخرى مؤثرة عبر المنصات التفاعلية، وأظهرت مسيرات تشارك فيها النساء بقوة في ظل احترام تام، فشاهدنا نساء باللباس التقليدي و ب»الحايك»، و شابات في قمة الأناقة يؤكدن أن الجمال لا يتنافى مع الوعي السياسي و المسؤولية الاجتماعية، كما بينت الكثير من الصور تلاحما غير مسبوق بين مختلف الشرائح الاجتماعية، بما في ذلك الأطفال و الشيوخ و حتى ذوي الاحتياجات الخاصة الذين توشحوا كغيرهم ألوان العلم الوطني. فايسبوك كان أيضا النافذة التي كشفت الجانب المرح في شخصية الجزائريين، الذين أرسلوا للعالم رسالة من خلال بعض الشعارات الساخرة، مفادها أن مرحلة الدم و العنف انتهت، و أنهم اليوم شعب يقدر السلم و يحتفي بالحياة، إذ أعاد فنانون عرب نشر صور للمسيرات، معلقين أسفلها بأن احترامهم للجزائريين زاد بعدما رأوه منهم مؤخرا، على غرار ما فعلته الفنانة المغربية لطيفة رأفت، و حتى السياسي الفرنسي جان لوك ميلانشون نشر على تويتر، صورة للشارع الجزائري يوم8 مارس و غرد « الجزائر الجميلة». أخصائية علم الاجتماع فاطمة الزهراء بلفطار العشرية السوداءو الانفتاح المعلوماتي وراء نضج شخصية الجزائري ترى أخصائية علم الاجتماع التربوي الأستاذة فاطمة الزهراء بلفطار، بأن الوجه المشرق الذي ظهر به الجزائريون مؤخرا، هو نتاج للدروس النظرية التي استقاها الفرد من تجربته مع العنف خلال العشرية السوداء، و من خلال مراقبته لطريقة عيش الآخر و تفاعله معها ، بفضل الانفتاح الإعلامي و انتشار مواقع التواصل الاجتماعي. وبالتالي فإن هذا الفرد تشبع بقيم مختلفة و جديدة و كان ينتظر فرصة ليبرزها و يعبر عنها، وهو تحديدا ما شاهدناه خلال الحراك الشعبي الأخير الذي أفرز مسيرات سلمية حضارية. و أضافت الأخصائية ، بأن وعي الجزائريين سياسيا ، تبلور بشكل كبير في السنوات الأخيرة، فبعد القطيعة التي سادت خلال العشرين سنة الماضية، تفطن الجزائري إلى ضرورة و أهمية الاندماج في الحياة السياسية، ليتجنب التعرض للاستغلال الإيديولوجي، كما حصل خلال العشرية السوداء، مشيرة ، إلى أنه تعلم منها بأن العنف لا يمكن أن يكون حلا لمشاكله، فحتى الأطفال، حسبها، أصبحوا مهتمين بالسياسة، نظرا لتعرضهم المستمر للمواد الإعلامية و المنشورات الفايسبوكية التي تتناول جديد الأحداث، ما عزز لديهم الإحساس بأنهم معنيون بما يحدث، و بأن لهم الحق في المشاركة في بناء المستقبل، خصوصا وأن هناك، كما عبرت الأستاذة، تحولا ملحوظا في شخصية هذه الفئة الاجتماعية، وهو تحول نتج عن التغيرات التي عرفتها الأسرة الجزائرية، التي باتت أكثر انفتاحا و تواصلا، بدليل أن المرأة كانت حاضرة بقوة إلى جانب الرجل في المظاهرات السلمية. و أضافت المتحدثة بأن الفرد الجزائري ظلم إعلاميا، لأن الإعلام ركز على إظهار العنف في المجتمع على أنه ظاهرة متفشية، وبالتالي منح مساحة كبيرة للحديث عن سلوك معين على حساب جوانب أخرى من شخصية باقي الأفراد، حتى أنه ذهب إلى حد تعميم هذا السلوك على الجميع. هدى طابي