الخضر يصنعون ملحمة جزائرية في الأراضي المصرية تظهر القراءة المعمّقة في مشوار المنتخب الوطني في النسخة 32 من نهائيات كأس أمم إفريقيا، بأن «الخضر» قدموا في اللقاءات الستة، التي لعبوها إلى حد الآن أوراق الاعتماد، لأكبر مرشح لخلافة المنتخب الكاميروني على منصة التتويج، رغم أن المنافس في النهائي منتخب السنغال، يبقى صاحب الصدارة في لائحة التصنيف القاري المعتمد من طرف الفيفا، لأن عدم تذوق طعم الهزيمة يعد أبرز مؤشر ميداني على سير النخبة الوطنية، بخطوات ثابتة نحو التتويج، ومعانقة الكأس الإفريقية لثاني مرة. قراءة: صالح فرطاس مسيرة الخضر في «كان 2019» انطلقت بريتم سريع، لأن الفوز في المباراة الأولى في دور المجموعات على كينيا، كان قد حسم في الشوط الأول بثنائية ، كان كافيا لفك عقدة «لقاء التدشين»، التي كانت تطارد النخبة الجزائرية في أغلب مشاركاتها السابقة، ليكون التأكيد أمام السنغال في الجولة الثانية، بفضل الهدف الذي وقعه بلايلي، ولو أن تلك النتيجة كانت بمثابة «الانجاز»، الذي جعل حلم الجزائريين في العودة من الأراضي المصرية بالتاج القاري يكبر، خاصة وأنه كان قد مكّن تشكيلة المدرب بلماضي، من الاطمئنان مبكرا على تخطي عقبة الدور الأول. ولم يفوت الناخب الوطني الفرصة، لوضع بصمته بصورة واضحة في ختام دور المجموعات، عندما قرر ترك كل العناصر الأساسية إلى الراحة في مباراة تانزانيا، إلا أن الآداء الراقي الذي قدمه «الفريق الثاني»، المشكل من «الاحتياطيين» فاجأ كل المتتبعين، وجعلهم يقتنعون بأن الجزائر تمتلك كل المقومات التي تسمح بترشيحها للخروج من هذه النسخة بالتاج الإفريقي، لأن ثراء «الدكة» بترسانة مع العناصر الجاهزة للتواجد في التشكيلة الأساسية، دفع ببعض المحللين الأجانب إلى الجزم بأن نهائي هذه الطبعة، من الأجدر أن يكون جزائريا «خالصا» بين المنتخبين الأول والثاني، سيما بعد تخطي الدور الأول بتقدير «ممتاز»، عقب حصد العلامة الكاملة، والتواجد في الصدارة من جميع الجوانب، سواء الدفاع، الهجوم، لائحة الهدافين وحتى أحسن لاعب وأحسن مدرب. مقوّمات البطل ارتسمت بعد التأهل على زبائن تقليديين ساعة الحقيقة في هذه الدورة كانت قد دقت بداية من ثمن النهائي، لأن رفع عدد منشطي «الكان» إلى 24 منتخبا لأول مرة، فسح المجال أمام منتخبات كانت «مجهرية» لكتابة صفحة جديدة في تاريخ العرس القاري، على غرار مدغشقر والبنين، لكن مع ضمان تأهل كل «الكبار» من دور المجموعات، ولو أن ثمن النهائي كان محطة «بارزة» في «كان 2019»، خاصة بعد تسجيل بعض المفاجآت المدوية، بخروج منتخب البلد المنظم منتخب مصر، وكذا بطل النسخة السابقة الكاميرون، إضافة إلى المنتخب المغربي، الذي كان من بين أكبر ضحايا «سناجب» البنين، وتوقف رحلة بحث منشطي نهائي دورة الغابون 2017 عن التاج مبكرا، عبّد الطريق أكثر أمام المنتخب الوطني، بعدما جنّب الخضر الاصطدام إما بمصر أو الكاميرون في المربع الذهبي. إلى ذلك، فإن لمسة بلماضي على النخبة الوطنية، اتضحت أكثر بداية من ثمن النهائي، لأن المتتبعين وقفوا على الصرامة الكبيرة للمنتخب، والروح الوطنية التي تغذي المجموعة، من لاعبين ومختلف الطواقم، فكانت «الجدية» كافية لإلحاق «أفيال» غينيا بقائمة الضحايا، وبثلاثية نظيفة، لتكون موقعة ربع النهائي أمام كوت ديفوار بمثابة «النهائي» الأول لمحرز ورفاقه في هذه الدورة، بالنظر إلى حجم المنافس، لكن «كومندوس» بلماضي كان مرة أخرى في الموعد، وصنع ملحمة في السويس، ولو بعد «سيسبانس» كبير، لتصطدم التشكيلة الجزائرية، بمنافس آخر من العيار الثقيل في المربع الذهبي، ويتعلق الأمر بالعملاق النيجيري، في مباراة كان بطابع «النهائي» قبل الأوان، وكسب الرهان بتقدير «ممتاز» بفضل «النجم» محرز وضع الخضر في «النهائي» الحقيقي المقرر هذا الجمعة. طريق المنتخب الوطني نحو النهائي، كان محفوفا بالمخاطر وصعبا للغاية، وتجاوز كل من كوت ديفوار ونيجيريا بسلام أبقى «كتيبة» بلماضي دون هزيمة، مع عدم التأخر إطلاقا في النتيجة، رغم اهتزاز شباك مبولحي في مناسبتين، في الوقت الذي كانت فيه مسيرة المنافس، منتخب السنغال أسهل، بعدما واجه كل من أوغندا، البنين وتونس، على اعتبار أن «التوانسة» ليسوا في أحسن أحوالهم، ولا يمكن اتخاذهم كمعيار حقيقي في هذه الدورة. مبولحي الأكثر مشاركة وسداسي فوق عتبة 8 ساعات خاض الخضر في هذه النسخة 6 مباريات، اعتمد فيها الناخب الوطني على خدمات 21 لاعبا، في كل المباريات، وحليش تاهرات كان ظهورهما فقط أمام تانزانيا، والبقية كانت حاضرة ولو لدقائق في باقي المواجهات، بينما بقي الحارسان دوخة وأوكيدجة خارج نطاق الخدمة، في الوقت الذي ظفر فيه بعض الاحتياطيين بدقائق أخرى في باقي المواجهات، غير أن بلماضي إرتأى تقليص عدد العناصر، التي وظفها منذ دخول مرحلة اللقاءات الإقصاء المباشر إلى 16 لاعبا فقط، بعد قرر الاحتفاظ بنفس التشيكلة الأساسية، مع إقحام كل من زفان كبديل لعطال، وأصبح أساسيا في مباراة نيجيريا، إضافة إلى كل من وناس، ديلور، سليماني وبوداوي، ليكون قرار الاحتفاظ بنفس التشكيلة طيلة 90 دقيقة أمام نيجيريا، دون القيام بأي تغيير من أبرز «الخرجات» التي كشفت دهاء بلماضي من الناحية التكتيكية، رغم أنها فاجأت كل المتتبعين، لأنها كانت خيارا ناجحا، قطف بفضله ثمرة المرور إلى النهائي. وفي سياق متصل، يبقى الحارس مبولحي العنصر الوحيد الذي شارك في الملحمة الجزائرية في الأراضي المصرية بكامل توقيتها، وحافظ على منصبه كأساسي في 6 مباريات، ليبلغ 570 دقيقة، متقدما على اسماعيل بن ناصر، الذي يعد اللاعب الثاني من حيث المشاركة الشخصية، ولو أن تعداد «الخضر» يضم 6 لاعبين تجاوزت الحصيلة الفردية لكل واحد منهم عتبة 8 ساعات في «كان 2019»، لكن محرز يبقى إلى جانب كل من مبولحي، قديورة، بن ناصر وبونجاح قد سجل مشاركته في كل المباريات إلى حد الآن، حتى ولو بالدخول احتياطيا، بعدما كان بلماضي قد أعفى نهائيا ركائز الدفاع ماندي، عطال، بلعمري وبن سبعيني من لقاء تانزانيا، وكذلك الحال بالنسبة لفغولي وبلايلي. الفعالية الهجومية قوة ضاربة والدفاع ينحني بعد 422 دقيقة على صعيد آخر، فإن تواجد "الخضر" في النهائي كان بعد مشوار "مميز"، سار فيه المنتخب بريتم منتظم، على وقع الانتصارات المتتالية، لأن الفعالية كانت حاضرة في العمل الهجومي، وقد تمكن 6 لاعبين جزائريين من الوصول إلى شباك المنافسين، مع استفادة النخبة الوطنية، من الهدف الذي سجله المدافع النيجيري إيكونغ في مرماه، بعد عمل جبار من محرز، لأن لاعب مانشيستر سيتي يبقى هداف المنتخب في هذه الدورة، إلى حد الآن برصيد 3 أهداف، وهو نفس الرصيد الذي يتقاسمه مع آدم وناس، رغم أن هذا الأخير لم يشارك سوى في 121 دقيقة، إلا أن الثنائية التي وقعها في مرمى تانزانيا جعلت منه هدافا، سيما وأنه صاحب "الثنائية" الوحيدة في نفس المقابلة. وتضم قائمة هدافي المنتخب في "كان 2019" اسم بلايلي، الذي سجل هدفين، في الوقت الذي فوت بونجاح على نفسه فرصة معادلة رقم ابن مدينته، بعدما أهدر ضربة جزاء أمام كوت ديفوار، ليكون سليماني وفغولي حاضرين في لائحة الهدافين، بهدف لكل لاعب. هذا، وقد تحصل المنتخب الجزائري منذ انطلاق الدورة على ركلتي جزاء، في لقائي كينيا وكوت ديفوار، تولى تنفيذهما بونجاح، فسجل واحدة، وفشل في الأخرى، في حين لم يعلن الحكام سوى على ضربة جزاء واحدة ضد الخضر، كانت في لقاء نصف النهائي أمام نيجيريا، وتم تسجيلها، لتكون ثاني هدف يتلقاه مبولحي، الذي كان قد حافظ على نظافة شباكه طيلة 422 دقيقة، وأول هدف دخل مرماه كان في الدقيقة 62 في لقاء ربع النهائي ضد كوت ديفوار. مشوار دون عقوبات إدارية وباستراتيجية لعب تراعي المنافس من جهة أخرى، فقد خرجت النخبة الوطنية من مسيرتها إلى النهائي بسلام دون التعرض، لأي عقوبة انضباطية تؤدي إلى عقوبة «أوتوماتيكية»، في ظل تجنب العناصر الوطنية البطاقات الحمراء، مع تلقي 10 انذارات في كل اللقاءات، لكن دون حصول أي لاعب على بطاقتين، والإنذارات كانت قد وجهت لكل من بلعمري، عطال، حليش، بوداوي، قديورة، بن سبعيني، بن ناصر، بونجاح، فغولي وماندي، الأمر الذي يمكن الخضر، من خوض النهائي بجاهزية كامل التعداد من الناحية الإدارية. إلى ذلك، فإن اللافت للانتباه، أن أداء العناصر الوطنية تطور بشكل ملحوظ مع تقدم المنافسة، والاصطدام بمنافسين من العيار الثقيل، لأن الريتم ارتفع، وتسيير المواجهات أخذ بعدا مغايرا، بدليل أن المسافة المقطوعة في كل لقاء كانت بحسب طريقة لعب المنافس، فضلا عن تجنب المهاجمين للتسللات، وأبرز دليل على ذلك عدم الوقوع في أي تسلل في آخر مقابلتين أمام كوت ديفوار ونيجيريا، وهما قمتان كانتا خاليتان تماما من التسللات، في مؤشر واضح على قوة الصراع في منطقة وسط الميدان.