أجمع المتتبعون على أن الإنجاز، الذي حققه المنتخب الوطني في الطبعة 32 من نهائيات كأس أمم إفريقيا، التي أقيمت بمصر كان مفاجئا، بالنظر إلى الحسابات الأولية التي سبقت الدورة، في ظل تراجع «الخضر» على مدار 3 سنوات، وقد دخلوا «الكان» في المركز 12 قاريا في لائحة تصنيف الفيفا، لكن ساعة الحقيقة أثبتت بأن الجزائريين، يستطيعون صنع المعجزات بفضل سلاح الإرادة والنيف، فكان التتويج باللقب القاري عن جدارة واستحقاق، بعد «ملحمة» كروية سرق فيها جيل جديد الأضواء، وكان بمثابة «الكومندوس» الذي قاده المدرب الشاب جمال بلماضي، في ثوب «المهندس» الرئيسي، لتكون ثمار ذلك تجسيد حلم لم يكن يراود أكبر المتفائلين في الجزائر، أصبح بفضله الخضر يتربعون على عرش القارة السمراء، في إنجاز تحقق في الأراضي المصرية. قراءة: صالح فرطاس الطريق إلى منصة التتويج لم يكن مفروشا بالورود، لأن المشاركة في دورة «كان 2019» لم تكن مضمونة، بالنظر إلى الأزمة، التي عاشت على وقعها الكرة الجزائرية منذ رحيل غوركوف في مارس 2016، وبلغت الذروة في العرس القاري لسنة 2017 بالغابون، ليدخل بعدها المنتخب في دوامة، تزاوجت فيها أزمة النتائج مع غياب الاستقرار على مستوى العارضة الفنية والتعداد على حد سواء، فكان قرار تعيين جمال بلماضي، على رأس المنتخب في الفاتح أوت 2018، بمثابة نقطة التحول، التي خلّصت الجزائريين نسبيا من «كابوس» الناخب الوطني، بعد فشل زطشي في تجربتين، مع كل من ألكاراز وماجر. وعمد بلماضي إلى استغلال 5 مباريات من التصفيات القارية، لإجراء معاينة مدققة للتعداد، فضلا عن برمجة لقاءين وديين أمام كل من قطر وتونس، لتكون القائمة التي ضبطها من أجل المشاركة في دورة «كان 2019» محل العديد من الانتقادات، خاصة ما يتعلق بكل من قديورة، سليماني، زفان وحليش، ولو أن الناخب الوطني جسد استراتيجيته في تسيير البيت، بالمراهنة على تعداد «مزيج» بين الخبرة والطموح، إضافة إلى وضع الثقة في بعض العناصر، التي كانت خارج نطاق الخدمة، في صورة بلايلي، بونجاح، بن العمري، وحتى الحارس مبولحي، والثنائي فغولي وبراهيمي، والذي كان قد أعفي في عدة مناسبات. بلماضي رفع عارضة الطموحات والتتويج أشبه بالمعجزة مشوار «كومندوس»، بلماضي، في رحلة البحث عن اللقب القاري انطلق في 3 جوان الفارط، من مركز سيدي موسى بإقامة تربص، كانت مرحلته الثانية بالعاصمة القطريةالدوحة، على مدار 10 أيام، وهي المحطة الأبرز في التحضير للعرس القاري، لتقضي بعدها النخبة الوطنية 5 أيام بالقاهرة، قبل أن تدخل المنافسة، وما أن دقت ساعة الحقيقة، حتى لاحت أولى مؤشرات النجاح في الأفق، لأن الفوز على كينيا وإن خلّص الخضر قليلا من عقدة المباراة الافتتاحية في «الكان»، فإن المردود المقدم من التشكيلة، زاد في تفاؤل الجزائريين بخصوص قدرة المنتخب على الذهاب بعيدا في هذه الدورة، سيما وأن بلماضي كان قد بادر إلى رفع سقف الطموحات عاليا، وسطر المربع الذهبي كهدف أساسي. وأجبر المنتخب كل المتتبعين على مراجعة حساباتهم المسبقة، بعد النجاح في الفوز على السنغال في الجولة الثانية من الدور الأول، كما أن الخروج من المجموعة الثالثة بتقدير «ممتاز»، كان كافيا لتنصيب الخضر في خانة المرشحين للتتويج باللقب، رغم أن الطريق كان محفوفا بالمخاطر، بداية من ربع النهائي، لأن الاصطدام بمنافسين من العيار الثقيل، بحجم كوت ديفوار، ثم نيجيريا وبعدها السنغال في النهائي، يبقى أبرز دليل ميداني على أن «كتيبة» بلماضي قهرت «كبار القارة»، وأثبتت أحقيتها في التربع على العرش، مادامت «الآلة» الجزائرية قد واصلت مشوارها بنفس «الريتم»، على وقع «ديناميكية» الإنتصارات، منذ أول خطوة أمام كينيا إلى غاية استيلام الكأس، لتكون رحلة البحث عن التاج قد دامت 46 يوما، منها 31 يوما بالعاصمة المصرية القاهرة، خاصة وأن بلماضي ظل متمسكا بالاحتفاظ بمقر الإقامة، بفندق «روايال كيمبنسي»، دون تغييره حتى عند السفر إلى السويس في ربع النهائي، في قرار كان قد أثار مخاوف الجزائريين، لكنه في نهاية المطاف جسّد دهاءه الكبير. روح المجموعة كلمة السر في لمسة «الكوتش» هذه «الملحمة» كانت عبارة عن «معجزة» كروية، رسّم معالمها المدرب بلماضي، الذي رفع التحدي، وراهن على تعداد كان نجمه «الأبرز» محرز، الذي كان حضوره محتشما في دورتي 2015 و2017، لكن لمسة الناخب الوطني على الجانب البسيكولوجي، كان كافيا لإظهار كل اللاعبين مستواهم الحقيقي، مع سرقة الأضواء بفضل الروح الجماعية، لتجسد هذه المجموعة ما كان يطمح إليه مدربها، على اعتبار كان قد أكد بأن المنتخب يضم «محاربين» يتسلحون بروح «إنتصارية»، وكثير من الثقة في النفس، مع تنصيب المصلحة الوطنية في صدارة الأولويات مكن من تشكيل منتخب منسجم ومتكامل، دون طفو أي مشكل يتعلق بالجانب الإنضباطي على السطح، في سابقة في تاريخ المشاركة الجزائرية في المحافل الكبرى، كما أن هذه «اللحمة» غطت التباين الذي كان سائدا بين المحليين والمغتربين، وسمحت ببروز «ترسانة» من النجوم الجزائريين في هذه الطبعة، ولو أن اللافت للانتباه أن بلماضي احتفظ بنفس التشكيلة الأساسية في المقابلات «الكبيرة»، لكن ذلك لم يكن كافيا لمدربي المنتخبات المنافسة على اختلاف جنسياتهم وفلسفتهم من فك الشفرة، لأن الانضباط التكتيكي الكبير وروح المجموعة كان أهم «سلاح» في صنع هذه «الملحمة». واعتمد بلماضي في هذه المباريات السبع، التي خاضها المنتخب في هذه الدورة على خدمات 21 لاعبا، بدرجات متفاوتة من الحضور الميداني، مع اعفاء الحارسين دوخة وأوكيدجة من التواجد في اللقاءات الرسمية، ليكون مبولحي الأكثر مشاركة بمجموع 660 دقيقة، رفقة بن ناصر الذي تجاوز عتبة 600 دقيقة في هذه «الملحمة»، في حين كان براهيمي الأقل حضورا، بمجموع 22 دقيقة، بسبب الإصابة، على اعتبار أن باقي العناصر، كسبت توقيت مباراة على الأقل في هذه النسخة. قوة الخضر تجسدت في «تسونامي» الألقاب المحرزة هذا وقد أثبت «الخضر» أحقيتهم في خلافة الكاميرون على منصة التتويج، من خلال احتكار الصدارة في كل شيء، لأن المنتخب الوطني كان الأقوى على جميع الأصعدة، فكانت «الملحمة» بمثابة «تسونامي» جزائري، أتى على أغلب التتويجات في هذه الدورة، إنطلاقا من تصدر لائحة الهجوم، بتسجيل 13 هدفا، 9 منها كانت في الأشواط الأولى، و4 في الأشواط الثانية من المباريات، مع نجاح 6 عناصر في هز الشباك، ببصم كل من محرز ووناس على 3 أهداف لكل لاعب، مقابل توقيع كل من بونجاح وبلايلي لهدفين، ولو أن بونجاح كان قد افتتح العداد ضد كينيا وأغلقه في النهائي بأغلى هدف في شباك السنغال، بينما سجل كل من سليماني وفغولي هدفا، في حين اضطر المدافع النيجيري إيكونغ للتسجيل بالخطأ في مرمى منتخبه، بعد عمل ممتاز من محرز، واللافت للانتباه أن «الخضر» شذوا في هذه الدورة عن المألوف، بتسجيل أهداف من تسديدات وتمريرات قصيرة، دون توقيع أي إصابة بضربة رأسية، وهذا ما يؤكد لمسة بلماضي في تغيير أسلوب اللعب. وفي سياق متصل فقد تلقى مبولحي هدفين فقط في 7 مباريات، مع نجاحه في تحقيق «الكلين شيت» في 5 مناسبات، الأمر الذي سمح له بانتزاع جائزة أفضل حارس في الدورة، بعدما ظفر أيضا بجائزة رجل المباراة في النهائي، ولو أن هذه الجائزة «الشخصية» كانت من نصيب العناصر الوطنية في 6 مقابلات، من أصل السبعة، وقد شذت عن القاعدة في لقاء ربع النهائي، لما تحصل عليها حارس كوت ديفوار غبوهو، في حين نال بن ناصر الجائزة في مناسبتين، وكان أفضل لاعب في الدورة، كما انتزع محرز هذا التاج في مناسبتين، بينما تحصل وناس على هذه الجائزة في لقاء تانزانيا، خاصة وأنه كان اللاعب الجزائري الوحيد الذي تمكن في هذه الدورة من تسجيل هدفين في نفس المباراة. على صعيد آخر، فقد تحصل المنتخب الوطني على ضربتي جزاء في الدورة، نفذهما بونجاح، وفشل في التسجيل في واحدة، بينما احتسب الحكام ضد «الخضر» ضربة جزاء واحدة، في لقاء نيجيريا، ونفذت بنجاح، في الوقت الذي تلقت فيه العناصر الوطنية 14 بطاقة صفراء طيلة الدورة، كانت أعلى حصة بطاقتين لكل من بن سبعيني، قديورة وماندي، لكن دون التعرض للعقوبة الإدارية، مقابل عدم تلقي أي بطاقة حمراء.