رجل الدولة الصبور الذي قاد السفينة وسط العاصفة تنتهي اليوم مهمة السيد، عبد القادر بن صالح، على رأس الدولة، وهو الذي كان قد تولاها في التاسع أبريل الماضي عقب استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، طبقا للمادة 102 من الدستور. يودع عبد القادر بن صالح مكتبه بقصر المرادية اليوم، بعد ثمانية أشهر وعشرة أيام قضاها على رأس الدولة، بعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في الثاني ابريل الماضي بضغط من الحراك الشعبي ومؤسسات الدولة الأخرى. وقد تمكن بن صالح من ضمان السير العادي لشؤون الدولة عقب حالة الفراغ الدستوري الناجمة عن استقالة عبد العزيز بوتفليقة، وقال خلال تنصيبه من قبل غرفتي البرلمان في التاسع أبريل الماضي إن "الصدفة الدستورية" هي التي جعلت منه رئيسا للدولة ليضمن صيرورة الدولة ومؤسساتها. ومعه عادت مؤسسة الرئاسة إلى تأدية مهامها ولو بالحد الأدنى، بعدما كانت شبه مشلولة لسنوات، وعلى الرغم من أن صلاحيات رئيس الدولة محدودة في الدستور وتكاد تنحصر في المهام البروتوكولية إلا أن بن صالح استقبل العشرات من السفراء الجدد وتلقى رسائل اعتمادهم، ومثل الجزائر في بعض المناسبات الدولية، وتوجه بخطابات للشعب الجزائري في مناسبات وطنية معينة، حث على الوحدة وضمان استقرار وأمن البلاد، وهذا الحد من المهام التي تقوم بها رئاسة الجمهورية كان منعدما تماما منذ خمس سنوات. بن صالح المعروف بانضباطه لما يتعلق الأمر بالمهام التي تسندها إليه مؤسسات الدولة، وتمسكه الحرفي بما يسمى ثقافة الدولة خاصة في الظروف الاستثنائية، يمكن القول إنه أدى مهمته على رأس الدولة منذ التاسع أبريل الماضي إلى اليوم. وقبل أن يتولى رئاسة الدولة مؤقتا كان بن صالح رئيسا لمجلس الأمة منذ سنة 2002، تاريخ وفاة رئيسه السابق محمد الشريف مساعدية، وقبل ذلك ترأس المجلس الشعبي الوطني في الفترة التشريعية من 1997 إلى 2002، وقبل ذلك كذلك رأس المجلس الوطني الانتقالي من سنة 1994 إلى 1997، في الظروف التي كانت تمر بها البلاد والتي يعرفها الجميع، وعمل بن صالح في السلك الدبلوماسي سفيرا، ونائبا في البرلمان منذ عهدته التشريعية الأولى، وهو الذي أشرف على التعديل الدستوري لسنة 2008 و تعديل سنة 2016 باعتباره رئيسا للبرلمان. وخلال ترؤسه الدولة استدعى عبد القادر بن صالح الهيئة الناخبة مرتين من أجل انتخابات رئاسية تفرز رئيسا شرعيا منتخبا للبلاد وتخرجها من الأزمة التي دخلت فيها، وتنهي أيضا مهنته على رأس الدولة، الأولى كانت ستكون في الرابع يوليو الماضي لكنها أجلت، والثانية هي تلك التي أجريت يوم الخميس الماضي 12 ديسمبر والتي أفرزت عبد المجيد تبون رئيسا جديدا للجمهورية. ولم تكن مهمة بن صالح- التي يرى البعض أنها كانت شكلية- سهلة بالنظر للظرف الذي تمر به البلاد والانتقادات الكثيرة اللاذعة والجارحة التي استهدفت شخصه من طرف الحراك الشعبي وأطراف معارضة لم تتوان لحظة في المطالبة برحيله رفقة مسؤولين آخرين، فيما عرف آنذاك "برحيل الباءات الثلاثة"، لكن رجل الدولة الصبور الهادئ استمر في منصبه وكان يخاطب الجزائريين من حين لآخر على الرغم من الصورة التي ظهر بها في بعض المرات والتي نالت استعطاف جزء من الشعب رغم الانتقادات الموجهة له بالموازاة. ويبقى أن التاريخ هو الذي سيحكم على هذا الرجل الذي قاد البلاد لمدة فاقت الثمانية أشهر، والتي سيسلم مقاليدها اليوم إلى الرئيس الجديد المنتخب عبد المجيد تبون في حفل تنصيب هذا الأخير بقصر الأمم بنادي الصنوبر، وهي لحظات سيودع فيها بن صالح الجزائريين انطلاقا من منصبه الحالي.