تستقطب الحرف اليدوية اهتمام النسوة بشكل كبير في السنوات القليلة الأخيرة، كونها أصبحت مدرة للربح و مجالا للاستثمار و إنشاء المشاريع المنزلية المصغرة وهو تحديدا ما جعل شابات و موظفات يقبلن على تعلم صناعة الشموع و الحلي ومواد التجميل الطبيعية وغير ذلك لتوفير مصدر دخل إضافي. رميساء جبيل لم تعد الصناعات والأنشطة اليدوية تستهوي ربات البيوت فقط، بل تعدت ذلك لتصبح سوقا مفتوحة اقتحمتها جامعيات و موظفات، رغبة منهن في تغيير حياتهن وكسر الروتين الذي يعشنه بشكل يومي في العمل من جهة، وفي إطلاق مشاريعهن وزيادة مداخيلهن من جهة أخرى، حيث تعكس صفحات الأنستغرام و الفيسبوك الكثير من قصص النجاح لسيدات دخلن مجال الحرف بمنتجات يدوية بسيطة، و استطعن في ظرف وجيز أن يصنعن لأنفسهن علامات ناجحة و مطلوبة و كسبن اهتماما أكثر بمنتجاتهن على بساطتها. «اخترت الحرفة على الوظيفة» فاطمة الزهراء محمد العربي صاحبة 30 سنة، سيدة من ولاية البليدة برزت مؤخرا في مجال صناعة الصابون العصري والتقليدي و الشموع و مواد التجميل الطبيبعة أخبرتنا، بأنها دخلت المجال من باب التغيير و الهواية لكنها تخلت نهائيا عن وظيفتها سنة 2019، و قررت أن تتخصص في الصناعات اليدوية أين تجد راحة نفسية كبيرة في تطويع المواد الأولية و الابتكار، وهكذا كرست كل جهدها للعمل في هذا المجال الذي ازدهر كثيرا حسبها خلال فترة الجائحة. محدثتنا قالت، بأنها تكونت في بداياتها عند مؤطرين من الجزائر، كما أخذت دروسا عن بعد مع أساتذة من الأردن ومصر، حيث اقتنت ما تحتاجه من لوازم لتنطلق في التجريب وصناعة قطع صابون وزعتها على صديقاتها اللواتي أحببنها وساعدنها في التسويق لمنتوجاتها، التي يطلبها اليوم زبائن من داخل وخارج الوطن، إلى جانب عرضها في محلات بيع الأعشاب والمواد التجميلية. أخبرتنا أيضا، بأن مواقع التواصل ساعدتها كثيرا على التسويق و فتحت أمامها أبوابا أخرى، حيث قدمتها لمشرفين على أكاديميات و مدارس خاصة باتوا يتعاقدون معها لأجل التكوين في مجالات نشاطها كما أن المعارض التي شاركت فيها مع غرفة الصناعات التقليدية و الجمعيات، كانت عاملا أساسيا في التعريف بمنتوجاتها على نطاق واسع، وزيادة عدد متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي، نظرا لاهتمام وسائل الإعلام المرئية بما تعرضه. وتؤكد فاطمة، أنها لاحظت تزايد الاهتمام بمثل هذه الأنشطة، حيث تلقى الدورات التكوينية التي تشرف عليها إقبالا كبيرا، قائلة أنها كونت طيلة مشوارها أكثر من 5 آلاف متربص ومتربصة تتراوح أعمارهم بين 17 و 65 سنة معظمهم نسوة، منهن ماكثات في البيت وعاملات وجامعيات، بتن مقتنعات بأهمية تعلم صناعة مواد التجميل و الصابون الصلب الطبيعي و الغليسيرين و صابون « دزاير» لأنها مجالات تسمح لهن بإنشاء مشاريع مصغرة لا تحتاج إلى رأس مال كبير وقالت أن تكاليف الدورات تختلف و قد تصل إلى 12000 دينار أحيانا. «ألف دينار كان رأس مال مشروعي الأول» أما الحرفية ضبابي عائشة، من ولاية المسيلة والبالغة من العمر 24 سنة، فتنشط في مجال صناعة التحف المطرزة يدويا على غرار « الطارة والوسائد والحقائب»، وتقول أن فكرة المشروع ولدت في 2021 بعد وفاة ابنها الأول، حينها نصحتها سيدة بأن تجد لنفسها حرفة تملأ وقت فراغها وتنسيها ألم الفقد، وقتها قررت عائشة العودة إلى هواية الطفولة التي لطالما عشقتها، فتوجهت نحو محلات بيع لوازم الخياطة لتقتني ما تحتاجه وكان كل ما تملكه آنذاك وهو مبلغ 1000 دينار، فاقتنت ما أرادته و عادت إلى المنزل وصنعت « طارة» مطرزة لابنتها في عيد ميلادها، وأخرى لشقيقها لتنهال عليها الطلبات من دائرة معارفها و محيطها العائلي لاحقا. بعدها فكرت في توسيع نشاطها كما قالت، وبدأت تكفر بمنطق تجاري، وباتت تروج أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي لما تصنعه، الأمر الذي زاد من عدد متابعيها و ضاعف الطلب على منتجاتها من داخل وخارج ولايتها، مؤكدة إنها وجدت صعوبات في البداية، لكن عملها انتعش مؤخرا وارتفعت مداخيلها مقارنة بالسنة الأولى. أخبرتنا، أنها تصنع « الطارات» التي تستغرق منها يومين فأكثر بسعر يتراوح بين 500 و3000 دينار للقطعة الواحدة، على حسب الحجم و الزخرفة والزينة المستعملة، أما الوسائد فسعرها من 1200 إلى 2500 دينار وتحتاج لصنعها لأزيد من أسبوع، فيما تكلف القلادة سعر 700 دينار، و يتراوح سعر الحقيبة بين 1000 و 1500 دينار. 80 بالمائة من المتربصين في الحرف نساء ويؤكد المكلف بمصلحة الترقية المختصة بالمعارض والدورات التكوينية على مستوى غرفة النشاطات الصناعية والتقليدية بقسنطينة، لمين بن مبارك، أن معظم طالبي التكوين هن نساء حيث يشكلن نسبة 80 بالمائة من العدد الإجمالي للمتربصين. وقال، أن آخر دورة في صناعة الصابون، تم تنظيمها على مستوى غرفة الصناعات التقليدية، عرفت مشاركة 14 متربصا ومتربصة بينهم 11 امرأة، منهم أستاذتان إحداهما تدرس في الجامعة وأخرى في الطور الثانوي. ويرى المتحدث، أن سبب إقبال النساء و الموظفات بصفة محددة، على تعلم الأنشطة اليدوية، راجع إلى رغبتهن الملحة في ممارسة نشاط تجاري يفر لهمن دخلا إضافيا، حتى يتمكن من فتح مشاريعهن الخاصة التي تمول بشكل ذاتي دون اللجوء إلى وكالات الدعم. وأشار المتحدث في سياق متصل، إلى أن الغرفة لم تعد تسجل إقبالا على تعلم الخياطة والحلاقة والحلويات فقط كما في السابق، بل بات هناك اهتمام متزايد بالتكوين في مجالات استخلاص وتقطير الزيوت الأساسية والنباتية التي تستخرج منها الزيوت العطرية و صناعة الشموع وتحف الريزين و الرسم على الزجاج والأقمشة وغيرها من المجالات، إذ تتراوح تكاليف التكوين بين 18000 إلى 15000 دينار. ويربط المتحدث، السر وراء هذا الاهتمام بالتربصات الحرفية بنوعيتها و زيادة الطلب على منتجاتها، فضلا عن أن التكوين على مستوى الغرفة يسمح للسيدات بالحصول على بطاقة حرفي والحصول على تمويل من وكالة « أونجام» ، مضيفا بالقول، بأنه رغم ارتباط عدد من النساء بالدراسات العليا أو الوظيفة، إلا أن ذلك لم يمنعهن من استثمار جزء من الوقت و المال في تعلم الأشغال اليدوية والصناعات التقليدية، من خلال أخذ دروس في مؤسسات عمومية أو خاصة تنشط في هذا المجال، فضلا عن الدورات غير المباشرة المتوفرة على مواقع التواصل الاجتماعي. الصابون و مواد التجميل المجالات الأشهر من جانبها، أكدت جابري فوزية مسيرة مؤسسة « صابريناس» للتكوين المهني بالمدينة الجديدة علي منجلي، أن المؤسسة سجلت في السنوات الثلاث الأخيرة إقبالا كبيرا على الدورات قصيرة المدى في صناعة الصابون ومواد تجميل وكذا الشموع و «الريزين»، بعد أن كانت تلقى رفضا كبيرا من الكثيرين بحجة غلائها. وقالت، أنهن سيدات كثيرات يلتحقن بمقاعد التكوين بدءا من الثامنة صباحا و إلى غاية الخامسة مساء على مدار ثلاثة إلى أربعة أيام متواصلة، مبديات رغبتهن في تعلم حرفة تدعم تخصصهن الجامعي أو تطور هواية الطفولة التي لطالما كن شغوفات بها، وأعطت مثالا عن ذلك بشابة صيدلانية انضمت مؤخرا حسبها، إلى دورة لتعلم صناعة الصابون والمواد التجميلية و شبه الصيدلانية. أكثر من 130 مشاركة في تخصص واحد وتؤكد جابري، أن الدورات المكثفة تحظى باهتمام كبير من النساء العاملات بالقطاعين العام والخاص، الراغبات في فتح مشاريعهن الخاصة وزيادة مداخيلهن، أما التكوينات المطولة من 6 إلى 12 شهرا، فتقبل عليها بالعموم الجامعيات و الماكثات في البيت، حيث يتحصلن في الأخير على شهادة تكوين معتمدة من طرف الدولة. وتضيف المتحدثة، أن عدد المتربصات المقبلات على دورات الحرف اليدوية التي تقام شهريا، يتجاوز سنويا 130 مشاركة في تخصص واحد.