ارتبط استخدام منصة « لينكد ان» بالنخبة في الجزائري، خاصة مع بداية ظهوره، وكانت الشبكة من أقل التطبيقات استخداما مقارنة بفيسبوك و إنستغرام و تيك توك، غير أن الاهتمام بها زاد مؤخرا، بعدما تحولت إلى جسر للتوظيف، حيث كسر لينكد إن، الصورة النمطية السائدة عن طرق التوظيف التقليدية، وتحول إلى نافذة جديدة على عالم الشغل تستهوي خريجي الجامعات والمهنيين، و تستقطب المثقفين وصناع المحتوى ورواد الأعمال وأرباب العمل و مؤسسات مصغرة و شركات كبرى، نظرا لأهمية الموقع في بناء الهوية والعلامة التجارية الرقمية، و مضاعفة عدد الفرص و الزبائن المحتملين و الشراكات الجديدة. رميساء جبيل 300 ألف مستخدم جديد في ظرف سنة كشف التقرير الرقمي للجزائر، الصادر خلال شهر فيفري 2022، عن بيانات النشاط الرقمي في بلادنا، من حيث الانترنت ومواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ونسب استخدامها من قبل مختلف الشرائح السكانية ونموها السنوي، وبين التقرير بأن عدد مستخدمي شبكة « لينكد إن» في الجزائر يعرف نموا مستمرا، وصل إلى 2.8 مليون مشترك بزيادة حوالي 300 ألف مستخدم عما تم تسجيله سنة 2021. ويرجع الخبير في التكنولوجيا الرقمية والمهتم بريادة الأعمال يزيد أقدال، إقبال الجزائريين المتزايد على منصة « لينكد إن»، إلى اهتماماتهم التي لها علاقة بالجانب المهني والتجاري والاقتصادي، كون الموقع عبارة عن شبكة تشبيك، فهي تسمح للمستعمل بتكوين شبكة واسعة من العلاقات المهنية من داخل وخارج الوطن وإقامة شراكات، والتعرف على أشخاص لهم نفس الاهتمامات ويشتركون في نفس مجال العمل، أو الوصول إلى شركات بإمكانها ضمه إلى فريقها والتعاون معه، كما تتيح له فرصة نسج علاقات مع زبائن محتملين، فيما تسهل على المؤسسات إيجاد شركاء آخرين. وأوضح الخبير، أن منصة « لينكد إن» ليست حديثة النشأة، بل يعود تاريخ وجودها لأزيد من 15 سنة، وهي تختلف عن بقية المواقع كونها منصة اجتماعية مهنية بدرجة أولى وليست مخصصة للاستعمال الشخصي كما أنها غير متاحة لجميع الشرائح، وإنما تستعمل من قبل أشخاص تجمعهم اهتمامات مهنية. منصة مهنية موجهة للنخبة وأضاف أقدال، أن هذه المنصة تستعمل بغرض البحث عن فرص عمل، ولهذا نجد أن غالبية روادها من الموظفين الذين يملكون خبرة في مجال عملهم تفوق الخمس سنوات ويرغبون في تغيير المؤسسة، فيعمدون إلى عرض سيرهم الذاتية ومهاراتهم المهنية على صفحاتهم الشخصية ليسهل على المؤسسات الراغبة في الاستفادة من كفاءاتهم، الوصول إليهم بسهولة من خلال محرك البحث « قوقل»، فيتلقى المستخدم بذلك عروض توظيف أكثر أو فرصا أوسع للشراكة في حال كان الأمر يتعلق بمؤسسة. كما ذكر أقدال، أنه لم يكن هناك اهتمام كبير من الطلبة بالنشاط على منصة «لينكد إن» في السابق ، إلا بعد التخرج وتكوين خبرة في مجال التوظيف، لكن منذ حوالي خمس سنوات أضحى هناك تحول للطلبة إلى هذا الموقع نظرا لأهميته الكبيرة في التوظيف، لذلك باتوا يعمدون إلى عرض كفاءاتهم ومهاراتهم حتى قبل التخرج، بغية الحصول على فرص للعمل في العطل أو بدوام جزئي. وقال الخبير في المعلوماتية، إن هذا النشاط أدى إلى تزايد عدد مستخدمي الشبكة في الجزائر، نظرا لمميزاتها التي كانت سببا رئيسيا في جذب الأشخاص، ناهيك عن تطور الفكر وارتفاع درجة الوعي بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أضحوا اليوم يفرقون بين شبكة اجتماعية مهنية، وأخرى كلاسيكية تستخدم فقط للدردشة ومشاركة اليوميات. أما بالنسبة لمصداقية المعلومات الواردة على حسابات الأشخاص الناشطين عبر المنصة فيقول أقدال، إن التأكد منها مرتبط بمقابلة العمل المباشرة، أين يستطيع المكلف بالتوظيف التأكد من صحة السيرة الذاتية. جدير بالذكر أيضا، أن الجزائر عرفت مع مطلع العام الجديد، تنظيم فعالية « لينكد إن لوكال ألجيريا»، التي جمعت عددا من رواد المنصة ، وقد بلغ عددهم حسب ما صرح به صاحب الفكرة المستشار في التسويق والاتصال و الخبير في بناء السمعة الذاتية والعلامة التجارية أمقران محمد مريش، إلى أزيد من 250 شخصا، ما يعتبر حسب المتحدث، نقلة نوعية مقارنة بالحضور الذي تم تسجيله في طبعة 2019، والذي ولم يتجاوز حينها 60 إلى 70 شخصا. بناء السمعة الذاتية والعلامة التجارية الرقمية و عبر المتحدث، عن فخره بالإقبال على الحدث، رغم أن الإعلان عنه سبق الفعالية بثلاثة أيام فقط، ما يفسر حسبه، وجود اهتمام لدى المشاركين ورغبة في التعلم ومشاركة التجارب و الخبرات مع الآخرين، وكذا الاستفادة من الكفاءات وتوسيع نطاق المعارف، وعلى هذا الأساس، قال أمقران بأنه سيتم تغيير اسم الحدث إلى « كونكت إن» وتوسيع نطاقه الجغرافي وتطبيقه حتى في المدن الأخرى مثل وهران و قسنطينة. كما أكد مريش، أن الهدف الأساسي من تنظيم الفعالية، هو كسر الحواجز بين الأشخاص مع تغيير بعض السلوكيات و الأفكار والطرق التي يتعامل بها رواد المنصة مع حساباتهم على الموقع، خصوصا فئة الموظفين، حتى يجيدوا استعمالها بشكل أكثر احترافية مما يساعد في التطور والنمو، والقفز خارج إطار العالم الافتراضي وبناء علاقات إنسانية حقيقية وطيدة على أرض الواقع. وقال، إن مهمته الأساسية تتمثل في دعم رواد الأعمال وأرباب العمل في مجال تطوير الشركات ومساعدة المهنيين في النهوض بأعمالهم وتطويرها، من خلال إتقان جملة من الأساليب الأخلاقية المستدامة، التي من شأنها توسيع فرصهم و بناء اسم وعلامة تجارية متألقة، تجذب كثيرا من الزبائن المؤيدين لأفكارهم، و مساعدة الموظفين على تغيير أماكن عملهم. كما أكد المتحدث، أن فكرة « لينكد إن لوكال»، متداولة في العالم ككل، بعد أن تم إنشاؤه سنة 2017، من قبل امرأة تقطن بكوفس هاربر بأستراليا، رغبت في الانفتاح على سكان منطقتها، ففكرت في تنظيم فعاليات محلية للتواصل والتعارف الشبكي، وقد لاقت استحسانا كبيرا و واسعا، وتم تطبيق الفكرة في دول أخرى على غرار لندن وباريس والهند والأرجنتين وحتى في الجزر الصغرى. يعد أمقران أول من طبق هذه الفكرة في شمال أمريكا وفي مونتريال بكندا، كما أدخلها إلى الجزائر سنة 2019، أين أضاف عليها صيغته الشخصية، من خلال القيام بحصص تدريبية وورشات عمل وجلسات للنقاش وتبادل الآراء والأفكار بين المشاركين بطريقة أكثر تعمقا. بوابة للراغبين في بناء سمعة رقمية وتكوين سيرة ذاتية وقال المتحدث، إن علاقته بالموقع خاصة، لأنه ساعده في الحصول على عمل بكندا، بعد أن تخلى على منصبه كمدير تسويق سابق بشركة عالمية، الأمر الذي تطلب منه العودة إلى الصفر، ففكر في استثمار كامل وقته على المنصة، بعدما حذف بقية التطبيقات من هاتفه سنة 2018، للتركيز أكثر على التواصل مع الأشخاص وكتابة المقالات ونشر الفيديوهات والتجاوب مع التعليقات، ما جعله اليوم يحصد حوالي 25 ألف متابع، مؤكدا أن نسبة كبيرة من الزبائن الذين يقصدونه يأتون عن طريق منصة « لينكد إن». كما أوصى المتحدث، باستغلال الطلبة والموظفين لمواقع التواصل الاجتماعي بشكل جيد والاستثمار فيها، كون العالم الآن يبحث عن السمعة الذاتية للمهنيين والطلبة، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وعدم إثبات الوجود على هذه المنصات يولد الشك في مصداقية العمل، قائلا إن طالب اليوم يجب عليه الانطلاق في بناء سمعته الرقمية قبل التخرج، وبناء علاقات جيدة مع زملائه وأساتذته، تحسبا لتوفر الفرصة عن طريق أحد ما. و عن مميزات المنصة، قال الخبير، إن الأذن الصاغية ب» لينكد إن» تختلف عن بقية المواقع، لأن الشبكة بوابة للتعلم و التشاور والتشارك بطريقة مختلفة واحترافية، لهذا يجب على المستخدم أن لا يكتفي بسيرة رقمية فقط، و أن يحسن اختيار علاقاته و يوطدها، وبدل أن يكون المعجب الدائم بمنشورات الآخرين، فليكن هو الناشر والمبتكر لمحتوى مفيد، مع اختيار الشريحة التي يريد أن يصل إليها من خلال منشوراته، مع الاستمرار في العمل والتجديد. * سلمى بكوش صانعة محتوى على لينكد إن هذه تجربتي البناءة مع المنصة قالت صانعة المحتوى و العضو المنظم لحدث « لينكد إن لوكال» سلمى بكوش إن المنصة صارت تستعمل بشكل كبير من طرف الطلبة الجزائريين خاصة في السنوات الأخيرة، بعدما كانت مقتصرة على المهنيين و رواد الأعمال. سلمى قالت، إنها التحقت بالمنصة قبل 10 سنوات، بعد أن تلقت دعوة على بريدها الإلكتروني من قبل إحدى الشابات، لتقرر بعد تخرجها من الجامعة، أن تنشط أكثر من خلالها للبحث عن فرصة عمل، فشرعت في ملئ حسابها بمعلوماتها الشخصية، رغم محدودية معارفها بخدمات المنصة آنذاك، كما حضرت ورشة لصناعة المحتوى الرقمي، أدركت من خلالها أهمية التسويق الذاتي عن طريق المحتوى. و كانت منشورات سلمى في البداية، عبارة عن نصوص مكتوبة، ثم انتقلت إلى مشاركة مقاطع فيديو مع متابعيها، كما لمست فرق التجربة بعد سفرها إلى أمريكا، أين كانت تشارك أنشطتها اليومية على المنصة التي فتحت أمامها آفاقا كبيرة، حيث يوجد أفراد من الجالية الجزائرية ب « سيليكون فالي»، وقامت بزيارة مواقع عملهم، و ساعدتها المنصة على الوصول إلى أفراد المجتمع الرقمي الذين يشاركونها نفس الاهتمامات، لتكون معهم علاقات بناءة تقوم على تبادل النصائح و المعلومات و التوجيهات و مشاركة الفرص، معتبرة هذه العلاقات بمثابة رأس مال حقيقي. و أضافت الشابة، أنها تستعمل صفحتها لنشر عروض عمل تقدمها المؤسسة التي تعمل فضلا عن البحث عن ملفات شخصية تتناسب مع المناصب الشاغرة المراد تغطيتها و زيادة على التعريف بنفسها من خلال المحتوى الذي تشاركه، كإنسانة متعددة الاهتمامات بين توجيه و توظيف و تطوع وسفر وقراءة وصناعة المحتوى، الأمر الذي ساعدها على التعاون مع النوادي الطلابية والمؤسسات التعليمية لتنظيم المبادرات والفعاليات. وتنشط محدثتنا، على « لينكد ان» أكثر من أية منصة أخرى، بسبب ما تجده من راحة نفسية في التفاعل والتعبير من خلالها، فهي فضاء لتشجيع إنجازات الآخرين، والإجابة عن الأسئلة التي تصلها حول مجال عملها، فضلا عن مشاركة فرص جديدة مع أصدقائها في مجالات تخصصهم، كما تهتم بالمنشورات التي تعنى بالمستجدات الاقتصادية نظرا لتأثيرها المباشر على عالم الشغل، مع قراءة قصص و مغامرات رجال الأعمال. محتوى نوعي و مجهود أكبر وحسبها، فإن نشاط المستخدم الجزائري يقتصر على ملء البروفايل والبحث عن وظيفة والاطلاع على المستجدات في مجال عمله، لكن من ناحية التفاعل ونشر المحتوى فهو قليل مقارنة بدول أخرى، ولأنها منصة نخبوية فهي تحتاج إلى مجهودات لتحقيق التواصل بطريقة احترافية لأجل تحصيل النتائج، معبرة في ذات السياق، عن تذمرها من استخدام الشبكة لتزييف المعلومات الشخصية والمهنية، والمبالغة في تدوين معلومات مغلوطة بتضخيم الإنجازات، لتكون النتيجة في الأخير خيبة أمل بعد أول تواصل حقيقي. وعلى هذا الأساس، توضح بكوش، أنه لا يجب تصديق كل ما ينشر على المنصة، فمن الجيد كما عبرت، أن يسعى الشخص إلى بناء هوية رقمية تتطابق مع هويته الحقيقية قائلة إن استمرار هذه التصرفات سيحول الموقع إلى معرض للشهادات والإنجازات الوهمية تماما مثل إنستغرام. الشبكة وفرت لي فرصة عمل في الخارج رشيدة جلاب صاحبة 35 ربيعا، من ولاية البليدة واحدة من الجزائريات اللواتي فتحت لهن المنصة أبواب التوظيف في مناصب مناسبة، حيث استطاعت خريجة كلية علوم التسيير والاقتصاد فرع إدارة الأعمال، من خلال نشاطها على لينكد إن، أن تحصل على وظيفة في الخارج، قالت لنا ، بأنها في البداية لم تكن مهتمة بالشبكة رغم امتلاكها لحساب خاص عليها، لكنها قررت سنة 2019، أن تطور نفسها وتحدث تغييرا جذريا في حياتها المهنية بعدما كانت تعمل كمسؤولة بقسم المشتريات والتصدير في مؤسسة معينة، فبدأت في طرح عدد من الأسئلة على نفسها لتحدد المهارات التي يجب عليها اكتسابها وتعلمها، و من خلال الإنترنت، تنبهت إلى أن منصة « لينكد إن» حاضرة في كل مقالات وفيديوهات صناع المحتوى الهادف من الأجانب، فقررت حينها تحميل التطبيق و تعلمت طرق كتابة السيرة الذاتية باللغة الإنجليزية و كيفية تطوير حسابها الشخصي، كما كانت تشارك أفكارها بالتعليق على منشورات شخصيات ناشطة على الموقع، و كانت تجد ردا إيجابيا وتفاعلا في كل مرة، وهو ما ساعدها على التواصل مع بعض رواد المنصة الأمريكيين والإنجليز الذين شجعوها على صناعة المحتوى الخاص بها وعرضه في العالم الافتراضي. وأضافت جلاب، أن الجائحة أجبرتها بطريقة ما على إعادة ترتيب أوراقها وأهدافها، فأثناء مكوثها في المنزل بدأت في البحث عما يشغل وقتها، ليصادفها فيديو لصانع محتوى يتبرع بوقته لمن يشعرون بالوحدة و الضغط النفسي في العالم، فراقت لها الفكرة وقررت الانضمام إلى المبادرة، أين شاركت أول فيديو لها من هذا النوع و لاقى تجاوبا جيدا لم تكن تتخيله، ومن هنا بدأت رحلتها مع صناعة المحتوى بإمكانيات بسيطة تتمثل في هاتف محمول. وقالت محدثتنا، إن تركيزها في هذه الفترة، كان منصبا على المحتوى المكتوب أكثر من المصور، وكذا تكوين العلاقات والتعرف على مرشدين في الحياة، أين تعرفت على مرشدتها وصديقتها سلمى بكوش و أشخاص آخرين من أمريكا ساعدوها في التقدم والتطور لتطلق أول بودكاست شخصي. مضيفة أن منصة « لينكد ان» فتحت لها أبواب المشاركة في برنامج « بودكاست الشباب العربي» الذي يقدمه مركز الشباب العربي بدولة الإمارات العربية المتحدة، و مثلت الجزائر في المرحلة النهائية، ليصل بذلك عدد متابعيها خلال هذه الفترة إلى نحو 20 ألف شخص، كما زادت المنصة من حظوظها في الانتقال إلى أبوظبي والعمل كمنتجة برامج بودكاست، إلى جانب مشاركتها في تقديم برنامج « بودكاست مدرسة الاستثمار» المخصص لمجال ريادة الأعمال والاستثمار. وفي الأخير قالت رشيدة، إن « لينكد إن» مهم لتكوين العلاقات التي تفتح لإنسان آفاق عديدة، و للاستفادة من تجارب الآخرين، فهي حسب المتحدثة، منصة مهمة للباحثين عن العمل والراغبين في تسويق خدماتهم وبناء هوية رقمية مضيفة، بأن تقديم الشخص لنفسه وتسويقه لمهاراته وإمكانياته أمر مهم في وقتنا الحالي، فالشركات لم تعد تكتفي بالسيرة الذاتية، بل تبحث أيضا عن حساب الشخص على الموقع، كما تطالب بمقطع فيديو قصير بدل السيرة المكتوبة، مؤكدة أن التواجد على المنصة أضحى حتمية لكل راغب في الحصول على منحة دراسية أو وظيفة، خصوصا وأن المنصة في تطور مستمر.