استطاع الشاب جمال نافع، من بلدية سيدي معروف شرق ولاية جيجل، أن يطور نماذج لطائرات صغيرة يتحكم فيها عن بعد، قام بتجريبها بجوار منزله العائلي و يأمل في المرور إلى مستوى أعلى بعد الحصول على الترخيص و المرافقة من قبل السلطات الوصية لتعليم الأطفال تقنيات تصنيعها، كما يتمنى أن تستغل طائراته في عمليات الاستطلاع خلال الحرائق و متابعة النشاط الزراعي و لأغراض مفيدة أخرى. رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة تعلم الشاب جمال لوحده و طور نفسه عن طريق دروس على شبكة الإنترنت، فاكتسب أساسيات الروبوتيك و أتقن الإنجليزية كذلك، كما أنه مهتم بالشعب التقنية الضرورية لفهم نظام الطيران وصناعة الطائرات، وهو ما سمح له باقتحام المجال و صناعة طائرات صغيرة من مختلف الأحجام، يتحكم فيها عن بعد و يجعلها تحلق فوق منزله، وعن هذا التحدي قال للنصر: "تمكنت من تركيب نماذج ناجحة لطائرات صغيرة الحجم، عددها خمس طائرات، قمت بتشغيلها و تجريبها بجوار المنزل و تأكدت من فعاليتها ". وأوضح الشاب، بأن المجال يعتبر حلما راوده من الصغر و قد رغب في خوضه بعد حصوله على شهادة البكالوريا منذ ما يقارب 18 سنة، لكن معدله لم يخوله لدخول مدرسة الطيران فتوجه إلى تخصص المحروقات، أين درس و تخرج و عمل بعدها في عدة شركات، ومع مرور السنوات و عند استقرار وضعه المادي، عاد إلى شغفه و حلمه في صناعة الطائرات، وبدأ بالتعلم عن طريق الإنترنت و مشاهدة فيديوهات عن صناعة الطائرات، كما ساعده تعلمه و تحكمه في اللغة الإنجليزية و في الميدان التقني على الفهم أكثر، و تفكيك شيفرات صناعة الطائرات الصغيرة و اعتماد المقاييس و الوسائل المستعملة لتحقيق النماذج الناجحة، ليقوم بعدها باقتناء قطع الغيار ويباشر العمل الميداني، رغم ما واجهه من صعوبات في الحصول على مادة الفلين « البوليستات» الضرورية لتخفيف هيكل الطائرة. أخبرنا جمال، بأنه استغرق ما يقارب ثلاث سنوات في البحث و التجريب ومر بالكثير من المحاولات الفاشلة، لكن ذلك لم يحبط من عزيمته، ليواصل بعدها تعمقه في البحث و الاطلاع على التجارب الناجحة لكثير من المبتكرين العصاميين من أمثاله، و يتمكن من تحقيق حلمه و ينجز أول نموذج ناجح. وقد استطعت طائرته التحليق لمدة 15 دقيقة، وهو الوقت الذي كانت تسمح به سعة البطارية حينها، ما جعله يواصل السعي و يطبق تجاربه على طائرات من مختلف الأحجام، وصولا لطائرة يقارب طول جناحها 2,5 متر و يفوق طولها 1,70 سم، و ذكر محدثنا، بأن لكل مرحلة خصوصيتها وصعوبتها وتكاليف إضافية أيضا، مع صعوبة الحصول على بعض التجهيزات. ويبقى الحصول على التجهيزات وقطع الغيار أصعب تحديا في المشروع ككل، لأن الطائرات تتطلب نوعا خاصا من الفلين يقوم باقتنائه من الخارج، أما باقي التجهيزات فجلها متوفرة في السوق المحلية وهي بالعموم أجهزة كهربائية أو محركات و لوحات تحكم و أجنحة مشيرا، إلى أن بعض القطع يعاد تدويرها من مركبات و آلات أخرى. مستلزمات بسيطة تدخل في صناعة الطائرة خلال تواجدنا بمنزل الشاب جمال، لاحظنا بأنه حول غرفته إلى ما يشبه ورشة للابتكار و الاختراع، بها خمس طائرات صغيرة الحجم قام بصناعتها و تطويرها بنفسه، وقد كان منهمكا حين وصولنا في تقطيع الفلين، وفق مخطط صممه بنفسه، وقال بأنه يستعمل أدوات بسيطة يملكها أي حرفي آخر في عمله، لكنه يحرص جدا على الدقة في أخذ القياسات و الحجم لضمان صحة النماذج و نجاح تجسيد المجسمات. يقضي محدثنا الوقت في التنقل بين الغرفة و مكتبه المجاور لها أين يعيد مراجعة الأوراق التي رسمت عليها أشكال الطائرات مع التفتيش و التمعن في دفتر الملاحظات، وقد علمنا منه، بأن شقيقه يرافقه في عمله و يسرق منه بعض المعلومات و يتعلم بعض المهارات، إلى جانب التحلي بالتركيز و الدقة في العمل وهي سمات يتميز بها جمال، الذي قال لنا، بأن الحذر مطلوب لتجنب الخطأ لأن المواد المستعملة ثمينة و من الصعب الحصول عليها. وأوضح : « تتطلب كل مرحلة الدقة و الجدية، مع ضرورة تتبع بعض التعليمات و أخذ القياسات الدقيقة، ليس من السهل أن تجعل مجسم طائرة يطير في السماء»، مضيفا، بأن دعم عائلته له أثر كبير في نجاحه واستمراره، فالمرافقة و الكلام الطيب من قبل وتشجيعهم المستمر له وقود يشعل حماسه، كما أن دعاء والدته له بالتوفيق يضاعف حظوظه، معلقا: « للدعم المعنوي أثر كبير على نجاح عملي، كلهم كانوا يؤمنون بحلمي و فرحوا كثيرا عندما شاهدوا الطائرة تحلق لأول مرة فوق المنزل». أكد شقيق جمال، بأنه فرح كثيرا لأن أخاه استطاع تحقيق حلمه واقتحام مجال الطيران، و بالرغم من أن الفرصة لم تسمح له بدراسته في الجامعة، إلا أنه واصل العمل في قطاع المحروقات ليمول مشروعه و يعود بعدها لتجسيد أفكار كان يرسمها في مخيلته منذ الصغر، و قد تعجب من إصراره و انبهر بقوة عزيمته ومثابرته إلى غاية تجربة أول طائرة، فقد كان يرافقه في كل مرة و يصاحبه في كل خطوة، مؤكدا، بأنه يعتبر خير مثال عن التحدي و الإصرار و النجاح. كما قابلنا أيضا، خلال تنقلنا لبلدية سيدي معروف، أحد المنتخبين بالمجلس الشعبي البلدي الذي أكد لنا، بأن مصالح البلدية تحاول جاهدة مرافقة المبتكر وتقديم التسهيلات الممكنة له لكي يتمكن من تحقيق حلمه. طائرات يمكن لها تتبع الحرائق و خدمة الزراعة أما جمال، فأوضح بأن طائراته الصغيرة نماذج أولية جد ناجحة تحلق حاليا وفق ما تسمح به سعة البطاريات، و يرغب مستقبلا في أن يوسع نطاق طيرانها أكثر و الوصول إلى مستوى أعلى و مدى أبعد، وهو أمر يتطلب حسبه، ترخيصا من السلطات المختصة لتزويدها بنظام « جي بي أس»، فضلا عن البحث عن فضاء لإنزالها. وقال بأنه، يرغب في نقل تجربته و تعليمها للأطفال و الشباب من خلال تقديم دروس في نواد للمبتكرين و المخترعين الصغار تزامنا مع العمل على تطوير طائرته لتستعمل في عدة ميادين كتتبع مسارات الحرائق و خدمة النظام الزراعي، قائلا: « أعلم بأن المستوى الأعلى يتطلب مرافقة من قبل السلطات المختصة، لأنه يستلزم تزويد الطائرة ببعض الأنظمة، كما أنني بحاجة لفضاء أوسع للطيران حتى أجرب الطائرة بأريحية، كما سأعمل على تعليم صناعة الطائرات الصغيرة للأطفال و أدعم النوادي الشبانية وما أريده هو الدعم خاصة وأن مجال الطيران من بين المجالات التي أكد رئيس الجمهورية على أهميتها، وأنا كشاب جزائري أملك الموهبة و أطمح لإبرازها من خلال المشاركة في معارض وطنية متخصصة». و أكد محدثنا، بأن تحقيق الحلم يتطلب الصبر و المثابرة و البحث عن البدائل و الطرق الممكنة للوصول إلى المبتغى، و لذلك فقد تعلم اللغة الإنجليزية و التخصصات التقنية ليطور موهبته و مهاراته ويصل إلى هدف لطالما وضعه نصب عينه منذ أن كان صغيرا وهو يراقب سماء بلدية سيدي معروف و جبالها الشامخة ويأمل في أن تتمكن طائراته من التحليق فوقها يوما.