تلقى أمين معلوف ثالث أغلى هديّة من فرنسا بانتخابه على رأس أكاديميتها، بعد الانتساب لذات الهيئة التي تجمع "الخالدين" والفوز بالغونكور. وقد تكون جميع الهدايا مستحقّة بالنّسبة لكاتبٍ نال حبّ القرّاء في مختلف اللّغات في رواياته التي تستعين بالتاريخ لقراءة الحاضر وارتفع في إنسانيّته عن "الهويات"، القاتلة منها والمقتولة! لكنّ توقيت الهديّة الأخيرة يطرحُ الكثير من الأسئلة في بلدٍ كثيرًا ما جعل من اللّغة أداة هيمنة وتحكّم، ويواجه اليوم إحدى أكبر أزماته، بتراجع النفوذ في مراكز قديمة سياسيًا وثقافيا، وأزمة داخليّة ناجمة عن تصادم بين مكوّنات المجتمع، جرّاء موجة العنصريّة التي جعلت فرنسا من أكثر البلدان المعادية للوافدين الأجانب، وهي بذلك تحتاج إلى "وافدين" جيّدين لتلميع صورتها، وللبرهان على تنوّع الواجهة الذي لم يعد يحجب المكبوت، مع انخراط النّخب في مشروع اليمين المتطرّف الذي تتوسّع رقعته. و سبق للأكاديمية بالذات أن "استقطبت" الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا، في سابقة أثارت الجدل على اعتبار أنّ العضو الجديد لم يكتب بالفرنسيّة. فهل يدخل انتخاب معلوف ضمن نفس المنطق، رغم أنه ينتمي إلى الدائرة الفرانكوفونيّة؟ من السذاجة افتراض "البراءة" في هذا الانتخاب ومن الشّطط توجيه التهم الجاهزة لكاتبٍ اختار مساره كما فعل كتّاب عرب كتبوا بالفرنسيّة، وتم تبنّيهم إعلاميًا وسياسيًا في هذا البلد، بكلّ ما يفرضه التّبني من حياءٍ ومهادنة، بل وصل الأمر بالبعض منهم إلى حدّ "الاعتداء على الأصول"، ومعلوف ليس منهم على أيّة حال! و قد أثار أمين معلوف عاصفةً من الجدل، الصائفة المنقضيّة، في الأوساط الثقافيّة والإعلاميّة اللبنانيّة والعربيّة بظهوره على قناة إسرائيلية، وعُدّ هذا السلوك رسالة حسن نيّة إلى الدوائر المؤثرة على قضاة الأكاديميّة السويدية، طلبًا لعشبة الخلود الحقيقية التي لا تتوفر عليها حدائق الأكاديميّة الفرنسيّة. وربما كانت التهمة وجيهة في بعض أوجهها، بالنّظر لمواقف معلوف ومرافعاته من أجل عالم يتسع للجميع، وهو يصبّ الحوادث في مجرى التاريخ الذي قد يكون وحده المسؤول عن المصائر، من دون أن ينخرط في الجدل والنقاشات السيّاسيّة أو يسمي الأشياء بمسمياتها، و كذلك يفعل طالبو المجد في غرب الحريّات الذي يضيق صدره من الإشارة إلى قتلة الأطفال.