هكذا تُؤثّر جِراح الطفولة الخمس على مرحلة الرشد " أنا غير محظوظ" و" أنا لا أستحق" و" أنا غير جيد" و" أنا لست مثالي" و" غير محبوب"، هي عبارات قاسية يُسقطها من يعانون واحدة من جراح الطفولة الخمس على ذواتهم، ويُرددونها بشكل دائم كلما تكرر معهم حدث ما، أو مروا بأزمة أو صدمة، سبّبت لهم اضطرابات نفسية وآلام غاية في الشدة، دفعتهم لارتداء أقنعة مختلفة تتناسب مع نوعية كل جرح، واتخاذ شخصية مزيفة لتفادي الأضرار الناتجة، بغية إيقاف التجاوزات التي من الممكن أن يتعرضوا لها في محطات مختلفة من عمرهم، لهذا قد يتصفون بالهروب أو التعلق أو التسلط أو التصلب أو المازوشية، فقط ليشكلوا حاجز حماية يقيهم من شعور الرفض أو الهجر أو الظلم أو الإهانة أو الخيانة. ملف / رميساء جبيل وطرح كثير من أخصائي علم النفس في مؤلفاتهم و بمنصات التواصل الاجتماعي، هذا الإشكال الذي يغفل عنه كثيرون ويُسبب لهم مشاكل لا حصر لها في شتى مجالات حياتهم المالية والمهنية والعلاقاتية والروحية والصحية وغيرها، ويقعون في فخ جلد الذات والشعور بالذنب والعار والتأنيب الدائم مع مقارنة حياتهم وإنجازاتهم وصفاتهم بما يتمتع به الآخر، وأسوء ما في الأمر إنهم يربطون معاناتهم وأحزانهم وفشلهم في العلاقات والأعمال والحياة ككل، بالنحس وقِلة الحظ والعين والسحر والحسد، فيُغفِلون جانب الجِراح التي تعرضوا لها في طفولتهم ومختلف الأزمات والصدمات التي مروا بها والتي لم تُعالج آنذاك، حيث تواصلنا مع أخصائيين نفسانيين لِمعرِفة كيف تُؤثر جِراح الطفولة الخمس على مرحلة الرُشد. * النفسانية إيمان بلمداني الجراح تؤدي لظهور اضطرابات انفعالية وقالت الأخصائية النفسانية العيادية، إيمان بلمداني، إن الطفل الذي عاش تجربة طُفولة مجروحة، يُواصل حياته بشكل غير واع، كونُه تلقى من البيئة أزمات وصدمات، شكلت لديه اضطرابات انفعالية أو ما يُعرف بالسُلوك العُصابي، الناتج عن التفكير غير العقلاني، والانفعال في حقيقة الأمر يُمثل تفكيرا منحازا ذاتيا بطريقة غير عقلانية، يعود في أصله ونشأته إلى نوع التعلم المبكر الذي تلقاه الشخص من مصادر التلقي ومختلف العوامل البيئية الخارجية، فإما يكون ذلك التعلم بيولوجي أخذه من الصِفات الوراثية المشفرة بالحمض النووي "دي أن آي" أو " آر أن آي"، أو اكتسبه من والديه بصفة خاصة، بسبب طريقة مُعاملتهم السلبية له، ففي حالة انعدام التفاعل الإيجابي والاحترام المُتبادل في العلاقة، سيشعر الطفل بانهزام ذاته وافتقاره للقدرة على تحقيقها، كما أن الرعاية المبالغ فيها أثناء مرحلة تنشئة الطفل، تُفقده مهارة التعامل مع المشكلات بنفسه فلا يعرف كيف يحلُها ولا يشعر بالاستقلالية، فيُبدي مع مرور الوقت عدم احترام لقرارات الوالدين، كما نجده يعاني خوفا شديدا من الوقوع في الخطأ، فضلا عن كونه لا يُجيد الدفاع عن نفسه. بحث عن الكمالية والمثالية أو عدم استحقاق أما بالنسبة للأشخاص الذين كبروا مع أولياء لديهم توقعات عالية من أبنائهم، سيتجهون دون وعي منهم نحو البحث عن الكمال، مع الشعور الدائم بالعجز وعدم القدرة على تلبية التوقعات، خصوصا عندما تتم مقارنتهم مع الآخرين بشكل سلبي، كما توجد حالات أخرى لمن يبحثون عن المثالية والكمالية، قد تلقوا هذا السلوك من ثقافة المحيط الذي يعيشون فيه. وأكدت الأخصائية، أن هذه السلوكيات الثلاث، هي أصل وجوهر الجروح التي سببت معتقدات لا عقلانية ونمط أفعال يمارسها الشخص طِوال حياته، مع اتساع دائرة تلك المعتقدات فتتغلغل في شخصية الإنسان وسماته وتركيبته، فتظهر مع مرور الوقت في شكل اضطرابات. وأضافت النفسانية، أن المعتقدات الخاطئة التي يُكوِنها الفرد تُصاحبها اضطرابات في السُلوك أو الشخصية، لهذا يعمل المُختص النفسي على استبدالها بأفكار عقلانية تُأهل وتُسرع عملية التعافي، كون معتقداته تمنعه من التفكير بشكل منطقي، ومع إغفاله للأمر يظهر معه شعور بعدم الكفاءة والسعادة والنقص والانزعاج، وهذه السلوكيات الملاحظة في حياة الفرد تسبِقها مشاعر داخلية، ومع حدوث أي موقف تتحرك الأفكار المغلوطة التي تم تبنيها في الماضي، ويختبِئ خلفها المعتقد الذي لا يُعرف عنه شيئا، إلا إنها عبارة عن جذور تمتد داخل النفس البشرية مُسبِبة أفكارا سطحية، من أساليب التفكير اللامنطقي التي يُركز عليها العلاج المعرفي السلوكي، ويُعبر عنها الإنسان باستعمال ميكانيزمات دفاعية تظهر على شكل عيوب في الشخصية، ما يُعرف بالسلوك اللاتوافُقِي أو السلوك غير السوي، الذي يسبب معاناة فيُكرِره ليُعبِّر عن داخله ويحميه عند حصول الموقف أو تِكرار النمط، وعندما لا تستطيع النفس البشرية إحداث توازن عند صعود الاضطراب للسطح، خصوصا مع وجود بيئة استعداديه متمثلة في الضغوطات و الصدمات الحياتية. تستمر الاضطرابات مع استمرار حديث الذات القاسي وقالت المُتحدثة، إنه باعتبار الإنسان كائِن مُتكلِّم يستخدم الرموز الكلامية عند التفكير، فيُصاحب بدوره الانفعال والاضطراب الانفعالي الذي يستمر نتيجة حديث الذات، والذي لا يتقرر بالظروف الخارجية وفقط، بل بالمفاهيم والمعتقدات والاتجاهات المتبناة من الأحداث، والتي تتجمع في صورة جُمل وعبارات يتم استدخالُها أو تمثيلها بدلالات لفظية تندرج تحت ثلاث إلزاميات أو حتميات أساسية، ولهذا فالتفكير غير العقلاني يستمِرُ مع وجود الاضطراب الانفعالي، الذي يُميِز الشخص المُضطرب، والذي لديه عبارات ترتبط بالذات ك " أنا شخص غير كفء" و" ليس لدي أهمية" و" يجب أن أعمل بطريقة جيدة حتى أنال القبول"، أو بالآخرين "يجب أن يكون الجميع جيدون معي"، " يجب أن يتم قبولي وقبول متطلباتي تحت أي ظرف"، ومطالب متعلقة بظروف الحياة، ك " ظروف حياتي أقل مما أريد"، " لا يمكنني تحمل ظروف حياتي". ولتوضيح الصورة أكثر، أعطت بلمداني أمثلة منها، ميل الشخص للكمال والانجاز بأعلى مستوى كأم مِثالية تطلب من الابن أداء عال يفوق قدراته الواقعية، كتحصيل علامات كاملة وفي حال حدث العكس يخجل، فيستمر معه النمط طول حياته وينمو لديه اعتقاد إنه فاشل في كل شيء فقط لأنه فشل مرة، كما يُقارن ذاته بالآخرين فيتكون لديه تقدير ذاتي مُنخفض، فيغضب لكلمة أو نظرة غاضبة ويقوم باستنتاجات اعتمادية، ويرى أن سبب تعاسته ظروف خارجية، ويعجز عن التخلص من آلام الماضي، كما يبحث عن حل نموذجي لكل مشكل، وتتشكل لديه ميولات تلقائية للتنازل وإرضاء الغير بغية كسب لقب "الولد الشاطر" أو "البنت الشاطرة"، أو نجد طفلا عاش دلالا جعله يعتقد أن الدنيا وُجدت حتى تلبي رغباته دون أي مجهود، كما لديه تخوفات من صد الآخرين له في ميل للانطواء، ولا يتم الشفاء لكل الحالات إلا بعد إدراك الأسباب والوعي بها. الوقوف على المعتقدات والبرمجيات طريق نحو العلاج وأوضحت المتحدثة، أن الأفكار والانفعالات السلبية التي جاءت من الطفولة المجروحة أو المثبِّطة للذات، يجب مهاجمتها بإعادة تنظيم الإدراك النفسي والتفكير إلى أن يتميز الفرد بالمنطقية والتعقل، فمن يُواجهون مشاكل عديدة عالِقة سببها استمرار طفلهم الداخلي في إدارة شؤونهم الاجتماعية والمهنية والزوجية، فنجد من لا يجرؤ على رفض أي طلب كي لا يخسر موقعه كانسان طيب، وآخر يعيش في حالة من الإحباط والكآبة والعصبية كلما اكتشف أن الدنيا لا تستجيب لرغباته، وامرأة ناجحة بكل المعايير لكنها تشعر بالنقص أمام زوجها الذي لا يتحلى بنصف كفاءتها أو أهلها والآخرين. وقالت النفسانية، إن الحل لا يتمثل في إسكات الطفل الداخلي الذي يُورط صاحبه في مشاكل بحياته الراشدة، بل يجب مُصاحبته ومعرفة المعتقدات من أجل تغيير نمط التفكير، مشيرة إلى أن كل شخص يجب أن يقوم بأمور ثلاثة، تتمثل في الانتباه إلى هذا الوجود الذي يورّطه دون وعي منه، ويتفهم معنى جراح الطفولة، وفي نفس الوقت يُربيها من جديد، ويُدرك أن ما كان صحيحا في إطار العائلة لم يعد صالحا في حياته الراشدة، مع عدم السماح للجراح بإدارة شؤونه أمام الراشدين الآخرين... كما على الوالدين تفهم طفولية أولادهم واحتضانهم وفي نفس الوقت ترشيدهم وتعليمهم قوانين اللعبة في المجتمع الراشد والشرح والتفهم، وعليه تعلُم طُرق مواجهة جديدة أكثر نجاعة ومُلاءمة لحياته الاجتماعية والمهنية والزوجية، وإن لم يستطع تقويم وترشيد نهجه فيُمكنه التوجه لاستشارة نفسية. * النفسانية إخلاص زياد تحديد جراح يسهل اكتشاف الجِراح ترى المختصة النفسية العيادية والمدربة في تطوير الذات، إخلاص زياد، إن جروح الطفولة المتغلغِلة في النفس البشرية، هي إحدى المسببات الرئيسية للمشاكل اليومية التي يُعاني منها الإنسان في رُشده، سواء في العلاقات كالمشاكل الزوجية أو في العمل و حتى في التجارة وغيرها، وهذه الجراح المؤلمة الشبيهة بجراح الجسد إذا فُتحت لا تعُود إلى التشافي إلا حين يُدركها الشخص ويعمل على تشافيها، لكن المؤسف إن غالبية الناس لا يُجيدون التعامل معها ولا يعلمون إنها تحتاج إلى علاج كي تُشفى وتلتئم، وكل ما يقومون به هو وضع قناع لحماية أنفسهم من الألم. وأوضحت زياد، إن هناك خمسة جراح رئيسية، تتمثل في الرفض والتخلي والإذلال والخيانة والظلم، ووجودها في حياة الشخص ستجعله يعيش في دوامة ومعاناة ليس لها مخرج، وهذه الجراح تترك بصمات وآثار ظاهرة على الجسد المادي، وغالبية البشر يحملون معهم ثلاثة أو أربعة جِراح على الأقل. وقالت الأخصائية، إن تحديد العوامل المؤدية إلى ظهور جراح الطفولة، يتطلب إشارة الضوء إلى معنى الطفل الداخلي، الذي يتمثل في الأفكار والمشاعر التي يحملها الطفل والتي شكلت أغلب المعتقدات المزروعة في داخله والتي استمرت معه طيلة حياته، فالعقل الإنساني إلى غاية سِن السادسة يكون مثل الإسفنج، يمتص كل المعلومات والأفكار والمشاعر التي يستقبلها من المحيط، وهي المرحلة الأساسية التي تُشكِّل أغلب المعتقدات والقناعات والبرمجيات بعد سن السادسة، حيث تترسخ هذه المعتقدات من خلال التجارب اليومية المختلفة وتنتقل مع الشخص بشكل لا واعي إلى مرحلة الرشد، فتقود حياته ونمط تفكيره وسلوكياته وأسلوب حياته وحتى ردود الفعل ومقدار حبه وتقديره لذاته بنسبة 90 بالمائة بطريقة تلقائية دون إدراك، وتُؤثر بشكل كبير على العلاقات الأسرية والعاطفية وعلاقة العمل والصداقة، مشيرة، إلى أنه لتغيير كل هذا يجب التحرر من المعتقدات السلبية والمغلوطة عن أنفسنا وعن الحياة، مع العمل على تشافي الجراح الداخلية الذي عاشها الطفل في يوم ما ولم يستطع فهمها أو التعامل معها. رؤية الطفل للمواقف تختلف عن تفسيرات البالغين وأكدت المتحدثة، على ضرورة الانتباه لتلك الأحداث والمواقف التي قد تبدو عادية وبسيطة لشخص بالغ، لكن الطفل غير الواعي يفسرها بطريقة مختلفة، فترك الأم ابنها عند أحد الأقارب لدخول المستشفى يفسرها الطفل أنه تخلي، فيتكوّن جرح التخلي بداخله، ليؤثر على علاقاته حين يكبر، إلى أن ينتبه لوجود هذه المشاعر ويتحرر منها، كما أن الانتقاد بكلمات جارحة مع الإهانة والتعنيف والضرب ومقارنة الطفل مع غيره والتقليل من شأنه أمامهم، أو التمييز الواضح بين الأبناء مع تحميل الطفل مسؤوليات أكبر من عمره، ناهيك عن إظهار الوالدين مشاكلهم أمام أبنائهم، كل هذا سيُولد جراح داخل الطفل تنتج عنها معتقدات سلبية ومشاعر مخزنة تؤثر سلبا على طبيعة حياته المستقبلية. كما إن موت أحد الوالدين أو فقدان صديق عزيز، قد يُؤثر سِلبا على علاقاته مع الآخرين حين يكبُر، كما أن الأشخاص الذين لم تُلب احتياجاتهم في فترة الطفولة ولم يحصلوا على الحب والاهتمام العاطفي والتشجيع وتقدير الذات، يُحاولون الهروب من احتياجاتهم الداخلية أو يُشبعونها بطرق أخرى كالإدمان على المخدرات أو شرب الكحول أو ممارسة الزنا، فيما نجد آخرين يتخبطون في صراعات داخلية وصعوبة في وجود الأمان والسلام الداخلي وافتقار القدرة على حب ذواتهم بعمق وعدم تحقيق الأهداف، كونُهم تعرضوا للتنمر والاستغلال، ولهذا فشفاء الطفل الداخلي سيساهم كثيرا في تغيير كل هذا للأفضل. "المتعلق، الهارب، المتسلط، المازوشي، المتصلب" أقنعة المجروح وذكرت زياد، إن لكل جُرح قناع خاص يُمارِسه المجروح، فمن عانى جُرح التخلي أو الهجر يرتدي قناع المتعلق، أما قِناع المازُوشي فيظهر عن جرح الإهانة، ومن تعرض للرفض يرتدي قناع الهارب، أما المتعرض للظلم فيلبس قناع المتصلب، ومن تعرض للخيانة يرتدي قناع الُمسيطر، ويمكن القول إن كل شخص لديه جرحان بارزان ومسيطران على شخصيته وردات فعله، وتتعلق جل اختياراته في الحياة بهذه الجراح عموما، فاختيار المهنة بالنسبة للبعض قد تتعلق أساسا بوجود أحد هذه الجراح، فعلى سبيل المثال اختيار مهنة المحاماة يرتبط في الأساس بجرح الظلم وسيطرته بشكل كبير على حياة الشخص. وقالت النفسانية، أيضا، إن الأشخاص الذين ينفعلون بمجرد التحدث معهم، ويتهمون الآخر إنه يظلمهم ويُؤولون الموقف على إنه ظلم وإهانة وتخلي أوخيانة، يعود الأمر إلى نوعية الجرح العميق الموجود بداخلهم وما عاشوه من أحداث، لدرجة أن الطرف الآخر قد يستغرب ردة الفعل، وبهذا نقول إن كل ما يزعج الإنسان ويستفزه ويصعب عليه تقبله واستيعابه ويراه متعب هو في حقيقة الأمر مرتبط بأحد جراح الطفولة، ويشمل في الغالب ما يشعر به الإنسان على المستوى النفسي من قلق وخوف وغضب وإحساس بالذنب. وتكمن الرسالة وراء هذه الأحداث وفق ما قالت زياد، إن كل ما يجري هو ضمن خطة وتجربة الأرضية، لهذا من المهم التخلي عن اللوم والغضب والحقد اتجاه من تسببوا في تشكل هذه الجراح، أو اتجاه من ظهر بحياتك ووضع يده على الجراح، فالرسالة من ظهوره هي لفت انتباهك إلى وجود كل تلك المشاعر السلبية المخزنة في داخلك من أيام الطفولة، كما إن رحلة التشافي تتطلب مساعدة أخصائي نفساني لتخفيف حدة هذه الجراح وتقبلها والسماح للآلام والمشاعر بالصعود على السطح، ثم التحرر منها عن طريق الكتابة أو الرسم أو التعبير أو حتى تمثيل الأحداث، مع وجود كثير من التقنيات كالاسترخاء والتأمل والرقص. * النفسانية نوال مكيد جراح الطفولة تؤثر على مورفولوجيا الجسم من جِهتها قالت الأخصائية النفسية، نوال مكيد، إن جراح الطفولة تحدث مع الطفل الذي يتعرض إلى صدمات وأزمات في فترة معينة من حياته خلال تعامله مع الوالدين، في حال ارتكابهما أخطاء مقصودة أو غير مقصودة في تربية أبنائهما، تؤدي لتشكُل جراح الطفولة، مشيرة في ذات السياق، إلى أنه ليس بالضرورة أن تكون الصدمة كبيرة الحجم حتى يتأثر الصغير، كون ما يبدو للكبار أمر عادي وبسيط، هو في الحقيقة يُشكل للطفل صدمة، وعندما تتشكل لدى الأطفال واحدة من جراح الطفولة الخمس، يبتعد عن حقيقته ويتقمص شخصية زائفة، كون الجرح المُتشكل في الأعماق يختبئ خلفه ألم فظيع. وتُصنف الجراح وفق المتحدثة أيضا، إلى الرفض والخيانة والتخلي والظلم والإهانة، وحتى يتفادى الطفل الألم الناتج عن الضغط على إحداها، سيتقمص سلوكيات غير حقيقية لا تُمثِله ولا تُعبر عنه، فقد يتخلى عن كثير من الأجزاء المكونة لشخصيته وعن طلباته وحتى عن نموه وتطوره، كون الجراح تقلص من قدرات الفرد ومهاراته ما يؤثر سلبا على مستقبله، مع العلم أن هذه الجراح تضع الإنسان مستقبلا في محدودية الأداء، ابتداء من سن الدراسة إلى فترة المراهقة والدراسات العليا وفي الحياة العملية وحتى الزوجية، فأي حدث سلبي تعرض له الطفل سيؤثر على مساره الشخصي ويعيش في محدودية تمنعه من عيش الحياة التي يرغب فيها كذا من تحقيق إنجازات ونجاحات كبرى. وأوضحت المتحدثة، إن من سمات جرح التخلي أن يكون الطفل متعلق جدا بأمه ويرفض الذهاب إلى المدرسة أو الحضانة أو البقاء عند جدته، ويبدأ بالبكاء عند مغادرة أمه للمنزل، وهذا راجع لكون الصغير قد تعرض لجرح الهجر مع احتمال أنه يعاني كذلك من الرفض أو الإهانة، فيتصف بالخجل الشديد ولا يستطيع التعبير عن نفسه ولا يشارك في القسم، وفي حال تم التنمر عليه لا يجيد الدفاع عن نفسه، ناهيك عن تأثير الجراح على مورفولوجيا الجسم، فنجد أطفال أجسادهم لا تتوافق مع أعمارهم، فإما يُعانون من زيادة في الوزن أو ضعف شديد. كما يُردِد عبارات مثل لا تتركيني لوحدي وخذيني معك أو أنا خائف منهم، نظرا لمعاناته من خوف شديد قد يتحول مع مرور الوقت إلى فوبيا، وهي إحدى العوامل التي تعكس الجراح التي يعاني منها الطفل، والتي يُفعِل على إثرها جهاز حماية ويرتدي أقنعة، خوفا من ظهوره على حقيقته، ولمس جراحته التي ستؤلمه، ولهذا يصنع لنفسه شخصية زائفة ومزورة، تبعده عن حقيقة وجوده ورسالته التي خُلق من أجلها، ويغفل عن القدرات والمهارات التي يتمتع بها والتي من شأنها أن تُضيف قيمة وتُقدم خِدمة للبشرية، فتبدأ سلسلة الإخفاقات تظهر معه في دراسته وعلاقاته وعمله وفي زاوجه، فالمجروح حد قولها، لا يستمتع بالحياة ولا يدرك النعم والوسائل والسبل المسخرة له، ويكثر الشكوى والذم ويبتعد عن الحمد والشكر وتقبل أحداث حياته، فيغرق في المعاناة والجحود كونه يعيش غير حقيقته. وفهم رسائل جراح الطفولة لا يتطلب أن يكون الشخص خبيرا بعلم النفس، كما قالت النفسانية، لكن يكفي الانتباه لتكرُر الأحداث وفي كل مرة تُسبب ألما أكبر، سواء انتقاد أو فراق أو صعوبة في الوثوق بالآخرين، مع تفادي تكوين صداقات والانغلاق على النفس، و ال شعور بالفشل وانعدام القدرة على تحقيق انجازات كبيرة في الحياة، مؤكدة إنه لا يوجد شخص على وجه الأرض ليس لديه جرح، لكن تبقى بدرجات متفاوتة، و الجميل في الأمر إنه بقدر عمق الألم يكون التشافي، وتحقيق انجازات كبيرة ذات قيمة لنفسه وللآخرين أيضا. التشافي من الجراح هي مرحلة للانطلاق والنجاح فمثلا الشخص الذي عانى من جرح التخلي وارتدى قناع التعلق، عندما يشفى يتفوق في مجال المشاريع ويتصف بالإصرار على تحقيق أهدافه والوصول إليها، فالجراح الخمسة ليست نقاط ضعف سلبية فقط، بل لها جانب آخر يخلق قدرة ومهارة غير عادية تفوق المستوى الطبيعي، لذلك لا يجب اعتبار معاناة الطفولة شبحا يطارد الإنسان ويلاحقه، بل العكس تماما فهي بمثابة رسالة قوية تخفي مهارات وقدرات غير عادية قابعة خلف أقنعة الجراح، لهذا يوم يتشافى المرء وتزول نسخته المزيفة ويتصل بحقيقته، سيكون قدوة للآخرين ودعوة لهم من أجل التشافي وادراك الجراح والأزمات والصدمات الماضية. وأفادت مكيد، أن أول جرح قد يتكون لدى الطفل، هو جرح الرفض والتخلي، فعند تشكل هذان الثنائيان تظهر بقية الجراح تباعا كجروح فرعية، لهذا يجب الانتباه للأفعال والمشاعر الموجهة للأطفال، فرفض الأم للجنين وهو في بطنها سيولد لديه شعور الرفض الذي سينمو معه تدريجيا ويتسع تأثيره أكثر، وانتقاد الوالدين لطفلهما العدواني أو الحركي سيشكل لديه مشاعر رفض، وفي الغالب تكون الأم حاملة لهذه الجراح فتنقلها لطفلها، لهذا ننصح دائما بشفاء المرأة لجراحها قبل إقدامها على خطوة الزواج، أما بالنسبة للإهانة فتتكون في حالة مقارنته أو التقليل من قيمته أو انتقاده أمام الآخرين، في حين يتشكل جرح الغدر أو الخيانة عندما يخون أحد الوالدين خصوصا الأم ثقة صغيرهما، بإفشاء سر أخبرهما به، أو معاقبته وضربه وتوبيخه بعد أن قدم له وعد بعدم لمسه أو تأنيبه في حال قوله للصراحة. ر .ج