للأدب الشعبي مكانة هامة ضمن ثقافة المجتمع الجزائري، فهو المعبّر عن آماله وآلامه، كما يعد خلاصة تجاربه. عَبَر الأدب الشعبي مختلف الأزمنة من خلال الذاكرة، ولكنه يتعرض في السنوات الأخيرة للخطر المزدوج: فمن جهة وفاة حفظته من كبار السن، ومن جهة أخرى الثقافة الدخيلة التي تغزونا في عقر ديارنا عبر شاشة التلفاز وشبكة الأنترنيت والتي قد تحمل معها ما يتعارض مع قيمنا وأخلاقنا. يعمل العديد من الكتّاب والباحثين على تسجيل الأدب الشعبي لحفظه من الزوال، ولا يتم ذلك إلا من خلال الاستعانة بذاكرة أشخاص لا تزال زاخرة بهذا الأدب، والذين يمكن اعتبارهم جنود خفاء، ولولاهم لزال هذا الكنز الثمين المقدر عمره بآلاف السنين. تشتهر ولاية خنشلة بتراثها الشفوي، والذي يشمل: الأغاني، الرقص الشعبي، القصص، الحكم، الأشعار، الأمثال، الأحاجي، الألغاز ... الخ. يعد السيد لعروسي بركة من أهم المراجع التي تحفظ الأدب الشعبي بالمنطقة، وقد استفاد منه جمهور إذاعة خنشلة الجهوية من خلال نزوله ضيفا على أكثر من برنامج خلال سنتين متتاليتين، ومساعدته لكتّاب اهتموا بجمع هذا النوع من الأدب، خاصة الكاتب والباحث في الأدب الشعبي، الأستاذ محمد الصالح ونيسي، الذي استفاد من معلومات السيد لعروسي بركة في مؤلفاته وبرامجه الإذاعية؛ حيث يصفه بالمكتبة المتنقلة. عمي لعروسي، شيخ في الستينيات من العمر، لا تفارق البشاشة محياه مطلقا، تحمل ذاكرته خزانة كاملة من الأدب الشعبي، ويمكن أن يصوّر لك نمط حياة إنسان المنطقة في نهاية أربعينيات القرن الماضي وما بعدها تصويرا دقيقا، وله ثقافة معجمية حول أسماء: الطيور، الحشرات، الطيور، الحشائش، الأشجار، الأماكن، الحيوانات، الثمار، الخضر.. باللغتين الأمازيغية والعربية. وقد ورث كل ذلك عن جدته وعمه الذي عاش حوالي 115 سنة. مارس صاحب الذاكرة الثرية مهنة التمريض ببلدية خيران، أين قدّم خدمات جليلة لأبناء مسقط رأسه خاصة في مجال معالجة لسعات العقارب؛ حيث كان يهتم بضحايا اللسعات ليلا ونهارا وعطلته الصيفية يستفيد منها في فصل الشتاء، وهو الآن يقاوم لسعات النسيان التي تصيب ذاكرة الإنسان، فإذا كانت لسعات العقارب تقتل الإنسان، فإن النسيان يقضي على ميراث آلاف السنين. الالتفات إلى "عمي لعروسي" وأمثاله أكثر من ضرورة، وذلك من خلال جمع ما يحفظونه وتدوينه كتابة أو بالصورة والصوت مع ذكر أسمائهم.