العدد مرشح للارتفاع بقدوم نازحين جدد الجوية الجزائرية أجرت خصما ب 50 في المائة على تذكرة السفر من دمشق إلى الجزائر رسموا علم الحرية على جدار بيته في حلب فوجد نفسه في السكوار خرج صباحا بخطوات حذرة وجلة فكل السوريين يعلمون أن التسكّع في الشارع أصبح مغامرة وتهورا، وبعد مراقبة لأكثر من ربع ساعة وترصد حركة الزقاق التي كثيرا ما يقطعها رصاص القناصة من أعالي البنايات، قرر العمل بمبدأ «الضرورة تبيح المحظور» فرضيعته باتت تتضور جوعا ولا بد لها من حليب… غير أنه ومع أولى خطواته خارج البيت فوجئ برسم على جدار بيته… إنه علم الحرية الذي رسمه بعض مناصري الجيش الحر بعدما عزت عليهم طوال سنوات من حكم آل الأسد، عندها دمعت عيناه وعاد مهرولا إلى زوجته خاطبها بسرعة وبصوت كئيب استعدي فقد حان الرحيل.. هي قصة عائلة حكمة وأكثر من 40 عائلة أخرى وجدناها مشردة في أحياء الجزائر العاصمة منذ أكثر من شهر على غرار باقي ولايات الوطن في كل من تبسة والجلفة ووهران والوادي وغيرها، رأت في أرض المليون ونصف مليون شهيد، ملاذا آمنا من بطش النظام هناك، يقول حكمة إنه ودون تفكير وجد نفسه في الجزائر وبالتحديد في ساحة بورسعيد بالعاصمة تفترش عائلته الأرض وتستظل بظل شجيرات الحديقة تتسول بين المساجد والمحلات نهارا لتجمع ثمن غرفة الفندق التي يسكنها شطر العائلة الذي استطاع تأمين ثمن التذكرة إلى الجزائر فيما يبقى شطرها الثاني هناك بعدما عجز الأب عن توفير ثمن تذكرة استقدامهم. الجوع.. المرض.. وشبح الأسد يلازم الهاربين إلى الجزائر مظهر البؤس الذي يبدو على أفراد هذه العائلات في بورسعيد، جعلها لا تلفت الأنظار فمظاهر الحرمان أصبحت من ديكور الجزائريين ولم تعد تستعطفهم، غير أن اللهجة التي ألفناها في مسلسل «باب الحارة « شدت أسماعنا سألنا عنهم فقيل لنا إنهم ضحايا تسمر الأسد في كرسييه، اقتربنا منهم فرأينا الرعب يسكن عيونهم وشبح الرئيس القاتل يتجول بينهم ليطمئن على جبروته في قلوبهم. أطفالهم لا يحسنون سوى لعبة الحرب بين الجيش الحر والجيش النظامي يجرون في ربوع الحديقة ثم يعودون منهكين إلى حضن أمهاتهم خوفا من التوهان ومن أعداد العاهرات والمجانين المنتشرين في الحديقة، بمجرد أن عرفنا عن أنفسنا انقلب عبوسهم وحزنهم إلى ابتسامة وبادرونا بالقول «حياكم الله بلدكم وجميل وشعبكم طيب ونحن هنا للسياحة لا شيء ينقصنا ولا نريد أن نتكلم عن الوضع في سوريا رجاء». ضاعفنا جرعة الإلحاح فهموا بتغيير المكان هربا منا ومن شبح الرئيس، غير أن مرض الصغير مراد دفع أباه لشق عصا الطاعة فبادرنا بالقول أريد معروفا وبكل الكرم الجزائري قلنا تفضل.. فأخبرنا أن ابنه صاحب 7 سنوات يعاني منذ يومين التهابا في اللوزتين وحمى شديدة وهو يعجز عن توفير الدواء له اصطحبناه إلى صيدلية مجاورة واقتنينا له ما يلزم من الدواء وفي الطريق تبادلنا معه أطراف الحديث فاطمأن لنا وبدأ في سرد معاناته ، اقترابه منا شجع سيدة أخرى على الحديث معنا فقالت بصوت مبحوح «هذه ابنتي نسرين ذات 4 سنوات أبوها و7 من إخوتها مازالوا تحت القصف وهي لم تذق لقمة منذ البارحة».. وغير بعيد عنها شاب جلس يعظ صديقه ويصبره استفسرنا عن الأمر فقيل لنا إن أحمد حضر إلى الجزائر يوم أمس ولم يكف عن البكاء منذ أن وصل لأنه ترك أولاده وزوجته هناك ولم يستطع أن يحضرهم معه. الأعداد تزداد.. والسفارة السورية ترى في تسولهم تشويها لصورة الأسد ، القلة من العائلات التي ارتاحت لوجودنا طلب منا أفرادها تفهم موقف باقي العائلات التي رفضت الحديث معنا، حيث أخبرونا أنهم يجدون أنفسهم في الجزائر بين نارين، فإما أن يتحدثوا عن وضعيتهم المزرية بفعل جرائم النظام الأسدي وما يعنيه ذلك من خوف من الانتقام منهم بتصفية أقاربهم الذين عجزوا عن استقدامهم وبقوا رهائن هناك وإما أن يسكتوا ويواصلوا التسول الذي ترى فيه السفارة تشويها لصورة لسوريا الأسد وأضاف محدثونا أن العائلات السورية التي جاءت للعاصمة الجزائرية تزيد عن 40 عائلة وهي تتزايد كل يومي أحد وأربعاء وهما اليومان المخصصان لرحلة دمشقالجزائر عبر الطائرة، مؤكدين أن جل العائلات القادمة إلى الجزائر هي عائلات سنية هربت من الرعب الذي يستهدفها دون سواها من العائلات العلوية المحمية من طرف الجيش النظامي. كما ثمن محدثونا ما تلقوه من مساعدات وتسهيلات من طرف السفارة الجزائرية في دمشق وكذا من طرف الخطوط الجوية الجزائرية التي أكدوا أنها قامت بإجراء خصم بنسبة 50 بالمائة على تذكرة السفر من دمشق إلى الجزائر. المجتمع المدني خارج التغطية.. وأئمة المساجد ملاذهم الوحيد العائلات التي قبلت الحديث إلينا بعد أن كسبنا ثقتها، أكدت تخوفها من وضعيتها المزرية خاصة مع اقتراب شهر رمضان الفضيل، مشيرة إلى أن الجمعيات الخيرية التي قصدتها رفضت مساعدتها بحجة أن أفرادها ليسوا جزائريين الأمر الذي دفعها إلى اللجوء إلى أئمة المساجد لطلب المساعدة على توفير ثمن الفنادق. وقصد التأكد من الأمر اتصلنا بكبرى الجمعيات الخيرية الجزائرية غير أنها أكدت أنها لا تريد التدخل في الأمر متحججة بأن الغموض يلف المسألة وهي لا تستطيع الخوض في الأمر. أما تنسيقية دعم الشعب السوري فقد أكد منسقها الوطني عدم علمه المطلق بوجود هذه العائلات في شوارع الجزائر رغم أن آخر التقارير، تشير إلى وجود ما يقارب 20 ألف سوري لاجئ في الجزائر منذ بداية الأحداث الدامية في سوريا الأمر الذي يجعل أمر التكفل بهذه الشريحة واجبا إنسانيا على الجزائريين خاصة أن الأمر يتعلق بعائلات عربية ومسلمة. ومن خلال حديثنا مع أفراد هذه العائلات أكد المتحدثون أنهم لا يريدون أن يكونوا عالة على الجزائريين وإنما يطلبون مساعدتهم للحصول على وظائف يوفرون بها أقساط إقامتهم في الفنادق التي شكروا أصحابها لقاء ما قاموا به من تخفيضات خاصة لهم في كراء الغرف، كما ناشدوا السلطات الجزائرية العمل على توفير مأوى جماعي لهم باعتبارهم لاجئين، الأمر الذي من شأنه أن يعفيهم من التنقل بين الفنادق ويحفظ كرامتهم بين أشقائهم إلى أن تزول الأزمة عن عاصمة الشام ومنفى الأمير عبد القادر.