غضب بعضهم من تدخين المطربة اللبنانية لارا سيجارة في الجزائر في شهر رمضان، وتحولت الحكاية إلى مادة إعلامية وموضوع جدل في شبكات التواصل الاجتماعي. ورغم أن الفنانة مسيحية لا يلزمها دينها باتباع طقوس دين آخر، إلا أن الجزائريين يظهرون حساسية مفرطة تجاه المسائل الدينية فيجبرون الآخرين على اتباع ملّتهم في رمضان، حيث يسود ما يشبه الاضراب العام طيلة النهار وتغلق المطاعم والمقاهي و يصبح غير الصائم مجبرا على الصوم، وفوق ذلك يمنع من الأكل العلني لأن ذلك يؤذي مشاعر المسلمين. لكن هؤلاء المسلمين أنفسهم هم الذين يتجندون للأكل من الصباح إلى المساء فيتقاتلون في الأسواق على أتفه السلع ويرفعون الأسعار ويبيعون السموم في الشهر ذاته ويقطعون الطرقات ويحطمون السيارات ويخربون ممتلكات الآخرين ويحولون المدن إلى مزابل ضخمة، دون أن تتأذى مشاعرهم الرهيفة. قد يسير أحدهم في الاتجاه المعاكس ويقتل الناس لأن موعد الآذان اقترب ومشاعره لا تحتمل التأخر عن المائدة، قد تُصاب وقد تُقتل لأنك عبرت الشارع في الوقت الذي نشبت فيه معركة لأتفه الاسباب بين صائمين مرهفي المشاعر. ربما يوفر هذا الشهر مادة لعلماء النفس وعلماء الاجتماع لدراسة شعب يجنح سنة بعد أختها نحو البدائية و يضيّع آخر مظاهر التمدن والتحضر، رغم الرفاهية المادية التي تبدو على الساكنة وتتخذ في أغلب الأحيان شكل تمظهرات سيكوباتية هيستيرية. لقد أصبحت الحياة صعبة في مدن كانت إلى وقت قريب تتعايش فيها الأجناس المختلفة والديانات وأصبحت الآن مسرحا لكل مظاهر الصعلكة والعنف وعدم التسامح، دون أن يؤذي ذلك المشاعر كما يؤذيها مظهر الأجنبي الذي يدخن سيجارة، أو أي شخص آخر يجاهر بعدم الصوم، وفوق ذلك لا يحتملون ممارسة غير المسلمين لشعائرهم الدينية. هذا المغالاة أصبحت ظاهرة ينفرد بها الجزائريون الذين يتوهمون أنهم أكثر عروبة من جميع العرب و أكثر إسلاما من بقية المسلمين رغم أنهم لا يحسنون نطق العربية أو كتابتها ورغم "المناكر" التي ارتكبوها باسم الدين نفسه! قد تكون العزلة التي عانت منها الجزائر في سنوات الحرب الأهلية سببا في انحسار ثقافة الاختلاف، لكنها لن تكون مبرّرا لبقاء الامور على ما هي عليه، مثلما لن يكون السلم المدني مبررا للقضاء على آخر مظاهر المدنية.