أحلام مستغانمي تلميذتي ودور النشر أصبحت تنشر نصوصا أدبية غير صالحة قالت الأديبة و الوزيرة السابقة زهور أونيسي أن قسنطينة لا زالت تسكنها في حياتها اليومية كما في نصوصها، و ذكرت في حوار للنصر على هامش مشاركتها في مهرجان الشعر النسوي الأسبوع الماضي، أنها تستقبل يوميا كاتبات شابات في بيتها لتشجيعهن على الكتابة ومدهن بالنصائح، كما أرجعت الفضل في نجاحها إلى زوجها الذي شجعها على الكتابة والتفرغ للنشاط الثقافي، وقبل ذلك جمعية العلماء المسلمين التي فتحت باب التعليم أمام البنات. استطعت أن تكوني من بين النساء المتعلمات القلائل في الجزائر في فترة صعبة هي حرب التحرير و السنوات الأولى بعد الاستقلال، كيف كانت هذه التجربة بالنسبة لك؟ في الواقع يعود الفضل في تعليمي للحركة الإصلاحية لابن باديس، التي لم تكن متزمتة على الإطلاق مع البنات بل بالعكس كانت تشجع كثيرا التحاقهم بالمدارس فقد كانت متفتحة على أهم القيم الجميلة في المجتمع، كالمساواة بين المرأة و الرجل خاصة في مجال التعليم و العمل، و حينها كان لي الحظ للالتحاق بمدرسة " التربية و التعليم" بحي " ربعين شريف " بالمدينة العتيقة، أول مدرسة ابتدائية في قسنطينة في تلك الفترة و التي كان قانونها الأساسي يعفي الفتيات من دفع تكاليف الدراسة عكس الذكور، و ذلك من أجل تشجيع المزيد من البنات للالتحاق بالمدرسة لينهلوا من العلم و المعرفة، كما أنني كنت أملك إرادة كبيرة في التعلم. و كيف كانت خطواتك الأولى في الكتابة الأدبية ؟ نشرت أول نص لي بجريدة البصائر و هي قصة تحمل عنوان " جناية أب " كانت هذه أول بصمة لي في عالم الأدب و توالت بعدها نصوصي الأخرى، ثم جاءت فترة قصيرة توقفت فيها عن الكتابة بسبب نضالي إبان ثورة التحرير التي كانت تتطلب مني الكثير من الجهد و التفرغ لأنها حقبة مكتظة بالعمل و الأحداث و لكنني مع ذلك كنت أسجل كل ما كان يخطر ببالي، لتثمر هذه الأفكار و الانطباعات لاحقا مجموعتي القصصية الأولى التي تحمل عنوان "على الرصيف النائم "، و هي عبارة عن قصص مستوحاة من الواقع الثوري اليومي للجزائريين تسلط مواضيعها الضوء على بطولات شعبنا و خاصة نضال المرأة الجزائرية، و ازداد مع الوقت شغفي بالكتابة التي أصبحت تتسم بعمق أكبر بفضل اكتسابي مع السنين للمزيد من المعارف في علوم أخرى كالفلسفة و الأدب و السياسة، و ازدادت علاقتي بالقلم وطادة فلا يمر يوم علي الآن دون أن أكتب فيه و لو حتى جملة صغيرة. كسيدة مجتمع و كمثقفة، كيف ترين المرأة الجزائرية العصرية اليوم ؟ متغيرات الحياة الاقتصادية و الثقافية كالعولمة و غيرها، من شأنها أن تغير سلوكات النساء و طريقتهن في رؤية الأشياء و التعامل مع الحياة بشكل إيجابي يواكب العصر، و حتى أسلوبهن في اللباس يتغير مع الموضة و التصميمات الجديدة و هذا شيء طبيعي جدا و لكن رغم أن فتيات و سيدات اليوم أيضا لديهن أناقتهن، تبقى هناك من وجهة نظر البعض نكهة خاصة لكل ما عشناه في الماضي، تجعلنا نفرح كلما تذكرناه مثلما نتذكر بشيء من الحنين أناقة نساء زمان في سنوات السبعينات، و بالنسبة لي فأنا مازلت أتزين في الأعراس و المناسبات باللباس التقليدي القسنطيني الذي لا أغيره أبدا لا بالأطقم الحديثة و لا بأي لباس سهرة آخر كما لا أتزين بشيء آخر غير الحلي القسنطينى، لأن هذه الأشياء بالنسبة لي ثوابت لها علاقة بانتمائي و هويتي التي لا يمكن تغييرها، و هي ذات التفاصيل القسنطينية التي يجدها قارئي بدقة في نصوصي خاصة كتاب " جسر للبوح و آخر للحنين ". إلى أي درجة تشعرين بالرضا على ما حققته في حياتك كمجاهدة و أديبة ثم كمناضلة سياسية؟ الآن أنا أشعر بالرضا إلى حد ما، لأنني استطعت أن أكون أما و مربية و أستاذة و كذلك مثالا لأجيال من الكاتبات اللاتي سطعن في فضاء الكتابة و الأدب، كالكاتبة أحلام مستغانمي التي كانت تلميذتي في الثانوية، فأنا أعتبر نفسي بكل تواضع عميدة الأديبات الجزائريات لأني أكبرهن سنا و سبقتهن في تجربة الكتابة، و قد دونت كل هذه الخطوات و المراحل المهمة في حياتي في كتابي الأخير " عبر الزهور و الأشواك، مسار امراة "، الذي يحكي دون تزييف و لا تجميل قصتي كامرأة مناضلة عاشت مراحل مهمة من تاريخ الوطن و تقلدت العديد من المناصب الحساسة التي أكسبتني خبرة كبيرة في الحياة، و بعد صدور هذا المؤلف الأخير الذي شارك في الصالون الدولي للكتاب بالعاصمة، كرمتني وزارة المجاهدين بوسام استحقاق عرفانا لمساري النضالي. رغم تقلدك الكثير من المناصب المهمة و الحساسة في الدولة إلا أنك بقيت وفية للكتابة و لم تغير فيك المسؤولية الكثير على الصعيد الشخصي، ما السر في ذلك؟ المناصب لا تؤثر في أبدا لأنني ببساطة أساوي نفسي دوما أينما ذهبت، و هذا دليل على مصالحتي مع ذاتي و مع الآخرين و على إيماني الداخلي بماهيتي الأدبية، المراكز لا يمكنها أن تغير سلوكي و لا حياتي الخاصة أو العامة، لأنني رغم انشغالاتي الكثيرة بقيت وفية للمطالعة و الكتابة التي لم أتركها ولا لحظة. ما رأيك في بعض النساء اللائي يتخلين عن أهدافهن و طموحاتهن بعد أن يتزوجن و ينشغلن بمسؤوليات البيت و الأولاد؟ المرأة التي تسمح لموهبتها بأن تنطفئ بعد أن تتزوج أو ترتبط هي في رأيي ضحية بيئتها و مجتمعها و خاصة سوء اختيارها، لأن الشريك مهم جدا في حياة المرأة المبدعة فبإمكانه أن يساعدها لتعيش موهبتها و تحقق طموحها، و إلا فستنسلخ بعنف عن حياتها الإبداعية لتنغرس في واجبات اجتماعية ثقيلة تقتل فيها شغفها الأول للكتابة أو الفن، و الحمد لله أن الأمر لا ينطبق علي، فزوجي هو الذي يشجعني باستمرار على تطوير نفسي و مواصلة الكتابة التي لا يسمح لي بالتكاسل عنها مهما حصل، حيث لا يتركني أمضي أكثر من ساعة واحدة في المطبخ قائلا لي : " أنت لست مولودة لتطبخي بل لتكتبي و تبدعي "، كما أنه قارئ ناقد لكل نصوصي و يعطيني رأيه فيها قبل الجميع، فرغم أنه بعيد عن مجال الأدب إلى أنه شغوف جدا بالثقافة. الكثير من الكتاب الجزائريين بعد الاستقلال واجهوا إشكالية اللغة التي يبدعون بها، كيف حسمت خيارك منذ البداية؟ اللغة هي تكوين و موقف، و طبعا هي اختيار حاسم و صريح بالإضافة إلى كونها خاضعة لطبيعة التكوين المدرسي و الثقافي الذي تم بالنسبة لي باللغة العربية خياري التلقائي في الكتابة، أما الفرنسية فأنا أقرأها فقط و لم أفكر يوما في الكتابة بها و لكن لا ألوم الكتاب الجزائريين الذين يعبرون بها إذا لم يكتبوا بها ما يسيء للجزائر. ما رأيك في الجيل الجديد من الكاتبات الجزائريات؟ أنا أستقبل أسبوعيا في بيتي طالبات و شابات يطلبن مني تصحيح نصوصهن و تقديم النصائح لهن في مجال الكتابة، و هن يعرفن أنني لا أضع إسمي أبد ا تحت نص غير صالح للنشر لأنني جد صريحة في انتقاداتي و لا أجامل أبدا في الأدب، و هناك بالفعل أقلام واعدة و لكن للأسف هناك أيضا العديد من النصوص التي تنشر و هي غير صالحة لذلك، و أعتقد أن السبب يعود لعدم كفاءة بعض لجنات القراءة في دور النشر التي تفتقر للكفاءة و الاختصاص.