«السبيبة» .. عيد ترقي باطنه روحاني خالص و ظاهره فني ساحر تتواصل هذه الأيام احتفالات السبيبة الخاصة بحلول السنة الجديدة وفق الرزنامة الترقية و ما يصاحبها من طقوس و تقاليد تخص منطقة جانيت، و التي كانت و لا زالت محل اهتمام و دراسة الباحثة الأنثروبولوجية و المؤلفة مريم بوزيد سبابو التي تحدثت للنصر عن هذه التظاهرة الثقافية و الاجتماعية الموسمية التي تنطلق بحلول أول محرّم و تنتهي في يومه الثامن. و ذكرت الباحثة بأن الاحتفائية المقدسة لدى قبائل توارق جانيت تجمع في عمقها عدة مناسبات تاريخية تحتفي بها مجتمعات كثيرة لكن تحت تسميات مختلفة و بالأخص عاشوراء لكن يبقى المغزى الروحي و الوجداني و الاجتماعي واحد و هو دلالات التوحيد و التصدي للظلم، تترجمه طقوس متنوعة تتخللها لوحات ثقافية، نغمية و أدبية تعكس الثراء الثقافي لهذا المجتمع الذي يعبّر عن تقديسه لوحدانية الخالق من خلال ما يعرف لديهم بأيام التيمولالين المنظمة عادة خارج القصور تحت ضوء القمر بمشاركة كل الفئات و الشرائح تحت فضول الزوار و السواح الداخليين و الأجانب. و المعروف عن التيمولالين أنها أشبه بمنافسة ثقافية، فكرية و روحية، يحاول المشاركون فيها إظهار ورعهم و تمجيدهم للخالق بتجسيد صور الجمال بكل معانيه و إبراز سمات الشجاعة و القوة و مناصرة الخير و مقاومة الظلم، و كل قبيلة تحتفي على طريقتها الخاصة في أجواء تنافسية شريفة يميّزها الإبداع في مجال الشعر، الغناء، الرقص، و الأزياء التقليدية و أمور أخرى تبرز الموروث الترقي. و قالت الباحثة أن السبيبة تستمر في الواقع إلى اليوم العاشر من محرّم باجتماع أفراد القبائل و مواصلة الاحتفال بمواجهة أفراد القبيلتين في لوحة فنية راقية ترسم الملاحم القتالية للأسلاف، و يواكب الحدث برنامج استعراضي تتخلله لوحات تترجم العواطف المشحونة التي يختزنها التراث العريق لقبائل التوارق، وتؤجج الذاكرة الجماعية للسكان. و تأسفت الأستاذة على عدم استغلال مثل هذه التظاهرات المهمة سياحيا و ثقافيا بما يتناسب و مكانة هذه المناسبة لدى المجتمع الترقي بجانيت لاسيّما و أنها تظاهرة خاصة بمنطقة جانيت وحدها. و تعد الدكتورة مريم بوزيد سبابو أول من اهتم بموسيقى «تاسيلي ن آرتر» كما حملها حبها لحد الولع بحياة التوارق و رغبتها في اكتشاف المزيد عنها إلى التوغل داخل المجتمع الترقي و الاندماج فيه من خلال ارتباطها برجل أزرق، مما ساعدها على إماطة الستار على الكثير من الأمور التي كانت فيما مضى مصنفة ضمن الطابوهات. و اعترفت بأن أكثر ما صدمها بعد تغلغلها في المجتمع الترقي، كان استمرار مظاهر العبودية إلى يومنا هذا، حيث لا زالت تبرز الطبقية بوجود النبلاء و الأسياد و العبيد أو ما يعرف عندهم بالآكلي. كما تحدثت الباحثة عن أبحاثها الكثيرة التي لا تزال لم ترى النور لأسباب وصفتها بغير المفهومة و التي تسببت في بقاء دراسات مهمة في تقييمها حبيسة الأدراج في الوقت الذي تفتقر المكتبة الجزائرية لمثل هذه الأبحاث الانثروبولوجية، و تساءلت عن سبب عدم إعادة طبع كتابها الذي أعدته حول تظاهرة «السبيبة» برفوف المكتبات رغم كثرة الطلب عليه. و كشفت بأن بحوزتها عدد من الأبحاث لا زالت تبحث لها عن ناشر جاد منها دراسة حول مخطوط الملكية النسائية في المجتمع الترقي و آخر حول الموسيقى الترقية. و سبق للباحثة نشر دراسات حول أسماء المقامات و الأضرحة، كما صدر لها كتاب بعنوان «سيدات الجلالة:تاريخ المنسيات»الذي تناولت فيه بطريقة أدبية انثروبولوجية قصص نساء مبدعات نجحن في مكافحة العزلة و الفقر بمنطقة المدية.و عن واقع تخصص الانثروبولوجيا بالجزائر قالت الباحثة بأنه مهدد بالاختفاء إذا استمر على هذا الوضع إشارة إلى نقص التأطير و تراجع عدد المؤطرين و بالتالي تراجع عدد الطلبة المهتمين بهذا المجال المهم حسبها. و تجدر الإشارة إلى أن مريم بوزيد تشغل منصب أستاذة باحثة بالمركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ و علم الإنسان و التاريخ كما درست مقياس انثروبولوجيا المغرب، و كانت ضمن الفريق المشرف على إعداد قاموس الأساطير الجزائرية.