ضيق في المكان و اتساع في الطموحات في ظل تزايد أعداد الراغبين في الفوز بدراسة أكاديمية متخصصة في الموسيقى، تبقى الطاقة الاستيعابية لملحقة قسنطينة للتكوين الموسيقي محدودة، و سيان بين العرض و الطلب عندنا حتى و إن تعلق الأمر بفن جميل و إبداع يرتقي بالذوق و يصقل الأحاسيس و الحواس و ينميها، فمقر الملحقة الحالي المتاخم للمركز الثقافي بن باديس بوسط المدينة، اختزل في طابق واحد يحتاج للترميم و لا يتناسب مع حجم الاقبال و الطموحات، بعد أن كان عبارة عن بناية واسعة جميلة و فريدة من نوعها ببلادنا تم تشييدها في الحقبة الاستعمارية وفق المعايير العالمية لمدارس الموسيقى على غرار"كونسرفاتوار"باريس و "كونسرفاتوار"روما كما قال مدير الملحقة. إلهام.ط تصوير:ع. عمور زائر الملحقة يمكن أن تراوده جملة من التساؤلات و يلاحظ العديد من المفارقات، بدءا بتسميتها فهي تابعة للمعهد الجهوي الكائن بباتنة أي أن عاصمة الشرق الجزائري و عاصمة الثقافة الاسلامية قريبا "تابعة موسيقيا"و ملحقة بمدينة صغيرة لا تضاهيها على الأقل من حيث كنوزها الفنية و التراثية المتنوعة. "كونسرفاتوار" روما مصغر و المفارقة الثانية أن مقرها يقع ببناية قديمة فريدة و وحيدة من نوعها ببلادنا لكنها لا تحظى بالترميم و الصيانة فأوشكت معالمها على الضياع. حيث أوضح مدير الملحقة محمد سهايلية للنصر بأن هذه البناية كانت جد جميلة و واسعة و مناسبة بكل المقاييس و هي تشبه "كونسرفاتوار" روما، بجدرانها العازل للأصوات و الطارد لكل أشكال التشويش و الضوضاء و هي الخصائص و المعايير الدولية التي من المفروض أن تميز معاهد و مدارس التعليم الصحيح و الجيد للموسيقى الكلاسيكية في كل أنحاء العالم. لكن هذه البناية كما لاحظنا قسمت إلى ثلاثة أجزاء و لم تفتك ملحقة التكوين الموسيقي إلا الجزء الأوسط كمقر لها في حين يستغل شخص غريب الجانب الخلفي من هذا المكان كمسكن له.بينما الطابق العلوي الموصد تابع للبلدية و لا يستغل إلا نادرا في عقد الاجتماعات بعد مواراة نوافذه و تشويه شكلها الأصلي بطبقات من الطوب و الاسمنت و الطلاء.أما الطابق السفلي أو الأرضي فتستغله مصالح الحماية المدنية على طريقتها. و لأن أشغال الترميم لم تطل الملحقة التي تم افتتاحها في الثالث من شهر مارس 2010، أصبحت عرضة للرطوبة و تسربات المياه و التشققات و التصدعات و تكدست في أحد أركانها الخارجية أكوام من الحطب و بقايا معدات و عتاد قديم و نفايات و يحاصر حديقتها التي فقدت كل خصائصها العتيقة سياج عال حتى لا يقتحمها الفضوليون و اللصوص.و تتكون الملحقة من مكتب المدير و ركن صغير للأمانة و مكتبة و 9 قاعات مجهزة يتابع فيها 40 طالبا نظاميا تكوينهم إلى جانب 84 هاويا.و يشرف على تكوينهم 16 أستاذا بعضهم مرسمين من خريجي المعهد العالي للموسيقى و البعض الآخر متربصين و مؤقتين. و تستقبل الملحقة من حين لآخر فنانين مشهورين على الصعيد العالمي للإشراف على دورات تكوينية للأساتذة و الطلبة.و اعترف المسؤول الأول عن هذه الملحقة التكوينية بأنه تلقى 200 طلب للمشاركة في مسابقة الدخول لهذا الموسم،لكنه و طاقمه اضطروا لقبول 40 مترشحا فقط للتكوين النظامي وفق شروط دقيقة و صارمة، نظرا لضيق المكان و الطاقة الاستيعابية المحدودة.و من المنتظر أن تتخرج أول دفعة منه في نهاية الثلاثي الجاري.مشيرا إلى أن الملحقة تخصص مسابقة سنوية لفئة التلاميذ من ذوي مستوى التاسعة أساسي و يتلقى الناجحون تكوينا لمدة ست سنوات و مسابقة أخرى لفئة التلاميذ ذوي مستوى الثالثة ثانوي و يدرس الناجحون في المسابقة لمدة أربع سنوات ليحصلوا على شهادات الدراسات الموسيقية العامة.أما الهواة فينتمون للفئة العمرية من 5 إلى 22 عاما من الجنسين. مواهب مميزة و حضور قوي في المهرجانات تم تشكيل أوركسترا مالوفية بقسم المالوف تتكون من 26 هاو صغير لا يتجاوز عمره 16 عاما كما قال الأستاذ نور الدين بوباطة موضحا بأن هؤلاء البراعم شاركوا في العديد من المهرجانات و التظاهرات الفنية آخرها الأيام الوطنية للموسيقى الكلاسيكية في مارس الفارط حيث أبهروا الحضور بأدائهم المميز.و أضاف بأن التلاميذ الهواة يتلقون دروسا في القواعد و النظريات الموسيقية و ال"صولفاج" و الغناء البوليفوني و العزف.و يذكر بأن قسم الهواة المتخصص في الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية ينشط بالملحقة في إطار جمعية نجوم فنون قسنطينة.و شدد مدير الملحقة الذي تلقى تكوينا موسيقيا عاليا بسان بيترسبورغ بالاتحاد السوفياتي سابقا و درس الموسيقى لأجيال من الطلبة في كندا و فرنسا و إيطاليا قبل أن يلتحق بمعهد باتنة في الثمانينات ، بأنه لم يصادف قط مواهب موسيقية تضاهي مستوى تلك التي صادفها بملحقة قسنطينة.و قد التقينا هناك بالفائز بجائزة رئيس الجمهورية في مسابقة علي معاشي للمبدعين الشباب في السنة المنصرمة عبد الرحمن بن سالم الذي عين مؤخرا أستاذا للموسيقى بالملحقة بعد حصوله على تقدير امتياز لدى تخرجه من المعهد العالي للموسيقى.و أوضح لنا بأنه شارك في المسابقة بمعزوفة من تأليفه و أهداها بعد ذلك للقناة الاذاعية الاولى و قناة "سيرتا أف أم "لترصيع برامجهما و قد أبدع خمس معزوفات أخرى لكنه لا يفكر في تلحين الأغاني. آفاق و مشاريع مؤجلة كانت و لسنوات طويلة قاعات التكوين الموسيقي التي تخلد الصور المعلقة على جدرانها و معزوفات تلاميذها عمالقة الموسيقى العالمية مقرا للمدرسة الجهوية للفنون الجميلة. و في 22 سبتمبر 2009 صدر قرار وزاري مشترك بين وزارتي الثقافة و المالية يتضمن انشاء ملحقة للتكوين الموسيقي بقسنطينة تابعة لمعهد باتنة. و بالتالي لم تسترجع المدينة التي تتنفس تراثا موسيقيا عريقا "كونسرفاتوارها"القديم الكبير بل جزءا منه لكن طاقم الملحقة مصمم على مواصلة التكوين النوعي و تجاوز الصعوبات بغرس حب الابداع الموسيقي و تطوير الحس الفني لدى النشء و توسيع دائرة التكوين ليشمل الهواة الراشدين الذين تتجاوز أعمارههم 22 عاما بمجرد الحصول على بعض الدعم. ومن أهم مشاريعه أيضا فتح ملحقة بميلة.