الحرارة، الدبابير و مغامرات التسلق اليومي ترهق سائقي الرافعات بمشروع الجسر العملاق يبقون حوالي 12 ساعة معلقين بين سماء و أرض و في ارتفاع يصل أحيانا إلى حوالي 150مترا عن سطح الأرض، إنهم سائقو الرافعات الذين يصفون مهنتهم بالشاقة و القاسية لكنهم مجبرون على تحملها لأجل إعالة أسرهم. النصر اختارت تسليط الضوء على يوميات هذه الفئة من المهنيين و انتقلت إلى ورشات الجسر العملاق التي تشرف عليها المجموعة البرازيلية "أندراد غتييراز"أين تحدثت مع عدد من السائقين عن ظروف عملهم و بشكل خاص في فصل الحر و شهر رمضان. كان علينا التوّجه إلى مطعم بحي رحماني عاشور "باردو"لمقابلة سائقي الرافعات ليس لسبب سوى لأن وقت فراغهم الوحيد ساعة الغذاء التي انتهزنا فرصة نزولهم من أعلى للتحدث إليهم، حيث أخبرنا العامل عبد الرحيم 43سنة بنبرة استياء عن ظروف عملهم الصعبة قائلا بأن مهنتهم قاسية للغاية سواء في الشتاء أو الصيف، لأن وضعية الجلوس لست ساعات متتالية قبل النزول لوجبة الغذاء، ثم ست ساعات أخرى بعد الظهر تسبب لهم الكثير من المشاكل و المضاعفات الصحية و بالأخص ألم الظهر و الرقبة و انتفاخ القدمين، آسرا بأنه عند نزوله يجد صعوبة في انتعال حذائه. و استطرد زميله هشام (30سنة) قائلا بأنه يجد أحيانا كثيرة صعوبة في الوقوف على قدميه بمجرّد نزوله من حجرة القيادة و يضطر للاستعانة برفاقه للوقوف قبل مباشرة السير لما تسببه له وضعية الجلوس لساعات طويلة من تشنجات " الدم يجمد في عروقنا و تشل أطرافنا السفلية و نشعر بألم فظيع على مستوى الرقبة". و قال عامل ثالث يعمل برافعة متحركة بأن مجرّد التفكير في العمل في رمضان يوّتره و يشعره بخوف من عدم القدرة على تحمّل الحر و العطش، واصفا عملهم بالشاق شتاء و صيفا. و يقاطعه عبد الرحيم ليضيف بنبرة استياء قائلا بأنه رغم توّفر المركبة على مكيّف هوائي غير أن هذا الأخير لا ينفع مع شدة الحرارة و أشعة الشمس الحارقة و نورها صعب التحمل مما يضطره لتوقيف المكيّف لعدم نجاعته في مثل هذه الظروف و يفضل فتح باب حجرة القيادة للحصول على بعض الهواء كما أردف. و من المشاكل التي يواجهونها باستمرار في عملهم قال العامل هشام أنها كثيرة و راح يذكر بعضها بنوع من الحسرة على عدم تحريك المسؤولين على المشروع ساكنا لحلها رغم علمهم بها كانعدام مصعد كهربائي لتسهيل مهمة صعودهم و نزولهم إلى الرافعات و التي تستغرق قرابة 20دقيقة في كل مرة و ما يواجهونه من لسعات الدبابير التي تجعل من البرج المعدني للرافعة أعشاشا لها ، فلا يسلمون منها سواء عند الصعود أو النزول. و أسر هشام بأنه بات يشعر بانقباض في صدره كلما وصل موعد صعود البرج المعدني للوصول إلى حجرة السياقة، مضيفا بتذمر بأن الشركة تتوّفر على مصاعد منذ انطلاق مشروع الجسر العملاق لكنها لم تقم بتركيبها لأسباب تبقى مجهولة، رغم تكرر شكاويهم و طلباتهم للمسؤولين بخصوص ضرورة استعمال المصاعد لوقاية أنفسهم من كل الأخطار التي تهدد حياتهم و هم يصعدون إلى علو يزيد عن المائة و خمسين مترا حسبهم. و مع اقتراب رمضان و اشتداد درجة الحرارة يصبح عملهم أشبه بكابوس يخشونه يوميا كما قال السائقون الذين أكدوا عدم استفادتهم من منحة العمل في الارتفاعات مشيرين إلى تغاضي و تهاون رؤساء العمل على أبسط الحقوق، و هو ما يشعرهم بالمهانة "نحن مستعبدون في بلادنا من قبل الأجانب" قال أحد السائقين معيبا سكوت المسؤولين الجزائريين على الحقوق المهضومة لليد العاملة المحلية على حد تعبيره. و علّق آخر قائلا "الدعامات الإسمنتية أوشكت على نهايتها، و لن نتلقى منح الارتفاع"إشارة إلى يأسهم من الحصول على حقوقهم. و رغم الظروف الصعبة و المشاكل الكثيرة التي يواجهونها باستمرار في عملهم، إلا أن يوميات سائقي الرافعات لا تخلو من الطرائف و المواقف المثيرة للضحك، لا سيّما عندما يتعلّق الأمر بعدم فهم كلام الأجانب الذين يتعاملون معهم بلغة الإشارات مما اضطرهم لحفظ بعض العبارات التقنية الأكثر تداولا من قبل هؤلاء.