د- وليد بوعديلة/ جامعة سكيكدة عندما يتجدد الاحتفال بلحظات هامة من الذاكرة الجزائرية على الجزائريين أن يتأملوا واقعهم وأحوالهم في جميع الميادين، لأجل قراءة واعية للمتغيرات التاريخية و التحولات الاجتماعية، قصد التقييم والتقويم والبحث في الأهداف النوفمبرية الجليلة وطبيعة التعامل معها الآن وغدا. وهنا نتذكر شاعر الثورة مفدي زكريا، فماذا لو عاد هذا الأسبوع؟ لو جاءنا الشاعر وسأل عن آثاره الشعرية والنثرية ؟، فبماذا نجيب؟ إذا بحثنا في المكتبات فلن نجد فيها دواوين شاعرنا، و طلبتنا في الآداب إذا سألوا عن ديوان" اللهب المقدس" أو الإلياذة فقد يجيدون نسخة أو نسختين في كبرى الجامعات، وربما لن يجدوا ، ولا داعي للبحث عن ديواني "تحت ظلال الزيتون و"من وحي الاطلس" فهما غائبان وربما الكثير من الباحثين في الأدب الجزائري لا يعلمون بان الشاعر الثوري قد كتبهما أصلا، وهما يضمان الشعر الذي كتبه في تونس والمغرب بعد الاستقلال. وهنا نعتذر لمفدي لأننا لا نعلم سبب اختياره العيش- أثناء الاستقلال- بتونس والمغرب ، بعيدا عن الوطن الذي تغنى به، بل إنه قد كتب مديحا للحسن الثاني وبورقيبة ولم يمدح بومدين، وهذا من الأسرار التي تبحث عن أجوبة لدى من عاش تلك الفترة من الاختلاف بين مفدي وبومدين، وقد يقدم محي الدين عميمور او سليمان الشيخ(ابن الشاعر مفدي) او احمد طالب الابراهيمي أو غيرهم جوابا للأجيال الشابة عن أسباب ابتعاد الشاعر عن وطنه واختلافه مع النظام البومديني؟ وإذا عاد مفدي فلن يجد الدراسات الكثيرة التي تقدره شاعرا ومناضلا، لان الدولة الجزائرية انشغلت عنه وأهملته، فلم نسمع –يا مفدي- عن مهرجان ثقافي عنك في ولاية غرداية؟ ولم نسمع عن إعادة لطبع دواوينك الشعرية؟ بل إننا لا نعرف أن لك شعرا بالعامية، لأنه لم ينشر إطلاقا؟؟، فعذرا لك أيها الشاعر الثائر. ولم تسع وزارة الثقافة لنشر الدراسات الجامعية التي درست شعر مفدي، كما أن الباحثين في مخابر البحث الأكاديمية قد بحثوا في شعره، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب لكن دون نشر الأعمال، وهي مهمة دور النشر والهيئات المكلفة بالثقافة ولائيا، وقد أضاعت الجزائر الكثير من السنوات والمناسبات الثقافية الكبيرة وذات الطابع الجهوي والدولي دون الالتفات لنشر الأطروحات الجامعية الخاصة بمفدي زكريا، وحتى لو وجدت فهي توزع على نطاق ضيق في ظل عدم وجود استرايجية للتوزيع ،وكأن المهمة تنتهي بطبع الكتاب و أخذ أموال الخزينة العمومية من دون تخطيط للانتشار الوطني أو حتي الجهوي. والكتب التي تناولت مفدي زكريا من سنوات بعيدة ظلت هي الأخرى من دون طبعات جدية، مثل كتب محمد ناصر ويحيى الشيخ صالح وحواس بري وبلحيا الطاهر... والكثير من الملتقيات او الندوات عنك يا مفدي كانت مواعيد مؤقتة وغير مؤسسة على بعد النظر، فهي تجمع الدارسين وتنفق الأموال من دون السعي لطباعة الدراسات وتوزيعها. واعذرنا يا شاعر الثورة لأن الجزائر المستقلة قد عجزت و تعجز عن صناعة فيلم أو مسلسل عن مسارك النضالي كما عجزت عن الفعل نفسه مع ابن باديس وبومدين ومالك بن نبي و زيغود يوسف وغيرهم من الشخصيات الفكرية والثورية والسياسية..؟؟، وهو العمل الفني الدرامي الذي أنجزه المصريون عن رجالهم مثل طه حسين وجمال عبد الناصر والسادات و... و إذا عاد مفدي فسيجد البعض قد نسوا مبادئ الثورة النوفمبرية، وتحولوا إلى سياسيين طماعين في المناصب والمكاسب ولم يسلموا مشعل القيادة للشباب، حتى أصبح هذا الشباب كارها لتاريخه ووطنه (حاشا الرجال الوطنيين). سيحزن مفدي لواقع اللغة العربية في المؤسسات الرسمية وفي الشوارع، وسيكتشف أننا قد جعلناه اسما للمدارس والمكتبات من دون السير على خطاه في الإخلاص للوطن وتمجيد التاريخ وتقديس"قسما"، وسيشهد من بعيد كيف يكتفي المسؤولون من البلدية إلى قمة الهرم السلطوي بنشاط برتوكولي متكرر -من زمن الستينات- في كل مناسبة وطنية، ثم الانصراف لتوزيع ريع الدولة وأموال الغلابى وأراضي الوطن ، وممارسة الفساد المالي والسياسي و... إذا عاد مفدي سيجد الأمم قد تقدمت كثيرا في حقوق الإنسان وحرية التعبير والديمقراطية وتشجيع الكفاءة العلمية في كل قطاع عمومي اوخاص، لكن سيجد وطنه محاصرا بالشرعية الثورية و الفكر العروشي ، وهو متخلف عن كثير من الدول الإفريقية في حرية التعبير وتقنيات الاتصال، وسيلاحظ الكثير من التطور في المنجزات والهياكل والبنايات لكن الروح التي تسيرها وتتحكم فيها مازالت متأخرة عن ركب الأمم الحضاري. سيجد مفدي أننا نلجأ إلى فرنسا في كل شئ، فلغتها هي السائدة ومرضانا يعالجون عندها، واجيال من الجزائريين استقرت فيها او هي تنتظر فرصة الهروب إليها بكل وسيلة، بل إن فرنسا الرسمية مجدت استعمارها للجزائر، ولم يتحرك برلمان وطن الشهداء لانجاز قانون يجرم الاستعمار، ويبقى رجال الجزائر يفكرون ويحلمون في تجريمها بطريقة قانونية ورسمية، فأي ذل هذا يا شاعر الثورة؟ أخيرا: إذا عاد مفدي فلن يجد الجزائر بيضاء كليا ولن يجدها سوداء كليا، لكن الأكيد أنه قد يندم على العودة، وقد يفكر في إحراق كل شعره الوطني عن جزائر المعجزات ، وإذا عاد سيختفي الكثير من الذين يتحركون في المشهد الوطني سياسيا و ماليا ،خوفا من قنابله الشعرية، وسترا لفضائحهم وخياناتهم، فيا ليت الرجال يعودون، يا ليت الأمير عبد القادر يأتينا، يا ليت زيغود يعود إلينا ، يا ليت كل الشهداء يقومون لحمايتنا من الذين خانوا العهد النوفمبري.