وهران - يواصل الكتاب العموميون مزاولة مهنتهم التي تأبى الزوال حيث يعكفون يوميا وبلا كلل على ملئ الاستمارات الإدارية وكل أنواع الطلبات والصكوك البريدية وغيرها من الوثائق مقابل مبلغ معين مستعملين القلم أو تلك الآلة الراقنة القديمة. و بوهران يستقر هؤلاء شتاءا أو صيفا بالقرب من مقرات مصالح البلديات والوكالات البريدية أو قنصلية اسبانيا "مجهزين" بكرسي صغير بلاستيكي وطاولة وأحيانا آلة قديمة للرقن ومحفظة أكل عليها الدهر وشرب تحمل أوراقا وورق الكربون الذي لا يكاد يفيد بسبب استعمالاته المتكررة. و بالبريد المركزي لوهران أو بالوكالات الصغيرة بمختلف المناطق "يرخص"للموظفين القدامى المتقاعدين ملئ صكوك الحسابات البريدية و غيرها من الوثائق البريدية حيث يتواجدون عند المدخل الرئيسي لهذا المبني أمام المكاتب المخصصة في الأصل لزبائن "بريد الجزائر". و من هؤلاء العربي الذي لا يزال يحافظ على نشاطه رغم تجاوزه سن ال70 و هو يتواجد بالبريد المركزي لوهران . و يقول العربي حول مهنته أن ملء الصكوك أو الوكالات البريدية تعد وسيلة تمكنني من كسب بعض المال لتغطية احتياجاتي كون معاش التقاعد كموظف ينفذ في النصف الأول من الشهر مما يجبرني على مزاولة هذه المهنة". وسيلة تساهم في تغطية مصاريف الشهر وأغلب الكتاب العموميون الذين ينشطون بالقرب من الوكالات البريدية هم من موظفي البريد القدامى حيث يسمح بوجودهم كما أنهم حافظوا على علاقاتهم المتينة مع زملائهم السابقين. "إننا نضع مؤهلاتنا ومعارفنا في خدمة المواطنين حيث بالإضافة إلى ملئ الاستمارات أو الصكوك فإننا نقدم يد العون للأشخاص المسنين والأميين للخروج من متاهات إدارتنا" يضيف نفس المتحدث. ويكثر الطلب على خدمات الكتاب العموميين المتواجدين بالقرب من قنصلية إسبانيا من طرف طالبي التأشيرة باعتبار أنه يتعين على هؤلاء تقديم طلب مكتوب على آلة الرقن يتضمن كل المعلومات المطلوبة في الاستمارات. وفي هذا الصدد يقول نسيم -وهو طالب شاب يطمح إلى السفر إلى مدينة أليكانت لقضاء بضعة أيام -"إننا مجبرون على اللجوء إلى هؤلاء لأنهم يتوفرون على آلات للكتابة". ومن بين هؤلاء الكتاب علي الذي كان يعمل في السابق عونا إداريا غير أنه تم تسريحه من عمله إثر حل المؤسسة فقرر مزاولة هذا النوع من النشاط واختار هذا الموقع الذي يصفه ب "الاستراتيجي " باعتبار أنه محاذ لملحقة إدارية تابعة للبلدية وكذا لمقر قنصلية اسبانيا .ويرى علي أن شهر رمضان يشهد تراجعا في العمل إلا أن ذلك لا يمنع من كسب القوت اليومي. وعلى مستوى الملحقات البلدية يتكفل الكتاب العموميون بكل أنواع الوثائق من تصريح شرفي بسيطإلى شهادة الإقامة مرورا باستمارات طلب بطاقة التعريف الوطنية أو جواز السفر وغيرها من الوثائق الأخرى اللازمة لتسوية مسألة إدارية. شهود على عصرنا وبالقطاع الحضري للصديقية ينشط العديد من هؤلاء الكتاب فمنهم من يوفر كرسيا إضافيا خصصه للزبون ومنهم من يجلب معه في أيام الحر شمسية كبيرة لتجنب أشعة الشمس الحارقة. ويعرف الكتاب العموميون بكونهم "مقدمي خدمات" فهم يعملون بمثابرة لامتناهية ولا يتأخر الذين لديهم خبرة في مجالات محددة من وظيفتهم السابقة في تقديم النصائح وتوجيه الزبون والتكفل بمختلف المسائل التي تعرض عليهم . و قد حول البعض منهم محلات تجارية وشقق الى مكاتب على غرار مكتب متخصص في هذا المجال يقع على مستوي الشارع المؤدى إلى ساحة "خنق النطاح" بوسط مدينة وهران حيث لا يكاد يفرغ طوال النهار من الزبائن. و داخل هذه المكاتب يجيب الزبون بهمسات خافتة على الأسئلة يليها الصوت المنبعث من الآلة الراقنة. أما الكتاب العموميون الذين يتوفرون على الإمكانيات المالية فيستعملون أجهزة الإعلام الآلي وآله للطبع وخط هاتفي وحتى بطاقات زيارة ويقول عنهم البعض بأنهم يتكفلون سوى ب"القضايا الكبيرة" التي يجنون منها الربح الوفير. وبالرغم من التطور الذي يعرفه المجتمع في مجال التمدرس وتأثير تكنولوجيات الإعلام و الاتصال الجديدة وتحسن المستوى المعيشي والمعارف فان الكاتب العمومي يبقى كمهنة تقاوم تقلبات الزمن فمن المستبعد أن يتوقف هؤلاء المهنيون عن النشاط. "إننا شهود على عصرنا بما ان البعض من زبائننا هم أمثلة حية لمشاكل يعيشها المواطنون يوميا منها تلك المرتبطة بالسكن والبطالة والطلاق وغيرها" يقول عز الدين الذي اتخذ مكانا له قرب مصالح البلدية بحي "المدينةالجديدة" مضيفا "إننا نحاول عند كتابة الشكاوى إعطاء بصيص من الأمل لهؤلاء الأشخاص الذين يواجهون مشاكل". و قد يحدث أن يعيش بعض هؤلاء الكتاب العموميين حالات مضحكة مع زبنائهم حيث سبق وأن جاء شاب للكاتب العمومي عز الدين يطلب منه أن يكتب له رسالة حب إلى عشيقته. و يقول هذا الكاتب العمومي "إنني ضاعفت من جهدي لكتابة رسالة من أجمل ما يكون إلى درجة أن الزبون تركني وهو في غاية السرور ولم أجرؤ على أن أطالبه بمبلغ 200 دينار الذي وعدني به".