باتنة - أطلت (عروس المطر) أو ما يعرف في الموروث الشعبي الأمازيغي ب "بوغنجا" من ركح مسرح باتنة الجهوي في أجواء احتفالية بهيجة عبر لوحات كوريغرافية راقصة وموسيقى راقية أضفت لمسة سحرية على حفل افتتاح المهرجان الثقافي الوطني للمسرح الأمازيغي في طبعته الثالثة. وعادت تفاصيل الأسطورة بحيثياتها الخرافية التي عششت فصولها المشبعة بقيم اجتماعية وجمالية لقرون طويلة في أذهان المجتمع الأوراس لتنبعث كالطيف سهرة يوم السبت أمام ضيوف عاصمة الأوراس وهي تعيش العرس الأمازيغي في سنته الثالثة ليرحل الحضور عبر الزمن وفي خلسة من الواقع مع أبطال (تاسليت أن و انزار) أو عروس المطر. وبوغنجا التي توارثتها النسوة في المجتمع الأمازيغي لحقب طويلة عن الجدات والأمهات هي طقوس احتفالية كانت تقام عادة ولوقت غير بعيد لطلب الغيث لما تشح السماء ويشتد العطش بالأرض فتخرج مجموعات من النساء (يطلق عليها محليا المحفل) في الهواء الطلق بعد أن تقمن بتزيين مغرفة كبيرة بمناديل ذات ألوان زاهية ويضعنها في قدرة من الطين أو الفخار مملوءة بالماء. وتنطلق طقوس التضرع إلى السماء بترديد أغنية شهيرة مازالت تحتفظ بها الذاكرة الشعبية بالمنطقة تبدأ كلماتها ب" أنزار أبرباش للوان المغران ينغى أوذان ياربي سرس أمان". ومعناها "يا أنزار ذي الألوان البهيجة المختلفة إن العطش قد قتل الناس ياربي أنزل الغيث." وتروي الأسطورة الأمازيغية القديمة (قبل مجيء الإسلام) التي تعكس إحدى المعتقدات التي عرفها قدماء الأمازيغ حكاية القروية الجميلة طاسليا التي قررت ذات صباح أن تنزل إلى نبع الماء لتستحم بمساعدة بنات الغابة الخيرات وتقدم أمنياتها مثل قريناتها المقبلات على الزواج لكن فجأة يظهر أنزار اله المطر (يقابله في الميثولوجيا الإغريقية الإله بوصيدون) رفقة خدمه بزيهم الأسود وشكلهم المخيف فيطلب يدها معلنا رغبته في الزواج منها إلا أن القروية الجميلة ترفض بحجة أنه قوة غير مرئية ولا ينتمي إلى جنس البشر. ويشتد غضب أنزار تضيف الأسطورة من القروية ويعاقب الفتاة ومن خلالها كل قبيلتها بقطع الماء عنهم فيحل الجفاف بأرضهم ويهرع سكان المنطقة إلى كبير القوم وقائدهم الروحي الذي يعجز عن تفسير الظاهرة فتعترف طاسليا أمامه بما وقع لها عند النبع فيقرر التضحية بها من أجل إنقاذ أهلها من الموت عطشا. وتزف القروية الجميلة حسب الأسطورة وهي في كامل زينتها الى النبع وتقدم إلى آنزار الذي يختطفها بمجرد أن يراها وبعدها مباشرة تنفجر اليانبيع من جديد وتعود الحياة إلى الأرض العطشى والغبطة إلى النفوس ويظهر قوس قزح بألوان الطيف مزينا السماء أو (تاسليت أنزار) المعروف بعروس المطر كدليل لرضا أنزار عن القبيلة . وورد في الذاكرة الشعبية إن سكان المنطقة كانوا يحتفلون ببوغنجا في فترات الجفاف في قديم الزمان بوضع دمية من القش في أعلى عصا أو غصن شجرة كرمز لطاسيلا التي ضحت بنفسها من أجل سعادة قبيلتها إلا أن الدمية عوضت بعد مجيئ الإسلام الى المنطقة وإقبال سكان الجهة عليه إلى مغرفة تزين بمناديل زاهية الألوان وتدور حولها طقوس بوغنجا. ومعروف أن الباحث الفرنسي غابريال كامبس قام في السبعينيات بمنطقة الساورة بعدة أبحاث حول هذه الطقوس وقدم خلاصة يقال حسب الباحثين بأنها هامة حيث صنفها ضمن الأساطير العقائدية القديمة التي كانت منتشرة بشمال إفريقيا. وقد وفق عيسى شواط في تصميم رقصات عرض "عروس المطر" الذي خطف الأضواء في افتتاح الطبعة الثالثة من المهرجان الثقافي الوطني للمسرح الناطق بالأمازيغية في حين أبدع الباحث والموسيقي سليم سوهالي كعادته في كتابة نص وموسيقى العرض وأكد لوأج بأنه "اختار الموسيقى الكلاسيكية لإعطاء بعد عالمي للقصة الأسطورة بغية إخراجها من نطاقها الضيق المحلي إلى التراث الإنساني العالمي". وتبقى بوغنجا كغيرها من الأساطير الأمازيغية القديمة مثلها مثل شايب عاشوراء وبطلته مريمة التي مازالت شاهدة كدليل على أن المجتمع الأمازيغي القديم عرف المسرح ومارسه على خشبة مفتوحة هي الطبيعة دون أن يعلم شيئا عن هذا الفن وأصوله لذا كان التأسيس لمهرجان المسرح الأمازيغي وقفة اعتراف لهذا التراث الغني الذي يستوجب على فرسان الخشبة و الكلمة الغوص فيه والنهل من درره الفريدة التي ستزيد دون شك من ثراء التراث الثقافي الجزائري.