يعد المخطط الوطني لتهيئة الاقليم لآفاق 2030 والذي شرع في تطبيقه منذ 2011 بعد أن تدعم باطار قانوني عام 2010 فرصة لتحقيق التنمية المتكافئة والمستدامة في كل مناطق الوطن في اطار الادارة و الحكم والراشد و هو البرنامج الذي يعد الاول من نوعه خلال خمسين سنة من عمر استقلال الجزائر. ويترجم هذا المخطط الذي قامت بإعداده لجنة قطاعية شكلت من طرف وزارة تهيئة الاقليم والبيئة "والتي تضم أيضا خبراء وطنيين وأجانب التوجيهات والترتيبات الاستراتيجية لسياسة تهيئة الاقليم والتنمية المستدامة" لافاق2030 . يعتبر هذا المخطط الذي يعد الاول من نوعه منذ تحقيق الاستقلال الوطني "صحوة هامة" لاستعادة البعد الاقليمي في الجزائر بحيث يلم بمعظم النشاطات القطاعية لتوحيد التطور الوطني لآفاق 2030 من أجل تنمية مستدامة، كما أوضحت مصادر من وزارة تهيئة الاقليم والبيئة لوأج. ويتكيء هذا المخطط على خمسة محاور تحدد انسجام السياسات والاستثمارات وترسم خريطة الهياكل القاعدية وخريطة المنظومة الحضرية وتأمر بالأحكام للحفاظ على الفضاءات التي هي محل أطماع. كما يرتكز المخطط -حسبما جاء في هذه المصادر- على ثلاثة أسس رئيسية تهدف الى الحفاظ على رأس المال الطبيعي و التراث الثقافي و تفعيل التنمية في سوق عالمية تنافسية و الانصاف و التضامن في "تقاسم التنمية وحسن توزيعها بين مناطق الوطن". وقد جاء هذا المخطط كما أوضحت المصادر، لتدارك الفجوة والنقائص والاختلالات التي يعاني منها الاقليم حيث أن الجزائر عرفت منذ بداية الاستقلال الوطني "غياب سياسة وطنية في مجال تهيئة الاقليم و كل المحاولات التي سبقت هذا المخطط لم تكن واقعية و عانت من غياب السلطة و الاموال و الادوات و التصور". إلا أنه بعد اجراء معاينة ميدانية و جرد في هذا المجال "تبين جليا ان الاقليم الجزائري متباين و يعاني من اختلالات كبرى و فوارق خطيرة بسبب وجود موارد طبيعية محدودة تعرف منحنى تنازلي في مقابل ساكنة تتوسع و تعرف منحنى تصاعدي". ومن بين الأهداف السياسة لتهيئة الاقليم ايضا "تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية لكل مناطق الوطن و كذا العمل على عقلنة استغلال الثروات الطبيعية بطريقة مستدامة لفائدة الاجيال الصاعدة". فالمخطط الوطني لتهيئة الاقليم "ليس بسياسة اضافية وانما اطار تصب فيه كل المشاريع والاستثمارات وتنطلق منه السياسات"، حسب اراء العديد من الخبراء المختصين في هذا المجال. فتوازن الاقليم يتأرجح في الجزائر كما اوضح هؤلاء الخبراء بين الاكتظاظ و الفراغ لذلك فان هذا المخطط -على حد تعبيرهم- ينطلق من "نظرة استراتيجية و وقائية ومعالجتية" مما يتطلب من الجيل الحالي تجسيد هذا المشروع لجزائر 2030." فسياسة الاقليم أيضا تتطلب حماية البيئة من خلال تحقيق تنمية مستدامة والمساهمة في "تدارك النقائص الطبيعية والجغرافية لكل مناطق الوطن و ترقية وتثمين التنمية في كل المجالات وتحقيق توزيع متوازن للاقليم". ويرى الخبراء أن هذ المسعى يتجسد ب"الشروع في اعمار واستغلال المناطق النائية والمعزولة من بينها الهضاب العليا ومناطق الجنوب والصحراء للتخفيف من اكتظاظ السكان في المناطق الشمالية والتلية والساحلية التي تعرف بهشاشتها نظرا لتعرضها الى الكوارث الكبرى كالزلازل والانزلاقات الارضية والفيضانات الى جانب الحوادث الصناعية الناجمة عن نشاطات الانسان". غير أن المناطق الساحلية -كما اوضحت المصادر ذاتها "لا تشكل الا نسبة اربعة بالمئة من مجموع المساحة الوطنية التي تقدر بمليونين و 381 الف متر مربع تتوفر على اراضي زراعية خصبة تقدر بثمانية ملايين هكتار و كذا على مزايا مناخية وعلى شريط ساحلي يبلغ طولة 1200 كلم". ويستدعي تنظيم الاقليم كما أكد هؤلاء المختصين "اعادة هيكلته للتخفيف من كل النشاطات والاعتداءات التي تعرضت اليها لحد الان المناطق الساحلية". كما أن سياسة تهيئة الاقليم تصبو أيضا نحو "تحسين ظروف معيشة السكان من خلال مكافحة التهميش والاقصاء بفضل تكافؤ الفرص بين كل مناطق الوطن خاصة بين الارياف و المدن بإعادة توزيع النشاطات الصناعية والاقتصادية خاصة في الهضاب العليا ومناطق الجنوب والصحراء". وأشارت المصادر ذاتها الى ان تحقيق مسعى توازن الاقليم يتوقف على أهمية "تثمين المدن الكبرى و تنظيمها بطريقة عقلانية ومنح الاولوية للتطوير النوعي للأحياء وانسنتها بتوفير كل المرافق الضرورية والخدمات الاجتماعية". ويتطلب ذلك ايضا "انشاء مدن جديدة تراعي خصوصيات ونشاطات المناطق" من خلال انجاز "مشاريع بناء مدن جديدة في الهضاب العليا و الصحراء من بينها مدينتي بوغزول و المنيعة". ولربط هذه المدن بالمناطق الشمالية لتحقيق التنمية المستدامة ابرز نفس المصدر اهمية "توسيع شبكة الاتصالات من بينها الطرق السريعة وشبكة السكك الحديدية ودعم مشاريع تحويل المياه الى مناطق الجنوب". ولهذا الغرض تم في اطار تهيئة الاقليم تجسيد مشروع "تحويل المياه من منطقة عين صالح الى تمنراست على طول طريق يقدر ب740 كلم". ويشمل هذا المخطط الوطني لتهيئة الاقليم كل القطاعات الوزارية والمجالات الحيوية التي من شأنها تحقيق تنمية مستدامة من بينها وزارات الفلاحة والصناعة والنقل والطاقة والمياه و السياحة والبيئة وقطاعات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والثقافة. ويستلهم المخطط الوطني لتهيئة الاقليم منهجيته من "البراغماتية" و "يطمح الى تحقيق الازدهار و الانصاف" ويتشكل من 17 مجلدا و يتفرع الى 20 برنامج عمل اقليمي. و يلزم الوزارات بتحضير 20 مخططا قطاعيا يشمل المالية و السكك الحديدية و الطرق و الموانئ و المطارات و الجامعات والري. وفي هذا الاطار تم جعل عملية استصلاح المناطق الصحراوية "أهم رهان للتنمية" وذلك في اطار برامج تهيئة الإقليم الجارية في اقصي الجنوب حيث أن السلطات العمومية جعلت من الإعمار المنسجم للفضاءات الشاغرة تقريبا هدفا هاما للتنمية. ومن بين اهداف المخطط خلق توازنات في توزيع المشاريع الاستثمارية الصناعية والتجارية وخاصة الخدماتية منها بين ولايات الشمال الساحلي والجنوب والهضاب و القضاء على ظاهرة تدهورالنسيج العمراني نتيجة بروز انماط عمرانية مشوهة للبيئة مع اعادة الاعتبار لخدمة الاراضي الفلاحية والتي تأثرت بفعل اتساع الدوائر الحضارية بطريقة عشوائية. كما "تهدف على المديين المتوسط و البعيد الى اعادة توزيع السكان على مستوى الهضاب العليا و الجنوب الشاسع التي تعد الكثافة السكانية بهما ضعيفة و الثقل الاقتصادي (خارج المحروقات) غير معتبر". وذكر الخبراء ب"الامكانيات الهائلة" التي يتمتع بها الجنوب الجزائري الذي يزخر بموروث سياحي ثري و متنوع مشيرين الى ان "الآلاف من السياح لم يخطئوا عندما بادروا بهذه الوجهة بعد استتباب الوضع الامني". واعتبر ان استصلاح الجنوب "مستمر من خلال تعبئة موارد الدولة تعبئة غير مسبوقة حيث لم يتم تجاهل اي قطاع ومتطرقا الى "المشاريع الكبري" الهادفة الى "اقتحام الاسواق الافريقية لتعزيز التبادلات بين بلدان الجنوب". وقد دعم هذ المخطط بقانون عام 2010 حيث يعطي من خلال احكامه ضربة البداية لإرساء معالم تهيئة الاقليم واخراجه من الوضع المزري الذي يكاد أن يؤول اليه". نظرا للاهمية التي يكتسيها الاقليم في "جلب الاستثمارات" كونه "حركي و غير جامد يحتضن في جوفه موارد و يستقبل على سطحه نشاطات وتجمعات عمرانية".