(بقلم توفيق العافر) بومرداس – تعتبر بومرداس (الصخرة السوداء سابقا) ولاية فتية عرفت على مدار 50 سنة تحولات عميقة و نقلة تنموية نوعية بعدما تم الارتقاء بها سنة 1984 إلى مصاف الولايات. واستمدت الولاية تسميتها الحديثة "بومرداس" بداية من ستينات القرن الماضي من اسم العلامة "سيدي علي بن احمد بن محمد البومرداسي" الذي أسس زاوية أولاد بومرداس بمنطقة "المرايل " حيث كانت منارة للعلم و المعرفة. ويعود تاريخ منطقة بومرداس إلى فترة ما قبل التاريخ حيث ظهرت حينذاك مختلف الصناعات البدائية ومواقع أثرية لا زالت حية إلى اليوم بمناطق مثل دلس و"تاقدامت" و" أيمي" بزموري حيث ذكرها العديد من الرحالة كالإدريسي في القرن 12 والرحالة الانجليزي المشهور الدكتور توماس شي في القرن 18 و الرحالة الألماني هاينريش فون مالتسان في القرن 19 . احتضان مقر الحكومة الجزائرية المؤقتة مباشرة وراء ذيع صيتها واشتهر اسم المنطقة في المرحلة الأخيرة من عمر الثورة التحريرية بعدما اختيرت لاحتضان مقر الهيئة التنفيذية المؤقتة للحكومة الجزائرية برئاسة المرحوم عبد الرحمن فارس و فيها رفع لأول مرة علم الاستقلال الوطني. و كان لهذا العامل التاريخي الأثر الكبير في التعريف بالمنطقة التي كانت في تلك الحقبة الكلولونيالية غير معروفة و تسمي ب منطقة "روشي نوار" أو الصخرة السوداء حيث كان ينتشر فيها عدد من المزارع التابعة للكولون و ثكنة كبيرة كانت تضم اللفيف الأجنبي التابع للجيش الفرنسي. ويقع مقر الحكومة الذي لا يزال إلى حد اليوم بوسط مدينة بومرداس حيث تحول في سنوات الستينات إلى مكتب عميد كلية المحروقات و بقي إلى اليوم كمكتب لعميدة جامعة بومرداس. ويذكر أن هذه المنطقة التي خضعت للاحتلال الفرنسي سنة 1844 بعد سلسلة من المعارك البطولية ضد الماريشال "بيجو" الذي قاد الحملة اشتهرت إبان الحقبة الاستعمارية بإنتاجها لكميات كبيرة من العنب الحبوب. بومرداس مدينة العلم و المعرفة يقابل الزائر لمدينة بومرداس من مدخلها الرئيسي الشمالي معلم كبير يجسد طبيعة المدينة و يلخص هويتها حيث كتب عليه بالبنط النحاسي العريض "مدينة العلم و المعرفة ترحب بكم". و شرع في تجسيد هذا المعني الأخير فعليا بداية من منتصف الستينات حيث دأبت السلطات في تجسيد سياسة واضحة بغرض تحويلها إلى مدينة علم و معرفة بامتياز من خلال إنشاء و بعث عدة معاهد و مراكز و مخابر وطنية متخصصة. وتحولت مدينة بومرداس التي ألحقت بعد ألاستقلال إداريا ببلدية الثنية (ولاية الجزائر العاصمة ) على إثر تلك السياسة إلى "محمية علمية و معرفية" محصور الإقامة فيها أو الدخول إليها إلا على طلاب العلم و البحث العلمي و لم يكن يسمح بدخولها إلا بتسريح إداري رسمي. وتلاحقت الإنجازات بعد ذلك حيث تم إنشاء ستة معاهد وطنية متخصصة كبري على غرار المعهد الوطني للهندسة الكهربائية و الإلكترونية و المعهد الوطني للمحروقات و الكيمياء المشهور بتكوينه لعدد كبير من الطلبة من مختلف الدول الإفريقية و المعهد الوطني للهندسة الميكانيكية و المعهد الوطني لمواد البناء و المعهد الوطني للصناعات المعملية و المعهد الوطني للصناعات الغذائية. كما تعج مدينة بومرداس بعدد من المخابر و مراكز التكوين على غرار المعهد الجزائري العالي للبترول و المعهد الوطني للإنتاجية و التنمية الصناعية المتخصص في الاستشارة و مساعدة المؤسسات و مركز الإعلام الآلي و المعلوماتية ومركز البحث و التطوير لسوناطراك و مخابر التبغ و الجلود. وتطورت الأمور بعد ذلك بإنشاء على أنقاض المعاهد المذكورة سنة 1998 جامعة أصبحت تستقبل بمرور السنوات زهاء 30 ألف طالب من داخل و خارج الوطن في تخصصات مختلفة. بومرداس ترفع التحدي و تعود إلى الحياة على أنقاد زلزال مدمر يعد زلزال 21 ماي 2003 المدمر (68 درجة على سلم ريشتر) الذي هز الأرض في حدود الساعة 7 و 44 دقيقة تحت أقدام سكان بومرداس أكبر مأساة عاشتها الولاية و سكانها على مدار خمسين سنة من استرجاع السيادة الوطنية. وكانت حصيلة هذا الزلزال العنيف و تبعاته ثقيلة حيث تسبب في هلاك 1391 شخصا و إصابة 3444 آخرين بجروح وألحق خسائر مادية تجاوزت 3 مليارات دولار و شل الحياة بأكملها حيث ألحق أضرارا بزهاء 100 ألف مسكن منهم أكثر من 10.000 مسكن هدمت بالكامل إضافة إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بمختلف المرافق العمومية الحيوية. وبقدر ما كان حجم الدمار شاملا بقدر ما كانت الإرادة السياسية متوفرة و في الموعد لإعادة الحياة و الهبة الشعبية التضامنية قائمة لرفع التحدي و التصدي لمخلفات هذه الكارثة الحقيقية. وقامت مصالح الدولة فور وقوع الكارثة بتجنيد كل طاقاتها البشرية و المادية من أجل مجابهة الآثار و التكفل بالمنكوبين حيث فاقت المبالغ المالية التي رصدت لذلك أل 78 مليار دج . إضافة إلى ذلك تم إنجاز برنامج سكني استعجالي ضخم يتكون من 8.000 مسكن لإعادة إسكان المنكوبين حيث تم إلى حد اليوم تسليمه بالكامل للمنكوبين. كما تكفلت الدولة أيضا بترميم عن طريق مؤسساتها زهاء 86 ألف مسكن متضرر و منح إعانات مالية مباشرة للمنكوبين للقيام بعمليات الترميم و إعادة بناء سكناتهم. بومرداس ولاية واعدة و طموحة تجمع بين السياحة و الفلاحة وبعد الارتقاء ببومرداس سنة 1984 إلى مصاف الولايات تحولت على إثر ذلك الطموحات و تغيرت السياسات التنموية الخاصة بالمنطقة بغرض فتح أفاق أخري مبنية و مركزة على تثمين طابعيها المميزين المتمثلين في السياحة و الفلاحة تماشيا مع ما صاحب ذلك من نمو ديمغرافي هائل (أكثر من 800 ألف نسمة) و توسع عمراني بسبب موقعها الجغرافي الهام وسط البلاد. ففي الجانب السياحي تم فتح المجال للاستثمارات الواسعة رغم عرقلة الإرهاب لتنمية هذا المجال لسنوات عديدة حيث تم إنجاز إلى حد اليوم زهاء 20 فندقا توفر أزيد من 3 ألاف سرير يضاف إليها قرابة 7.000 سرير توفرها تسع مخيمات عائلية و تسعة مراكز صيفية إضافة إلى مخيمات الشباب. كما تم اقتراح في نفس إطار تثمين و ترقية قدرات القطاع بإنشاء 14 منطقة للتوسع السياحي تضاف إلى 10 مناطق أخري ممتدة على طول أكثر من 80 كلم من الساحل. وفي الجانب الفلاحي تم تسطير و تجسيد برامج تنموية طموحة لتثمين أراضيها الخصبة (جزء كبير منها يتواصل مع سهول متيحة الخصبة) حيث أعيد الاعتبار لعدد كبير من الشعب الفلاحية على غرار الحليب وزيت الزيتون والبطاطس و الكروم. وفي مجال طاقات تخزين المنتج ألفلاحي الواسع الاستهلاك أصبحت الولاية رائدة وطنيا و تمثل قطبا في المجال خاصة فيما تعلق بتخزين مادة البطاطس المنتجة عبر الوطن.